نيويورك - لا يدعو البيان الصادر عن قمة الأمم المتحدة حول الهجرة، إلى الكثير من التفاؤل بالخروج بالتزامات دقيقة لحل أزمة باتت تهدد العالم برمته بعد أن وصل عدد المهاجرين إلى الملايين وتضاعف مرات بسبب الحرب في سوريا.
واجتمع قادة الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة في نيويورك لمناقشة أخطر أزمة للهجرة منذ الحرب العالمية الثانية في وضع يطغى عليه النزاع المستمر في سوريا.
وأسفر هذا النزاع الذي دخل عامه السادس في سوريا عن نزوح أكثر من تسعة ملايين شخص ولجوء أربعة ملايين آخرين إلى دول مجاورة أو إلى أوروبا.
وقرر القادة الدوليون تبني إعلان سياسي بسيط يشدد على “احترام الحقوق الأساسية” للمهاجرين وعلى التعاون الدولي من أجل مكافحة التهريب ومعاداة الأجانب وحصول الأطفال اللاجئين على التعليم.
لكن الإعلان لا يتضمن أهدافا محددة بالأرقام ولا التزامات محددة حول كيفية تقاسم الأعباء المنجرة عن الهجرة.
واعتبرت أبرز المنظمات غير الحكومية أن هذه الالتزامات أقل مما يفترض.
ولا تكمن صعوبة الخروج بقرارات ذات جدوى في تلكؤ دول كثيرة عن استضافة نسبة محددة من أعداد الهاربين من الحروب لأسباب اقتصادية والعجز عن تمويل عملية الإدماج. ولكن، أيضا، تكمن الصعوبة في استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين وإدماجهم في ثقافة مغايرة للثقافة التي يحملونها.
واقترح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن تستضيف الدول كل عام 10 بالمئة من إجمالي اللاجئين وذلك بموجب “ميثاق دولي”. إلا أن هذا الهدف تبدد خلال المفاوضات وأرجئ الميثاق إلى العام 2018 على أدنى تقدير.
ومما زاد من صعوبة إدماج اللاجئين أنه لم تمر على بداية استيعاب أعداد من اللاجئين في دول أوروبية فترة قصيرة حتى برزت إلى السطح قضايا خلافية كثيرة، إذ دخلت عوامل الدين والتقاليد والملبس كعائق ومقسم جديد، فضلا عن تحرك الذئاب المنفردة الموالية لداعش للقيام بعمليات بدائية نجحت في إثارة اليمين الأوروبي ودفعت إلى تنامي التصريحات والحوادث العنصرية إلى أقصاها.
ولا يخفي مسؤولون على أعلى مستوى في دول أوروبية أنهم يعارضون استيعاب المهاجرين لاعتبارات دينية.
وسيزيد مثل هذا الخطاب من إرباك معالجة قضية كان من المفروض أن ينظر إليها في بعدها الإنساني، حيث فقد الملايين من اللاجئين بيوتهم وأعمالهم وتركوا أسرهم، وهربوا من الحرب بحثا عن الأمان ليجدوا أنفسهم في وضع صعب.
وطالب القيادي في حزب العمال البريطاني ستيفان كينوك المجتمع الدولي بالعمل على عاملي الانفتاح والبعد عن العنصرية، من أجل تنظيم الهجرة للمساعدة على بناء مجتمع منفتح وغير عنصري.
وقال في مقال بصحيفة الغارديان البريطانية إن “هذه القيم لا يقيدها عدد اللاجئين بل نوعية التجربة التي يعيشها كل شخص في هذا البلد، مما يتيح وضع قانون للهجرة في بريطانيا”.
وأضاف كينوك المتزوج من هيلي تورنينج شميت رئيسة وزراء الدنمارك التي تستقبل بلادها مئات الآلاف من المهاجرين، أن هذا الأمر يجعلنا وجها لوجه مع حقيقة إنسانية مفادها أن “ما من أحد خلق عنصريا”.
وأشار إلى أن الهجرة تصل إلى مرحلة لا يقدر المجتمع على استيعابها مما يؤدي في أغلب الحالات إلى الوصول إلى العنصرية”.
وفر نحو خمسة ملايين لاجئ سوري من بلدهم منذ بدء الحرب فيها في عام 2011، من بينهم 1.1 مليون استطاعوا الوصول إلى أوروبا، كما استقر 430 ألفا منهم في ألمانيا. وربع عدد اللاجئين السوريين هم في عمر السابعة عشرة أو أقل.
فيما اعتبرت صحيفة الديلي تلغراف أن “فوضى الهجرة” تمنح الدول الحق في السيطرة على حدودها واختيار من يحق له الدخول إلى أراضيها.
وذكرت أنه “من يهرب من بلاده التي ترزح تحت وطأة الحروب ويلجأ إلى بلد آمن تجب معاملته بشكل مختلف عن أولئك الذين يتركون بلادا آمنة أملا في تحسين ظروف حياتهم الاقتصادية”.
وأكدت أن “الفوضى في التعامل مع قضية اللاجئين دفعت بسكان بريطانيا إلى التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيسمح لنا بالتعامل مع قضية اللاجئين بقدر أكبر من العقلانية، بحسب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي”.
وتقول رئيسة منظمة أطباء العالم فرنسواز سيفينيون “لا نشعر حتى الآن بأن هناك إرادة سياسة قوية”.
وعبرت سيفينيون عن أسفها “لغياب خطة فعلية لإعادة توطين” اللاجئين ولأن البيان الختامي اكتفى بعبارة “احتجاز أطفال وهو أمر لا نقبل به أبدا”.
وإلى الآن تعجز الأمم المتحدة عن وضع خطة لمساعدة دول الجوار السوري التي تستضيف الملايين من اللاجئين، ووجدت نفسها عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية لهم، فضلا عن أن اقتصادياتها لا تقدر على تحمل تكاليف هذا الوجود لسنوات أخرى، فيما وعود الدعم الإقليمية والدولية بقيت حبرا على ورق.
العرب اللندنية