في اطار برنامجها التكويني السنوي نظّمت الادارة العامة للعمل الثقافي بوزارة الشؤون الثقافية بالتعاون مع المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بنابل وعلى مدار يومي 28 و29 أفريل 2017 بأحد النزل بمدينة نابل لقاء دراسيا تحت عنوان"أيّ دور لمؤسسات العمل الثقافي:راهنا ومستقبلا؟"وقد إفتتحت أشغاله بكلمة ترحيبيبة للدكتور محمود الماجري المدير العام للعمل الثقافي والذي تحدث عن سبل تأهيل المؤسسة الثقافية العمومية مؤكّدا أن هذا اليوم الدراسي ينظّم للنظر في واقع وآفاق مؤسسات العمل الثقافي بالمركبات الثقافية و دور الثقافة و البالغ عددها إلى حد هذا اليوم 225 ومن المنتظر أن تصل إلى 250 في نهاية سنة 2020 وهو ما اعتبره المدير العام مكسبا هاما على مستوى الفضاءات المخصصة للفعل الثقافي التي يمكن أن ننطلق من راهنها حتى ننظر في الاستراتيجيات والتصورات والمناهج الجديدة الكفيلة بانتشالها من واقعها الصّعب حتى تستجيب لانتظارات كل أصناف الجمهور بمختلف شرائحه العمرية وتقوم بدورها في مزيد تركيز الممارسات الثقافية وأضاف أنه لمعالجة عديد المسائل الجوهرية الخاصة بعمل ودور المؤسسات الثقافية تمت برمجة هذا اللقاء الدراسي ليكون مساحة يتحاور فيها عدد من الفاعلين في الحقل الثقافي تقييما للراهن وطرحا لبدائل ممكنة من شأنها تطوير أداء هذه المؤسسات بحيث تكون ضرورية ضمن النسيج الاجتماعي والثقافي بالبلاد وتساهم فعليا في تنمية الفنون والثقافة الوطنية عبر تكريسها ونشرها باعتبارها قيما عليا نحتاجها لترسيخ البعد الوطني والشعور بالانتماء في أبعاده الحضارية والرّاهنية والمستقبلية.
ونيابة عن السيد وزير الشؤون الثقافية ألقت السيدة ريم رويس رئيسة ديوانه كلمة أكّدت من خلالها أهمية هذا اللقاء كمبادرة تندرج في اطار برنامج التكوين والرسكلة للفاعلين الثقافيين وفق مستجدّات تطور مجال الوساطة الثقافية وتبعا للتغيرات السوسيوثقافية المستجدة بما يتيح مناقشة ما نراه عاجلا من قضايا كما أكّت أنه ينتظر من هذا اللقاء تقديم مقترحات عملية قابلة للتطبيق و الخروج بخارطة طريقة لبرنامج عمل مؤسسات العمل الثقافي وفق السبل المقترحة لإعادة تأهيلها مبرزة أهمية العمل على تحويل توصيات هذا اللقاء الى استراتيجية عمل لدور جديد للمؤسسات الثقافية يستجيب ويتناغم مع طلبات الجمهور المستهدف من مختلف الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية ومن القاعدة الثقافية الموسّعة كما اختتمت كلمتها بتوجيه رسالة شكر للمشرفين على ادارة وتنشيط المؤسسات الثقافية على مجهوداتهم المبذولة لتنشيط الفضاءات الثقافية وتجسيم البرنامج الثقافي الرائد "مدن الفنون" وخاصة في جانبه المتعلّق بتنشيط الفضاء العام وتجسيم مبدإ ثقافة القرب.
وقدّمت خلال هذا اللقاء الدراسي مجموعة من المداخلات النظرية من قبل عدد من اطارات الادارات المركزية لوزارة الاشراف حيث قدّم السيد زياد الخليفي مكلّف بمأمورية بديوان وزير الشؤون الثقافية مداخلة بعنوان"الفاعل الثقافي،قوة مبادرة"إنطلق فيها من تحديد مفهوم الفاعل الثقافي لغة واصطلاحا ثم أبرز دوره وآليات عمله والانتظارات من الفاعل الثقافي كقوة دفع ليخلص الى أن السياسات الثقافية لا تنجزها الأجهزة الرسمية للدولة بقدر ما هي شأن كل الفاعليات وخاصة الفاعلين الثقافيين الذين تتآلف تصوراتهم من أجل صياغة رؤية ثقافية تؤطّر الجهد الثقافي والابداعي وتجعله يثري الروح الوطنية بالفعل الايجابي ذلك ان الفاعل الثقافي في نظره شريك أساسي بل هو جوهر عملية تطوير الفعل الثقافي والانخراط بصفة ذاتية أو موضوعية في مشروع ثقافي وطني جامع لكل الأنماط القيمية والابداعية والانتاجية والاستثمارية والاستهلاكية من أجل ثقافة تكون فاعلة وتقي المجتمع من الانبتات والذوبان في الاخر مؤكّدا أن الفاعل الثقافي ان لم يجدّد آليات عمله سيشعر بالرتابة والنمطية وعليه ألاّ يستكين إليها باعادة المراجعة الدورية لآساليب عمله بابتكارات جديدة حتى يظلّ فعله الثقافي حيّا متطورا ومتفاعلا مع محيطه وإذ ثمّن الاستاذ زياد الخليفي بعض المبادرات لعدد من الفاعلين الثقافيين مقرّا بوجود بعض النماذج من الفاعلين الثقافيين الذين عرفوا بحرفيتهم وكفاءتهم والذين برهنوا رغم عدم الاختصاص عن حسن تنظيم التظاهرات الثقافية واستقطاب مختلف الشرائح الاجتماعية لمواكبة البرامج أو للانخراط في نوادي الاختصاص فإنه أكّد أنه للفاعل الثقافي دور هام في عملية التأطير الثقافي واستنباط أشكال ثقافية واستشراف مضامين حديثة للتواصل مع روّاد المؤسسات و في تطوير مناهج وأساليب العمل الثقافي مركزيا وجهويا ومحليا بما تقتضيه المرحلة الراهنة وهو ما يتطلّب مزيد تأهيل المشرفين على تسيير هذه المؤسسات بما يمكّنهم من مواكبة تطورات العصر ولتمكينهم من آليات عمل تسمح بمردودية أحسن للفعل الثقافي وللمؤسسات ذات الصلة ومن هنا يعدّ تأهيل الفاعل الثقافي جزءا من خطة وطنية متكاملة تنطلق من الوقوف على اشكاليات الفعل الثقافي التي تواجهها المؤسسات ذات الصلة بهدف إحتوائها وايجاد الحلول الكفيلة والناجعة لها عبر اقتراح البدائل والبراعة في ابتكار نماذج وبرامج ريادية مرجعية وخاصة تحسين عنصر التكوين بالشكل الذي يتناسب ومرحلية العمل وخاصة من خلال مزيد العناية برسكلة المؤطّرين وبالانفتاح أكثر على المحيط السوسيوثقافي عبر الشراكات والتشبيك التشاركي مع الفاعلين الثقافيين بالوزارات الاخرى لتبادل التجارب وفي صياغة المشاريع التنشيطية عند انتاج المضامين حيث من المفترض ان يعتمد الفاعل الثقافي على الاعلامية كمحور أساسي في نوادي الاختصاص الى جانب ضرورة تركيزه على محيطه الثقافي والاجتماعي في صياغة المضامين واستغلاله للفضاء الافتراضي للترويج والاستقطاب من أجل بناء مؤسسة ثقافية ذات مضامين راقية وبجودة عالية تواكب الحداثة وتصنع الحدث وفي تجدّد مستمر ليؤكّد أن العلاقة بين المنتج الثقافي ووزارة الشؤون الثقافية قائمة على أساس التكامل والاحترام المتبادل والثقة المشتركة وليست مبنية بأي حال من الاحوال على التطاحن والتضارب بل هي علاقة تعاون بين الطرفين مع تفهّم المنتج الثقافي لمسؤولية الوزارة من جهة وتقدير الوزارة لمشاكل المبدع من جهة أخرى ليتقدّم الاستاذ زياد الخليفي ومن خلال مداخلته بمجموعة من الاقتراحات تندرج في اطار تكوين الفاعل الثقافي وتحفيزه وهي بعث مركز للبحوث الثقافية لتأطير الفاعلين الثقافيين بآخر مستجدات البحث الثقافي الاكاديمي والميداني ،فتح آلية الارشاد البيداغوجي للفاعل الثقافي واحداث جائزة لأحسن مبادرة في المجال الثقافي.
ومن جانبه قدّم السيد ذاكر العكرمي مدير مؤسسات العمل الثقافي عرضا لنماذج من أنشطة مؤسسات العمل الثقافي وهو عرض تقني رقمي بالأساس واستعرض عبر عرض سمعي بصري معطيات عن عدد دور الثقافة بالبلاد التونسية والبالغة الى حد الآن 225 دار ثقافة وبمعدل 48812 ساكن لكل دار ثقافة لتحتل ولاية تونس المرتبة الاولى في عدد دور الثقافة والبالغة 26 دار ثقافة في حين تحتل ولاية أريانة المرتبة الاخيرة بـ2 دور ثقافة كما قدّم معطيات رقمية عن معدّل عدد السكّان بالنسبة لكل دار ثقافة حسب كل ولاية وأبرز عبر جدول بياني توزيع دور الثقافة حسب الولايات وبالمقارنة مع المعدل العام لعدد السكّان لكل دار ثقافة كما استعرض ووفق نفس التمشي التقني عدد الانشطة الثقافية المنظمة سنة 2016 حسب الولايات حيث تراوحت بين 899 و 206 نشاطا ليبلغ العدد الجملي لهذه الانشطة 12383 نشاطا موزعا على كامل دور الثقافة الى جانب تحديد هذه الانشطة حسب النوعية ليحتل المسرح المراتب الاولى على عكس الانشطة الرقمية التي تسجّل ضعفا مقارنة بالفنون والأنشطة الاخرى كما استعرض هذا التقرير الرقمي المقدّم عدد المستفيدين من هذه الانشطة خلال سنة 2016 والذي بلغ 2175315 كما استعرض التقرير التظاهرات الخصوصية المبرمجة سنة 2017 وعدد النوادي الثقافية حسب برمجة سنة 2017 بالمقارنة مع عدد دور الثقافة بكل ولاية الى جانب تقديم كشف عن الملفات المعروضة على أنظار اللجنة الوطنية لـ"تونس مدن الفنون"وعددها الجملية 806 ملفا ليختتم عرضه بتقديم فكرة وعبر الصور عن أهم أنشطة دور الثقافة بكل جهة وخاصة ما تعلّق بالأنشطة الجماهيرية ذات الصلة بتنشيط الفضاء العام وببرنامجي"مدن الفنون" و"مدن الحضارات".
ومن جهتها قدّمت السيدة إلهام الزحزاح كاهية مدير بالادارة العامة للعمل الثقافي في مداخلتها بعنوان"حدود المنوال السائد في برامج المؤسسة الثقافية"معطيات رقمية عامة عن دور الثقافة مؤكّدة أن توزيعها على جهات البلاد غير متساو وأن أعوانها موزعون حاليا عليها بطريقة غير متوازنة كما ذكّرت بما جاء في الأمر 20 المؤرخ في 14 جانفي 1983 المتعلق بالقانون الأساسي الخاص بدور "الشعب والثقافة" مؤكّدة أن فحوى هذا الأمر لم يعد يتماشى والتطورات التي عرفتها طبيعة العمل الثقافي بهذه المؤسسات حيث خلق العديد من الصعوبات في تنفيذ البرمجة الثقافية وتنفيذها إلى جانب إشكالات أخرى في التصرف الإداري والمالي خصوصا بعد حل اللجان الثقافية.
ومن جهة أخرى استعرضت المحاضرة صعوبات العمل بدور الثقافة وحدّدتها في الافتقار لبعض التجهيزات الضرورية،افتقار عدد كبير من الدور للموارد البشرية ما يقارب 45 دار ثقافة دون منشط قار، 137 دار ثقافة دون حارس،تأثر البرمجة بقرار حل اللجان الثقافية وذلك لانعدام المرونة في التصرف المالي،عدم وضوح مشمولات دور الثقافة وخدماتها من قبل المنشطين الثقافيين والرواد، المجتمع المدني، الفنانين والفاعلين الثقافيين مما يؤثر سلبا على البرمجة،عدم استفادة مديري دور الثقافة من تكوين مستمر طيلة مسيرتهم المهنية.
وبعد عرض هذه الصعوبات والإشكاليات قدّمت المحاضرة مجموعة من المقترحات كحلول ومنها إحداث تخصصات جديدة في التصرف المتعلق بالمجال الثقافي وإحداث تخصص في البرمجة وآخر في علوم الاتصال والتواصل كما استعرضت الاستاذة إلهام الزحزاح خصوصيات المنوال السائد حاليا في العمل بدور الثقافة مؤكّدة أن البرمجة الثقافية تشهد حاليا تطورا نوعيا في ظل التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها بلادنا اليوم مكرّسة بذلك المبادئ الي نص عليها الدستور وهي الحق في الثقافة ودعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها وتكريس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات لتشير أن المنوال السائد سالف الذكر يشهد خروجه من الفضاءات الكلاسيكية والعمل بالفضاءات الخارجية كساحات الفنون والمناطق الحدودية والساحات العامة لتخلص الى أن قطاع العمل الثقافي يحتاج إلى مزيد من الدعم عبر إصلاحات قانونية وتشريعية وعبر ملائمة بعض الفضاءات للمواصفات المطلوبة لتختم مداخلتها بطرح سؤالين حواريين وهما: هل لهذا المنوال السائد شرعية الإستمرار ؟وما هي البدائل الممكنة على مستوى مضامين و أشكال العمل الثقافي؟
خلال الفترة المسائية من اليوم الاول لهذا اللقاء الدراسي الذي جمع بين الجانبين النظري والتطبيقي انتظمت مجموعة من الورشات ومنها ورشة بعنوان "دور المؤسسة الثقافية في ظلّ المتغيرات الاجتماعية ":أشرفت على تأطيرها السيدة عفيفة المسعدي مكلّفة بمأمورية بديوان السيد وزير الشؤون الثقافية وعبّر المشاركون في أشغالها على أن الثقافة تتعلّق بذاكرة وهوية الانسان في الماضي والحاضر والمستقبل فالثقافة هي أسلوب حياة المجتمع وحركيته وتقوم في جانبها الأكبر على عالم الذاكرة والهوية وعالم الأفكار والقيم والسلوك بما فيها الجانب الذوقي والجمالي وعالم الأشياء بما في ذلك الابداعات والصناعات الفنية إلا أن السؤال المطروح في ظل المتغيرات الاجتماعية هو ما مدى استجابة دور الثقافة لهذه المتغيرات وأي دور تلعبه في ذلك؟
وفي هذا الاطار أجمع المشاركون في أشغال هذه الورشة على أهمية المؤسسات الثقافية في مسار تغيير المجتمعات وأي دور تلعبه في ذلك؟
أكّد المشاركون أهمية المؤسسات الثقافية في مسار تغيير المجتمعات بما أنها تلعب دورا أساسيا في ربط الصلة بين المبدع والروّاد ومكونات النسيج الاجتماعي حيث مثّلت النوادي متعددة الاختصاصات فضاءات لتحقيق هذا الرابط في احتضان الناشئة وصقل مواهبها لتساهم في بناء شخصية الفرد.
وأكّدوا أيضا أن دور الثقافة تؤدي دور الوساطة الثقافية والاجتماعية الفاعلة من خلال تطوير الانتاج الثقافي وتأسيس قنوات التواصل مع روّادها ومحيطها الاجتماعي كما لا يقتصر دور المؤسسات الثقافية فقط على هذه النوادي بل يتعدى ذلك الى احتضان الانشطة الثقافية والمبدعين والناشئة من خلال تطوير علاقات الشراكة والتعاون مع المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات وبقية المؤسسات العمومية والقطاع الخاص وذلك بإبرام عقود شراكة وفق برامج عملية.
أما في ما يخصّ التنشئة الفنية في دور الثقافة فإن المشاركين في هذه الورشة أجمعوا على أن نوادي الاختصاص تعتبر الحاضن الاساسي للمواهب في جميع المجالات الفنية وهي فضاءات لاكتشاف المواهب وإنتاج جيل جديد من المبدعين مع ضرورة المرافقة والمتابعة.
وانتظمت ورشة ثانية بعنوان "المؤسسة الثقافية العمومية:الهيكل التنظيمي والتشريعات":إشراف السيد كمال البشيني مدير عام المصالح المشتركة وكانت أشغالها تقنية أساسا اعتبارا لخصوصية محور اهتمامها وانطلق الحوار فيها من تقييم للصيغ القانونية الراهنة للمؤسسات الثقافية مع تقديم تصوّرات بديلة لجملة من التشريعات والصيغ القانونية الممكنة والمنظّمة لعمل الأعوان ولقانون المؤسسة واستقلاليتها الادارية والمالية ولمصادر تمويلها وتصرّفها المالي كما تركزت اهتمامات المشاركين فيها على اشكاليات التصرف المالي الراهن وقدّموا تصوّرات بديلة وممكنة في الغرض
وانتظمت ورشة ثالثة بعنوان "آفاق التخصص النسبي في العمل الثقافي ":أشرف على تأطيرها السيد فتحي باباي مدير التكوين والرسكلة وانطلقت أشغالها بالتعريف بمفهوم التخصص النسبي باعتباره مجموعة المسارات أو الميولات التي تحددها المؤسسة الثقافية في علاقة مع الفضاء الاجتماعي على أن تتخصص كل دار ثقافة بحسب كل جهة أي بحسب طبيعة المجتمع في الجهة وبحسب ما ينتج عن هذا المجتمع من ثقافة والتخصص هو دراسة القطاعات الفنية بناء على حاجيات المحيط الاجتماعي وفي أحد المجالات الفنية كالمسرح أو الموسيقى أو بحسب الشريحة العمرية للجمهور (أطفال،شباب،كهول) أي بحسب أنواع الجماهير أو أن تتوجّه المؤسسة وتختص بحسب خصوصية المنطقة أو الجهة وأبعادها الحضارية والتاريخية والثقافية(مثال:المعمار الخاص بمنطقة ما كالجريد مثلا) كما أن نظام القيم والمعايير المجتمعية هو الذي يحدد التخصص الى جانب التخصص حسب الاختصاص التكويني للمنشطين والمسيّرين الثقافيين أي بحسب رؤيتهم أو فهمهم الناتج عن تكوينهم الدراسي كما يمكن التخصص على أساس فني أو فكري ويكون ذلك نسبيا وبحسب الغالبية من حيث الاهتمام والانتاج والاستهلاك أو بالتركيز على فن من الفنون دون نسيان أو إهمال الفنون الأخرى ليجمع المشاركون في هذه الورشة على أن تعدّد واختلاف الثقافات يطرح اشكالية الإلمام بها مما يجعل التخصص بطبيعته نسبيا فالتخصص لا ينفي التنوّع.
وهناك تخصص حسب النوع وهو ليس تركيزا دائما على مجال معيّن فلا بدّ من تغيير هذا التخصص من مجال الى آخر حسب تغيّر الظروف الاجتماعية والتاريخية فالمسيّر الثقافي يمكنه التأقلم مع الواقع وتغيير تخصص المؤسسة حينما يقتضي الواقع ذلك كما يكون التخصص من خلال الاشتغال وتوجيه أغلب الاهتمام الى تعبيرة فنية أو ثقافية معيّنة حسب الجهة ولكن التخصص لا يكون بحسب الاقبال الجماهيري الغفير بل يمكن أن يكون التخصص بحسب المنشّط الموجود في المؤسسة ويمكن التخصص حسب الحرف التقليدية كتربية النحل مثلا أو التخصص بحسب النشاط الفني أو الحرفي للجهة كما يتحدد مفهوم التخصص من خلال الاختصاصات الفنية القيمية والتراثية.
كما تناولت الورشة الأدوات التي تحدد التخصص النسبي وهي التجربة كمهارات موجودة والتجريب كاختبار لكل المجالات ودراسة المحيط لمعرفة مدى وجود المساهمات المجتمعية والمدنية أي مدى انفتاح المؤسسات على النسيج الجمعياتي والمدني بالجهة وهو ما يحدّد ويسهّل التخصص لدى المؤسسة ووضع البيانات والاستبيانات ومجموعات التفكير وسبر الاراء ودراسة الواقع ومن خلال دراسة انتظارات واهتمامات الجماهير وذلك من أجل برمجة موجّهة أما التخصص داخل المؤسسة الثقافية فيكون من خلال تقسيم الادوار التنشيطية.
وحددت الورشة نقاط القوة في مشروع التخصص النسبي وهي انتاج مضامين ثقافية جديدة وتثمين العمل الابداعي بالجهة والتواصل ضمن شبكات الاختصاص وضمان الجودة في الخطاب الفني والثقافي وتأسيس مرجعيات ثقافية وفنية وتوسيع دائرة المستفيدين ودائرة الاستقطاب لدى المهتمين وإضفاء المزيد من النجاعة على العمل الفني والابداعي عموما.
أما نقاط الضعف في هذا المشروع فتتمثل في عدم متابعة التنوع في المنتوج الثقافي الموجود في الجهة والتعامل مع المجالات الثقافية على أساس أنها قطاعات معزولة عن بعضها البعض وتنميط الثقافة وقتل روح التداخل والمزج بين الفنون والثقافات وعدم المساهمة في تطوير الفنون التي فيها أقل اقبالا لدى الجمهور وعدم نشرها والتعريف بها وترغيب الجمهور فيها وعدم توفير عروض متنوعة تلبي كل أذواق وتوجهات الجماهير المتنوعة والمختلفة رغم أن التخصص لا ينفي التنوّع مع صعوبة قراءة الأثر الفني المختص وبالتالي ستكون هناك فرص أقل لانتاج هذا الأثر المختص ودفع الاهتمام بقطاع فني على حساب قطاع آخر.
أما فرص انجاح مشروع التخصص النسبي فهي توفير مستلزمات تنفيذ هذا التخصص النسبي واختيار نوعية النشاطات في الاختصاص واستعدادات أكبر للادارات المركزية لدعم مشروع التخصص وانجاحه وستتوفر معطيات موضوعية في المحيط لانجاح هذا المشروع وتنوع مصادر الدعم من المجموعات.
ولهذا المشروع مجموعة من المخاطر من ذلك أن هناك إمكانيات التكامل بين المؤسسات ومحيطها وكذلك هناك امكانية التنافر بينها كما لا يعرف مدى تقبّل المحيط للاختصاص النسبي الى جانب عدم توازن بين القطاعات الثقافية أو الفنية وقد لا تتوفر المستلزمات الكافية لتنفيذ المشروع التخصصي.
أما مجالات التخصص النسبي فهي بالنوادي والتظاهرات النوعية والشراكات والمشاركات والمسابقات والورشات...
واعتبار لأهمية التخصص النسبي كركيزة في اشعاع المؤسسة الثقافية فإنه من بين أهداف هذا التوجّه جعل التخصص ميزة من الميزات الجديدة للمؤسسة الثقافية وتوجّهها الجديد باستقطاب جمهور ما في اختصاص معيّن وإضفاء المزيد من النجاعة في العمل الثقافي وتثمين والمساهمة في استمرارية التعبيرات الثقافية وتقريب الانتاجات ذات الجودة العالية من الجمهور وتوسيع دائرة الاستقطاب والاستفادة.
وخلصت أشغال الورشة الى تأكيد أن المؤسسة الثقافية ذات الاختصاص النسبي هي منفتحة على محيطها مثمنة للتعبيرات الثقافية المنفردة والنوعية والطريفة وهي أيضا المساهمة في صياغة صورة الجهة المثلى ودفع التنمية المستدامة بها ولعل المؤشرات التي تحدد الاختصاص الثقافي للمؤسسة هي بين الكمّي والنوعي حيث تحدد المؤشرات الكمية بعدد الانشطة وعدد المستفيدين وعدد المؤسسات المنخرطة وعدد الانتاجات الثقافية اما المؤشرات النوعية فتحدد بالأثر المعنوي لدى الجماهير وباستمرارية المواكبة للعمل الثقافي وبمدى استقطاب مثقفي المنطقة.
أما بالنسبة الى ورشة"العلاقة مع المجتمع المدني:آليات التفعيل"فقد أشرف على أشغالها السيد سمير زقية مدير مكلّف بصندوق الدعم فقد إشتغلت على علاقة المؤسسات الثقافية مع هياكل المجتمع المدني وتناولت رصد أصناف العلاقات القائمة حاليا بين المؤسسات الثقافية والجمعيات الناشطة والتي يمكن تحديدها على النحو التالي:علاقات نفعية بحتة وغير قائمة عامة على أسس سليمة ولا تخضع لضوابط و علاقات تعاون وتفاعل ظرفي لتنفيذ برامج محددة و علاقات شراكة فعلية تتكافؤ فيها الاطراف وتتوحد فيها الأهداف وتم خلالها الإقرار بأن الشراكة مع المجتمع المدني لم يعد لها خيار اليوم بما يمكن أن تتيحه من مجالات جديدة للعمل وما تنتجه من آفاق للمؤسسة الثقافية للتفتّح الايجابي على محيطها.
وباشراف الدكتور محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية وبحضور السيد معتمد نابل نيابة عن السيد والي نابل أختتمت أشغال اللقاء الدراسي يوم 29 أفريل 2017 بعرض لأشغال كل ورشة على بقية المشاركين في الورشات الأخرى وتبادل الأفكار والاقتراحات والرؤى بطريقة جماعية مشتركة بين الورشات ضمن ورشة كبرى أطلق عليها "ورشة المشاريع المشتركة بين الادارات والمنظمات ومؤسسات العمل الثقافي" وكانت هذه الورشة متعددة الاختصاصات من أجل الخروج بمشاريع برامج نوعية بين عدد من المركّبات الثقافية ودور الثقافة والادارات القطاعية لمختلف الفنون كالمسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية والآداب والتراث والمنظمات الوطنية على غرار الجامعة التونسية لمسرح الهواة،الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة،الجامعة التونسية لنوادي السينما على أن يشرع في تطبيق مشاريع هذه البرامج النوعية بداية من الموسم الثقافي المقبل وانطلاقا من سنة 2018 وفي اطار تصوّر التخصص النسبي للمؤسسة الثقافية.
وإثر ذلك ألقى الدكتور محمود الماجري المدير العام للعمل الثقافي كلمة ترحيببية بالدكتور محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية وأشار في كلمته الى أن هذا اللقاء طرح على بساط الدرس مجموعة من الأسئلة كانت مدخلا لوضع خطة استراتيجية لتأهيل دور الثقافة حيث تم البحث في امكانية إستمرار المنوال الثقافي النمطي وامكانية إرساء مبدأ التخصص النسبي لهذه المؤسسات حتى لا تكون مضامينها مستنسخة عن بعضها البعض وحتى تحقق نسبة من التفرد على المستويات المحلية والجهوية والوطنية بما يخلق نسيجا من الفضاءات المتخصصة في نشاط فني بعينه يغذي التظاهرات الثقافية الكبرى المتخصصة ويساعد على خلق منارات وأقطاب ثقافية في الجهات تقوم على تخصص فني يستقطب أبرز الفاعلين فيه ويكون مقصدا للمهتمين بمتابعته كما أكّد المدير العام للعمل الثقافي في كلمته الى أنه تم خلال أشغال هذا اللقاء الدراسي التباحث في خصوصيات التشريعات وانعكاساتها التنظيمية على الهياكل الجهوية والمحلية وعن امكانية وضع تصور تنظيمي جديد يجمع بين كل المتدخلين في مجالات العمل الثقافي وبما فيه العمل الثقافي المشترك وآليات تفعيل عقود برامج واتفاقيات التعاون متوسطة وبعيدة المدى.
ثم أحال المدير العام للعمل الثقافي الكلمة الى المقرّر العام لهذا اليوم الدراسي حيث قدّم التقرير النهائي لأشغال هذا اللقاء والتوصيات الصادرة عن نتائج أشغال مختلف الورشات المنتظمة ،ففي ما يخص ورشة"دور المؤسسة الثقافية في ظلّ المتغيرات الاجتماعية " أشار التقرير العام للملتقى أن أشغالها أفضت الى التوصيات التالية:
- ضرورة تطوير آليات عمل المؤسسات الثقافية بما يمكّنها من تعبئة مواردها ووسائل عملها
- الدعوة الى تعزيز مجال العمل الثقافي من خلال نشر دور ثقافة متنقلة بكامل جهات البلاد وخاصة بالمناطق الريفية والحدودية
- التوصية بتنظيم تظاهرات ثقافية على المستوى الوطني وفي جميع المجالات الفنية وذلك لإبراز المواهب وتحفيزها على مواصلة العمل الابداعي
- إقتراح تنظيم يوم دراسي حول التنشئة الفنية في دور الثقافة
- اقتراح تنظيم حوار وطني حول القطاع الثقافي ينطلق من المحلي فالجهوي ثم المركزي ويتمخض عنه تقرير ومخطط عمل حول واقع القطاع وآليات تطويره
- اقتراح وضع دليل اجراءات خاص بدور الثقافة ينظّم سير عملها وأدوار العاملين بها.
وفي ما يخص ورشة "المؤسسة الثقافية العمومية:الهيكل التنظيمي والتشريعات" فإنه تمخضت عن أشغالها مجموعة من التوصيات أهمها:
- إقرار جوائز تشجيعية وتحفيزية لأحسن عمل فني من انتاج المؤسسة الثقافية كبديل عن جائزة أحسن دار ثقافة مع اقرار جوائز مماثلة على المستوى الجهوي.
- الترفيع في المنحة الوظيفية ومنحة السكن الخاصة بالمشرفين على تسيير المؤسسات الثقافية
- مراجعة توقيت العمل بالمؤسسات الثقافية عبر اصدار نص قانوني منظّم
- ضرورة وضع نظام داخلي يضبط قواعد العمل بالمؤسسة الثقافية
- مراجعة قرار وزير الثقافة المتعلّق بكراء الفضاءات داخل المؤسسة الثقافية بالتنصيص على الكراء الخصوصي لكل فضاء داخلها وعدم الاقتصار على قرار كراء قاعات العروض دون سواها
- الدعوة الى تنظيم يوم دراسي حول تفعيل آليات دعم العمل الثقافي وتمويله
- اقتراح اعادة تنظيم المؤسسات الثقافية ضمن دواوين أو أقطاب اقليمية
- سنّ قوانين بهدف ضمان الاستقلالية المالية للمؤسسات الثقافية
- تفعيل القانون الخاص بتمكين المندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية من اقتناء التجهيزات وتوزيعها حسب طلبات المؤسسات الثقافية بالجهات
- تفعيل اجراءات التأمين الخاصة بروّاد المؤسسات الثقافية واطاراتها وعملتها
- تفعيل الأمر المتعلّق بصيغ توحيد عقود التنشيط العرضية
- النظر في إعادة تصنيف دور الثقافة باعتماد معايير وظيفية
- تحديد الخدمات التي يقوم على أساسها ضبط الاشتراكات السنوية والشهرية لدور الثقافة
وبحثا عن صيغ جديدوة للتصرف المالي السلس كبديل للجان الثقافية يقترح المشاركون في هذه الورشة بعث جمعيات أحبّاء دور الثقافة على شاكلة جمعيات أحبّاء المكتبة والكتاب أما بالنسبة الى ورشة "آفاق التخصص النسبي في العمل الثقافي"فقد أشار التقرير العام الى أنها قدّمت تصوّرا استشرافيا تنظيميا لمدى تخصّص كل مؤسسة ثقافية حسب الخصوصية المحلية وأكّد أنه بعد نقاش ثريّ وتفاعل ايجابي بين المشاركين في أشغالها تم اقتراح ما يلي:
- الدعوة الى اعتماد مقاربة المشروع لانجاز برامج التخصص النسبي بالمؤسسات الثقافية(اعتماد مشروع الورشة نموذجا)
- التوصية برصد واعتماد التخصص النسبي بالمؤسسة الثقافية حسب التعبيرات الثقافية أو في مجال من مجالات الفنون أو حسب فئة ونموذج الجمهور المستهدف أو حسب الامكانيات المتوفرة بالمؤسسة
- ضبط خطة عملية لتنفيذ البرنامج بالشراكة بين مكونات الادارات المركزية والجهوية والمحلية لوزارة الإشراف والقطاع الخاص والمجتمع المدني
- توفير مستلزمات انجاح المشروع وهي:تطوير امكانيات الكفاءات عبر التكوين والرسكلة ،توفير التمويلات الضرورية وتهيئة الفضاءات وتجهيزها
- تحديد الأهداف والمؤشرات وأدوات القياس الضرورية لحسن آداء ومرافقة وتقويم المشروع
- العمل على التعريف بالتعبيرات الثقافية الخصوصية لأغلب الجهات وتوثيقها ودراستها ونشرها وإدراجها ضمن مسالك التوزيع الثقافي
- الدعوة الى بعث مركز للدراسات والبحوث الثقافية بما يؤهّل الفاعلين الثقافيين لمواكبة التطورات الحاصلة في العلوم الثقافية وتوفير فرص جديدة لتبادل التجارب والخبرات مع المؤسسات التنشيطية المماثلة والاسهام في مزيد التعريف بالخصوصيات الثقافية المحلية وبسلم القيم الذي تنتجه.
وبالنسبة الى ورشة "العلاقة مع المجتمع المدني:آليات التفعيل" فإن أشغالها أفضت الى التوصيات التالية:
- ضرورة ارتكاز علاقات الشراكة على مبادىء المساواة بين أطرافها بقطع النظر عن حجم وقوة كل جانب
- الدعوة الى الشفافية في التعامل وإعتماد أعلى درجات الوضوح والقبول بالمشاركة في المعلومة
- ضرورة التكامل والتقاء الأهداف والمصالح والاقتناع بدور كل طرف وقدراته وذلك في كنف المسؤولية المشتركة
- اقتراح إرساء اطار واضح وموحّد لعلاقات الشراكة تحدّد مجالات التدخل المشتركة وآلياته
- الدعوة الى تنظيم برامج تكوين لفائدة مديري المؤسسات الثقافية بما يدعم الجوانب العملية لصياغة الشراكات ومتابعتها
- اقتراح صياغة دليل اجراءات للمؤسسة الثقافية واطار قانوني لعملها بما يمكّنها من أن تكون طرفا مباشرا في الشراكة مع الجمعيات وألاّ تكون مجرد وسيط بين الجمعية والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية باعتبار هذه الاخيرة هي المتصرّف في الميزانية
- التوصية بالتفتّح على مجالات جديدة وعدم الاكتفاء بالجمعيات ذات الصبغة الثقافية من خلال عقد شراكات مع اختصاصات أخرى بيئية،اجتماعية وقطاعية
- التوصية بالارتقاء بالشراكات الى عقود برامج تلعب فيها الجمعيات أدوار أوسع في التعامل مع الشأن الثقافي
- التفكير اللجدّي في التحفيز على بعث جمعيات جديدة تجمع المثقفين والمبدعين حول المؤسسة الثقافية وتوفّر حلولا حقيقية لصعوبات التصرّف المالي الحالي
- العمل على ايجاد صيغ جديدة للتعامل مع الجمعيات التي لها مقرّات بدور الثقافة.
وبعد تلاوة هذه التوصيات رفع المقرّر العام باسمه الخاص وأصالة عن كافة المشاركين في أشغال هذا اللقاء الدراسي أسمى عبارات الشكر والتقدير الى الدكتور محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية على دعم لهذا اللقاء كمبادرة حوارية استشرافية جمعت عددا من الفاعلين الثقافيين المشرفين على تسيير المؤسسات الثقافية كما أبلغ الحاضرين رسالة شكر وتقدير الادارة العامة للعمل الثقافي لكل المحاضرين ولكل المشرفين على تسيير الورشات ومقرريها والمشاركين في أشغالها ولكل اطارات وأعوان المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بنابل على مجهوداتهم المبذولة لإنجاح مختلف فقرات هذا اللقاء وإذ باركت هذه الادارة دعم السيد وزير الشؤون الثقافية لهذا اليوم الدراسي فإنها تعتبر مثل هذه اللقاءات مهمة لمزيد تأطير وتكوين المشرفين على تنشيط المؤسسات الثقافية وذات جدوى في تمكينهم من آليات وتقنيات عمل جديدة تنظاف الى رصيد خبراتهم الميدانية وبما من شأنه إعادة هيكلة دور المؤسسات التي يشرفون على تسييرها في انفتاحها على محيطها السوسيوثقافي الخصوصي المحلي والجهوي ودعوا بالمناسبة السيد وزير الشؤون الثقافية الى مزيد دعم الادارة العامة للعمل الثقافي بهدف مزيد تكثيف مثل هذه اللقاءات لتصبح دورية لا سنوية وبما من شأنه ضمان أكبر مشاركة لمديري المؤسسات الثقافية من مختلف الجهات.
وفي كلمته الاختتامية لهذا اللقاء الدراسي ثمّن وزير الشؤون الثقافية الدكتور محمد زين العابدين ثمّن أهمية مثل هذه اللقاءات الدراسية ذات البعد الاستشرافي للآفاق الجديدة لدور المؤسسات الثقافية بما من شأنه أن يتيح للمشرفين عليها فرصة التفكير والمشاركة في وضع استراتيجية تأهيلية لها تفعيلا لمساهمتها في تكوين فني لأجيال من الناشئة تغذي بدورها المدارس المعاهد والجامعات بالطاقات الفنية كما تسهم في تكوين حراك يستفيد من مردوده حضور الفعل الثقافي في تكوين المواطن مشيرا الى أنه انطلاقا من الفصل 42 من الدستور الذي ينص على أن «الحق في الثقافة مضمون، حرية الإبداع مضمونة، وتشجع الدولة الإبداع الثقافي، وتدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها بما يكرس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات. تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه» فإن هذا اليوم الدراسي مهم في طرح مجموعة من الأسئلة كمداخل للحوار حول السبل الأنجع لتموقع أفضل للمؤسسة الثقافية داخل محيطها الاجتماعي والثقافي من خلال سنّ ووضع التشريعات والمناهج والوسائل الممكن انتهاجها لتطوير أداء هذه المؤسسات بشكل يجعل منها إحدى الرافعات الحقيقية للمستوى الثقافي للوسط الاجتماعي واحدى الحاضنات المثلى للمبادرات الثقافية المحلية بما يمكنها أن توفّره من تأطير ومتابعة ومساندة للتنمية الشاملة وأضاف السيد الوزير قائلا"لا شك أن المعاينات المستمرة لواقع هذه المؤسسات قد أثبت وجود عديد العوائق والإشكاليات التي تمنعها من أداء دورها على الوجه الأمثل و نذكر من بينها على سبيل المثال افتقار التشريعات المتعلقة بالعمل الثقافي بصفة عامة وإشكالية التصرف المالي بعد التخلي عن اللجان الثقافية وضعف الميزانيات والموارد المالية وقلة الموارد البشرية المتخصصة في المجالات الفنية والتقنية وعدم جاهزيّة قاعات العرض على المستوى التقني والإشكاليات العقارية التي تمنع الوزارة من تعهد وصيانة عديد المؤسسات الثقافية التي تحتاج إلى موازنات كبرى وصعوبة التحصل على الرعاية والاستشهار لدعم الأنشطة الثقافية وعدم وجود إستراتيجية واضحة للتكوين المستمر حسب أهداف غايتها تقديم الإضافة للإطارات والأعوان تكسبهم مهارات جديدة أو تطور مهاراتهم لتقديم خدمات ذات جودة أعلى وعدم وجود دليل إجراءات موحد لضبط عمل نوادي الاختصاص بمؤسسات العمل الثقافي يسمح بإرساء منهجية تتيح للرواد التدرج من مستوى فني إلى آخر بما يؤهل في ما بعد المتميزين من الرواد لاختيار مسار تكويني أو مهني وعدم الانخراط الفعلي لمؤسسات العمل الثقافي في مسار الشراكة مع مقترحات المجتمع المدني ومع المبدعين والمثقفين ومع المؤسسات العمومية والخاصة بشكل يكرّس ثقافة القرب التي تخدم المواطن بصفة مباشرة وتلبي تطلعاته وتحدث التغيير الإيجابي على أرض الواقع وعدم تسريع نسق تطوير هذه المؤسسات لتكون عصرية بما يسمح لها بتقديم خدمات نوعية لروادها وللراغبين في تنظيم أنشطة في فضاءاتها".
وأكّد السيد الوزير ضرورة إعادة النظر في تهيئة المؤسسات الثقافية وظيفيا وجماليا وكذلك في مضامين البرامج المقترحة مع ضرورة اضفاء الفاعلية على الدور المحلي والجهوي الراهن والمستقبلي إزاء مؤسسات العمل الثقافي اضافة الى و تحديد مفهوم «الزمن الثقافي» إزاء أنواع الأزمنة الأخرى بما يجعل المؤسسة الثقافية متفاعلة مع أوقات فراغ الرواد واحتياجات المبدعين والمثقفين.
وقدّم السيد الوزير مقارنة بين راهن المسألة الثقافية في تونس ومستقبلها مشدّدا على ضرورة ادراك دور الثقافة اليوم في المنعرج التاريخي الذي تعيشه بلادنا على أن يتماهى دور الثقافة مع رسالة ثورة 14 جانفي بفهم جديد للفعل الثقافي وبوعي جديد لدور الثقافة بما يخدم الاغراض الدستورية لمفهوم المواطنة داعيا في هذا الاطار المشرفين على تسيير وتنشيط المؤسسات الثقافية الى الاجتهاد والمبادرة باعتبارهم قبل أن يكونوا اداريين هم أصحاب مبادرة ومشروع ثقافي وبما يمكّن الجميع من المستهدفين من المادة الثقافية من حقهم فيها تكريسا لفكرة ومفهوم ومبدأ الديمقراطية التشاركية معتبرا ان الفعل الثقافي اليوم فعل مواطني وعلى الجميع تحمّل مسؤوليته في ايصال المادة الفنية والثقافية والابداعية الى المواطن المستهلك والمنتج في أي مكان من وطننا العزيز مع ضرورة التملك الحقيقي لحاجيات المواطن خلال البرمجة والصياغة والانتاج للمادة الثقافية.
وشدّد السيد الوزير على أنه لابدّ من صيغ جديدة للإدارة الثقافية تكسّر النمطية والتسلسل الاداري المعطّل وتعيد صياغة قوانين العمل القديمة التي يعود تاريخها الى السبعينات والثمانينات ذلك ان بيروقراطية عمل وزارة الشؤون الثقافية عطّلت برنامج السياسة الثقافية المنتهجة بالبلاد ومن هنا شدّد السيد الوزير على أنه لا بدّ من توحيد النظر في اختصاصات الادارات العامة بالوزارة وتوحيد عملها والقطع مع المنوال الحالي في العمل وتفعيله بمنوال عمل جديد يكون أكثر ديناميكية وسلاسة كما لابدّ من اعادة النظر في دور الوزارة من حيث إلتزاماتها وأهدافها بما ينصهر مع برامج الحوكمة الرشيدة وبشكل استباقي وإختتم السيد الوزير كلمته بالدعوة الى تفعيل توصيات هذا اليوم الدراسي وتغيير قوانين العمل تكريسا للثقافة التشاركية مع تكثيف مثل هذه اللقاءات الدراسية مع مديري المؤسسات الثقافية كل 3 أشهر وبصفة دورية.