اختر لغتك

دعوة لمراجعة القوانين المشروخة للمأموريات بالخارج 

دعوة لمراجعة القوانين المشروخة للمأموريات بالخارج 

في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، تفرض الوقائع ذاتها على طاولات التشريع وتدعو المؤسسات إلى مراجعة أدواتها القانونية لا لتلحق بركب الزمن فحسب إنما لتتجاوزه في استشراف عوالمه المقبلة، ومن بين النصوص التي أكل عليها الدهر وشرب وتمادى في استهلاكها الزمن دون أن تمس يبرز القانون المنظم للمأموريات بالخارج كحالة صارخة من الانفصام بين النص والواقع، بين الإجراء والمقتضى، بين الدولة المتجددة والقانون الساكن.

مقالات ذات صلة:

حوادث الطرق تؤرق العاملات الفلاحيات: دعوات لتطبيق قوانين وتوفير حماية حقيقية

تفاقم حالات الإصابة بالسيدا في تونس وسط دعوات لتغيير القوانين وتعزيز الوعي

المدّوري يقود مجلس الوزراء لإقرار قوانين مالية وتنموية تُرسخ الدولة الاجتماعية

ولئن كان هذا النص قد نشأ في سياق تاريخي معين حيث كانت الدولة تمرس وظائفها الخارجية عبر نخب إدارية محدودة وكانت مفاهيم الحضور الدولي والترافع عن المصالح الوطنية ما تزال بدائية، فإن الإبقاء عليه دون مراجعة في زمن تتسارع فيه نبضات الجغرافيا السياسية وتتشابك فيه المصالح العابرة للحدود يطرح سؤالا وجوديا عن مدى قدرة هذا القانون على مواكبة دينامية الدولة الحديثة ومدى مشروعيته الوظيفية في ظل التغير الجذري لمفهوم "المهمة بالخارج" ذاته.

فلم يعد الخارج كما كان يُفهم سابقا مجرد فضاء تمثيلي أو بروتوكولي لكنه غدا مسرحا مفتوحا لصراعات النفوذ، للترافع عن القضايا الوطنية، لاقتناص الفرص الاستثمارية، لبناء التحالفات التقنية ولتثبيت الحضور الرمزي والمعرفي للدولة في محافل لا ترحم المتقاعسين، وهنا تتجلى المفارقة كيف يمكن لإطار إداري أن يؤدي أدوارا بهذا التعقيد وهو محكوم بقانون صيغ بلغة زمن لم يكن يعرف لا الدبلوماسية الاقتصادية ولا التحولات الجيوسياسية ولا المنافسة التكنولوجية المحمومة؟

ولعل الأخطر من ذلك، أن هذا القانون لا يعكس فقط تكلس النص بل يكرس من حيث لا يدري نوعا من الإهانة المؤسساتية للكفاءات الوطنية، فهو يختزل المأمورية إلى "خروج مؤقت وتعويض" متجاهلا أن المأمورية صارت اليوم امتدادا استراتيجيا لمركز القرار تتطلب تمكينا حقيقيا ماليا ولوجستيا وتقييما صارما مبنيا على الأثر لا على الحضور الشكلي.

وهنا يصبح من اللازم التوقف لا فقط لمساءلة النص إنما لمساءلة الفكر التي أنتجته هل نحن أمام قانون يراكم حضور الدولة في الخارج أم أمام آلية بيروقراطية لتصريف مهام بروتوكولية؟ هل المأمورية أداة سيادية تصاغ ضمن رؤية متكاملة للأمن القومي أم أنها مجرد بند إداري خاضع لمنطق المصادقة الروتينية؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة تقتضي، بالضرورة تحولا جذريا في المقاربة من منطق الإجراء إلى منطق الرؤية ومن منطق التسيير إلى منطق القيادة، ذلك أن المأمورية ليست مجرد "سفر" بل هي خطوة في لعبة الأمم حيث لا مكان للضعفاء ولا مجال للارتجال ولا تسامح مع من يفرط في قيمة التمثيل الوطني.

وعليه، فإن مراجعة هذا القانون ليست ترفا تشريعيا لكنه واجبا استراتيجيا، واجب يفرض أن يعاد النظر في من تسند لهم المهام، كيف يهيؤون، بأي أدوات يمكنون، وعلى أي أساس يقيمون، واجب يضع نصب عينيه أن التمثيل في الخارج لم يعد تفضيلا إداريا فحسب لكنه اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على تصدير نموذجها، وفرض سرديتها وصيانة مصالحها.

وفي نهاية المطاف، لا يمكن لدولة تسعى إلى مقعد وازن في نظام عالمي شديد التحول أن تظل محكومة بنصوص مجعدة تستند إلى مفاهيم متقادمة، وتدار بمنطق الريع المقنع، فإما أن نعلن نهاية زمن القوانين المتقادمة وإما أن نقر بأننا لا نزال ندير الحاضر بعقلية الأمس منتظرين من المستقبل أن يراعي تأخرنا.

 فمن يمسك زمام المبادرة؟ ومن يقول بكامل اليقظة والمسؤولية: لقد آن أوان التغييرزلا تجميل النصوص إنما إعادة كتابتها من جذرها حتى تليق بمكانة الوطن؟

آخر الأخبار

انتصار مستحق للنادي الافريقي في المتلوي

انتصار مستحق للنادي الافريقي في المتلوي

✨ نسيبة بن يوسف على رأس مركز الفنون الدرامية بالكاف: تعيين تاريخي لابنة الدار

✨ نسيبة بن يوسف على رأس مركز الفنون الدرامية بالكاف: تعيين تاريخي لابنة الدار

⚪🔴 النادي الإفريقي ينتصر في المتلوي ويواصل الضغط على الصدارة!

⚪🔴 النادي الإفريقي ينتصر في المتلوي ويواصل الضغط على الصدارة!

🔥 الترجي ينفجر: تجميد التعامل مع الرابطة وتهديد بالانسحاب... هل نشهد زلزالًا كرويًا في تونس؟

🔥 الترجي ينفجر: تجميد التعامل مع الرابطة وتهديد بالانسحاب... هل نشهد زلزالًا كرويًا في تونس؟

احتفال وطني ورسالة إنسانيّة: آلاف الأطفال في قلب العاصمة يهتفون بالهوية ويتضامنون مع غزة!

احتفال وطني ورسالة إنسانيّة: آلاف الأطفال في قلب العاصمة يهتفون بالهوية ويتضامنون مع غزة!

Please publish modules in offcanvas position.