قال الخبير العسكري والمحلل السياسي العميد الدكتور علي غازي الغامدي إننا نعيش في زمن حروب الجيل الخامس المتسمة بإثارة الفوضى “الخلاّقة” ودوامة العنف، وتعتمد بشكل كبير على الفضاء الإلكتروني ونشر الشائعات والفتن، واستخدام المعلومات والحجج الموجهة والشائعات المروجة، بهدف إثارة الرأي العام وجره إلى مواجهات مع دوائر صنع القرار السياسي، واستخدام الموارد المالية والتحكم في الثروات الطبيعية، والحرب البيولوجية ومحاولة تغيير أو تدمير البيئة الطبيعية في الدولة المستهدفة، كتوظيف الجراثيم أو الفيروسات أو غيرها من الكائنات الحية لنشر الأوبئة بين البشر والحيوانات والنباتات، والإغراق بالمخدرات، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأشار الغامدي إلى أن مواجهة حروب الجيل الخامس ليست مستحيلة، وتعتمد على تدعيم علاقات أجهزة الأمن بالمجتمع، وتحصين المجتمعات، وكسب ولاء وثقة الجماعات المستهدفة والوقوف صفًا واحدًا قيادةً وشعبًا والحذر من الطابور الخامس.
وأضاف الغامدي أن من الأضرار والأمراض الخطيرة على قوة ووحدة الأمم والشعوب إطلاق ونشر الشائعات وبث الوقيعة بين الأفراد وترويج الأكاذيب في المجالس والتجمعات، ومع التقدم التكنولوجي ووسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح نشر الشائعات على نطاق أوسع حيث نجد موضوعًا أو خبرًا منشورًا دون استناد إلى مصدر موثوق به أو شاهد بصحة ما نشر وإذاعته وبعد استقبال ومطالعة الموضوع أو الخبر تتبين المبالغة في السرد والعرض والنشر، بل لا أساس له من الصحة.
* اتساع محال حروب الجيل الخامس
وتابع الغامدي أن حروب الجيل الخامس تبدو مختلفة عن سائر الأجيال الأربعة للحروب، وتنطوي على تغير جوهري، سواء من حيث مجالات الصراع أو أدواته، ورغم توسع مجال الصراع واستخدام القوة من جيل إلى آخر من البر إلى الفضاء الإلكتروني، ومن المجالات المادية البرية والبحرية والجوية إلى المجال السياسي، فإنّ مجالات حروب الجيل الخامس تتسع لتتضمن استخدام الموارد المالية والتحكم في الثروات الطبيعية، والحرب البيولوجية في محاولة تغيير أو تدمير البيئة الطبيعية في الدولة المستهدفة، والحرب البيئية كتوظيف الجراثيم أو الفيروسات أو غيرها من الكائنات الحية لنشر الأوبئة بين البشر والحيوانات والنباتات، ومثال ذلك هجمات الأنثراكس عام 2001 ضد مبنى الكونجرس الأمريكي.
* المخدرات والإلكترونيات أيضًا
كما تندرج في إطار حروب الجيل الخامس حرب المخدرات إغراق البلد المستهدف بها، من خلال التعاون مع مافيا المخدرات والحرب الإلكترونية؛ التي تستهدف تعطيل المؤسسات الحكومية والبنية التحتية وإثارة الذعر العام وزعزعة ثقة الحكومات والشركات مثل هجمات “ستاكسنت وغناني” الأمريكية الإسرائيلية ضد المنشآت النووية لإيران، والحرب المعلوماتية؛ بمعنى استخدام المعلومات الملونة والحجج الموجهة والشائعات المروجة؛ بهدف إثارة الرأي العام وجره إلى مواجهات مع دوائر صنع القرار السياسي، وتأكيد فشل الدولة المستهدفه، واستخدام الفضاء الإلكتروني، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، من التنظيمات الإرهابية للتجنيد والاتصال والتنظيم والحشد ونشر أيديولوجياتها الراديكالية.
* دور وسائل التواصل الاجتماعي
وقد أثبت الدارسون الدور الكبير للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في عملية التحول إلى الراديكالية، ومساعدة تنظيمات الإرهاب في تشكيل أيديولوجياتهم، بل ورسم تكتيكات تنفيذ عملياتهم، ثم الدعاية لها، ومن مظاهر حروب الجيل الخامس استهداف الفاعلين السياسيين الرئيسيين القادة، بدلًا من استهداف قواتهم في الميدان، والأمثلة على ذلك كثيرة، وتشمل استهداف صدام حسين في حرب العراق 2003، وقتل معمر القذافي وتصفية أسامة بن لادن عام 2011، واغتيال السفير الأمريكي في بنغازي، كريتوفر ستيفنز 2012، وتعني فكرة غياب القيود، التي تتسم بها حروب الجيل الخامس إثارة الفوضى الخلاّقة ودوامة العنف.
* الفوضى الخلاّقة ضمن الجيل الخامس
وأشار الغامدي إلى اتساع مجالات الحروب لتشمل المجالات الاجتماعية، وتعني أنّ الصراع لم يعد مقصورًا على القوات المسلحة النظامية، بل يمتد ليشمل الأبعاد الإنسانية كافة؛ ما يجعله حاضرًا في كل مجال، وتندرج في مظاهر حروب الجيل الخامس فكرة جوزيف شومبيتر عالم الاقتصاد والسياسة الأمريكي “1883-1950″، عن التدمير البنّاء، وهي الفكرة التي تبنتها كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، فيما بعد باسم الفوضى الخلاّقة، وتبنى على ثنائية التفكيك والتركيب، وتُنص نظريتها على كيفية انتقال الدول العربية إلى الديمقراطية وبناء شرق أوسط جديد، وبصفةٍ عامة تستهدف النظرية الأمريكية استحداث حالة فوضى في مواقع الصراع بين أطـراف ٍمحلية، تتيح لواشنطن التدخل وتوجيهها لمصلحتها، وقد شهدنا تطبيقًا عمليًا لهذه النظرية في العراق، وهناك وجهة نظر تزعم أنّ الربيع العربي ما هو إلا أحد منتجات الفوضى الخلاّقة بصياغة أمريكية.
* استخدام القوة الخشنة والناعمة
ونوه الغامدي إلى أن الفاعلين في حرب الجيل الخامس يستخدمون كل وسائل القوة الخشنة والناعمة، المشروعة وغير المشروعة؛ لإجبار الخصم على الرضوخ لمطالبهم أو إسقاطه، بعبارة محددة ينظر إلى صراعات الجيل الخامس بأنّها مصدر مفتوح للحرب، وتخلق دوامة من العنف، ومن أهم الوسائل التي يلجأ إليها هؤلاء الفاعلون تشكيل تحالفات أو ائتلافات واسعة بين الدول والفاعلين من غير الدول لشن صراع متعدد الأبعاد ضد فاعل دولي آخر، ومن ذلك شبكة التحالفات التي ترعاها إيران وأذنابها في المنطقة، وتتكون من ميليشيات مجوسية تابعة، بل ومن شبكة من الجيوش المحلية كالعراق وسوريا في دول الجوار وتنظيماتٍ متجذرة بالإرهاب وخلايا نائمة وجواسيس من الأفراد الماجورين في عددٍ من دول المنطقة.
* المملكة في قلب حروب الجيل الخامس
وحذّر الغامدي من أن ما تتعرض له المنطقة والمملكة بالذات من حروب الجيل الخامس، مشيرًا إلى الهجمات الإرهابية التي تطال المملكة بين الفينة والأخرى، والتي ينفذها تنظيم القاعدة وداعش وبعض أذناب إيران ومأجوروها، وأيضًا المعلومات المضللة التي تبثها وسائل الإعلام، ولا سيما المغرضة والمعادية عن المملكة، مضيفًا أن حروب الجيل الخامس تتسم بأنّها حروب شبكية؛ حيث وجد مركز ثقل يعكس الهيكل المؤسسي، ويستخدم ديناميكيات شبكية لإحداث تخريب بالأنظمة وهذه الوسيلة من التخريب تذهب لأبعد من التدمير البسيط للبنية التحتية المادية، وترتبط بذلك سمة أخرى هي غياب القيادة؛ بمعنى وجود أفراد يعملون وفقًا لتعليمات محددة أو حتى دون تعليمات محددة مثل الذئاب المنفردة، كما تتسم حروب الجيل الخامس بالشمولية، حيث تستهدف الدولة والمجتمع معًا.
* المواجهة ليست مستحيلة
واختتم الخبير العسكري والمحلل السياسي بأن مواجهة حروب الجيل الخامس ليست مستحيلة، ولعل أنجع وسيلة لمواجهتها تدعيم علاقات أجهزة الأمن بالمجتمعات المحلية، وتحصين المجتمعات، وكسب ولاء وثقة الجماعات المستهدفة والوقوف صفًا واحدًا قيادةً وشعبًا والحذر من الطابور الخامس من مواطنين ومقيمين والإبلاغ عن أي منحرف فكريًا، وتجنب تداول الشائعات حتى ولو من باب المزاح والتندر، فللشائعات أخطارها على الأفراد والمجتمع والأمم والشعوب منها: شق الصفوف والفتنة والتناحر والكراهية والوقيعة بين الناس وإفساد العلاقات بين الأخوة والأقارب والأصدقاء وبين الشعب والقيادة وهدم القيم المثلى والأخلاق الحميدة والتخريب وإهدار الدماء، وضرر الشائعات أشد من ضرر القتل لأن الفتنة أشد من القتل، والإشاعات تكبر وتكبر وتتضخم وتروج وتنتشر طالما وجدت آذانًا تصغي إليها وألسنة ترددها وشفاهًا تنقلها ونفوسًا مريضة حاقدة تتقبلها وتكبرها وتشعلها وتصدقها فاللهم احفظنا واحفظ قيادتنا ودولتنا وأمتنا من كل سوء.