شراب يميل لونه إلى الأصفر، ومذاقه كالتمر المحلى بالسكر، تستحضر وأنت تشربه للمرة الأولى، أذواق ما عرفت من العصائر، فتجد نكهته لا تحيل إلا عليه، يستخرج من جذوع أشجار النخيل في واحات جنوب تونس، إنه "اللاقمي"، المشروب الذي لا يغيب عن موائد إفطار سكان الواحات لحلاوة طعمه وقدرته العجيبة على إطفاء ظمأ الصائمين في شهر رمضان الكريم، ولفوائده الصحية العديدة أيضًا.
زينة المائدة.. مشروب طبيعي ذو فوائد عدة
قبل أذان المغرب بساعات قليلة، طيلة شهر رمضان المعظّم، يتوجّه عشرات الشبان إلى الواحات حاملين قوارير بلاستيكية فارغة، على أمل أن يظفر كل منهم بنصيب من مشروب "اللاقمي"، يزينون به موائد إفطارهم، كون هذا المشروب من لبّ النخلة، مما يجعل كمياته محدودة، ذلك أن النخيل المؤهلة للتضحية بها محدودة.
وعن هذه العادة التي توارثها سكان واحات تونس، قال قليعي، أحد سكان قرية بشري، من محافظة قبلي جنوب البلاد لنون بوست: "ككل رمضان لا تحلو المائدة من غير مشروب اللاقمي، فبه يستعيد الجسد قوته وكل ما فقده"، وتماشيًا مع طول ساعات الصيام يعمد أهالي الجنوب إلى تنويع وجبات الإفطار وتحضير أفضل الأطعمة والمشروبات التي تساعد الصائم على تحمل الجوع والعطش، ويظل مشروب "اللاقمي" أبرز هذه المشروبات، ويبلغ سعر اللتر والنصف من "اللاقمي" دينارين (0.8 دولار).
ويضيف قليعي لنون بوست: "شخصيًا أحبذ مشروب اللاقمي على كل أنواع المشروبات الأخرى، فهذا مشروب طبيعي ولا تغيير في طعمه، فكله فائدة"، وتتفاوت جودة هذا المشروب بحسب الوقت الذي يُجمع فيه وطبيعة النخلة المستهدفة، فأجود أنواعه الذي يُعصر فجرًا من نخلة غير مسقية حديثًا.
ويعتبر إنتاج مشروب "اللاقمي" في واحات الجنوب التونسي، قديمًا قدم أشجار النخيل في هذه المناطق، ويتم الإنتاج طبقًا لما توارثه الآباء عن الأجداد، وهو مورد رزق للعديد من العائلات في عدة ولايات يكثر فيها شجر النخيل.
ويقول خبراء التغذية، إن هذا المشروب متكامل ويحتوي على العديد من المكونات أهمها الماء والسكريات، ويعدّل السكر في الدم ويصفّي المعدة، وهو ما يفسّر الإقبال الكبير عليه خاصة مع تزامن شهر رمضان هذه السنة مع فصل الصيف في تونس، حيث تشهد درجات الحرارة ارتفاعًا هو الأعلى خلال العام وخاصة في مناطق الجنوب التونسي.
فنّ في الإعداد والاستخراج
لإعداد اللاقمي يعمد "اللاقمة" (من يبيع اللاقمي) قبل حلول شهر رمضان الكريم بأربعة أيام أو خمسة إلى اختيار إحدى أشجار النخيل التي لم يعد في حاجة لها، وتكون عادة من أشجار النخيل التي لا يبيع تمرها، ليستخرج منها شراب اللاقمي وهي عملية تعرف في منطقة الجنوب بـ"قتل النخلة".
وتقع عملية تحضير النخلة عبر قص أغلب جريدها لكشف الجزء الأوسط منها أو ما يعرف بـ"قلب النخلة" ثم قص هذا القلب بطريقة أفقية بواسطة آلة معروفة باسم "الحجامة"، وهي آلة شبيهة بالمنجل إلا أنها حادة جدًا، ومن ثم القيام بتثبيت قطعة قصيرة من القصب، تقسم على اثنين ولا يزيد طولها على 30 سنتيمترًا بالقلب، على أن تكون بمثابة الساقية التي تمثل المكان الذي سينسكب منه المشروب الذي يتم جمعه في أوانٍ بلاستيكية أو فخارية تعلق بأعلى النخلة ثم يصفى محتواها ويحفظ عادة في درجات حرارة معتدلة بالثلاجات ليحافظ الشراب على برودته ومذاقه السكري الحلو.
ويحرص "اللقامة" على حماية المدخل الذي ينساب منه "اللاقمي"، بقليل من ألياف أشجار النخيل أو بقطعة من القماش حتى لا تدخل الحشرات إليه، فضلاً عن تغطيتها بقطعة من القماش السميك، مع الحرص على تبليله بالمياه في كل عملية "حجم" (أي قص) "للجمار" والتي تتكرر عادة مرتين في اليوم، وذلك حتى يحافظ المشروب على درجة من البرودة وعلى طعمه الذي يتأثر بدرجات الحرارة المرتفعة عادة، ويبلغ معدّل إنتاج النخلة طيلة فترة استغلالها، 10 ليترات يوميًا، وقد يصل إلى 15 ليترًا بحسب حجم النخلة ونوعيتها.