عادة ما يبدأ الحلم صغيرا ثم يكبر وكما قيل مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة ، أيضا يمكن الاستنجاد في هذا المقام بالمثل الشائع يوجد في البحر ما لا يوجد في النهر وأول الغيث قطرة ثم ينهمر ، كل ذلك ينطبق على مشروع التحرش الذي دشنته الدولة بعد أن شرّعه مجلس الشعب وحدد قيمة الإتاوات المتأتية من نشاطه ، بالعودة الى المداولات القبْلية و البعدية والملابسات التي حفت بالمسودة ثم بالمشروع عند اكتماله ، تبدو الضريبة المفروضة على حركة التحرش أخلاقية أكثر منها اقتصادية لكن ومع العجز الذي تشهده الصناديق وتدهور القدرة "البيعية" للدولة والشرائية للمواطن ، يمكن للسلطة الحاكمة واذا ما أحسنت استثمار مشروع التحرش ان تجني منه "خير ربي" ، يبقى المهم ليس في سن القوانين "الاقتصاتحرشية" وإقرار الضرائب بل الأهم من ذلك هي السبل الأنجع في استثمار المشاريع التنموية التي من شانها مساعدة ميزانية الدولة المتعثرة ، لقد أدى المشرّع دوره ويبقى للأجهزة التنفيذية مهمة السهر على سير التنزيل ، ولاشك انه وأمام مثل هذه المشاريع الواعدة واذا ما تضافرت الجهود وحسنت النوايا سيتحول مشروع التحرش الى ثروة وطنية لا تقل أهمية عن السياحة و الفسفاط و قوارص الوطن القبلي ودقلة قبلي.
من اجل الاستثمار الناجع لهذا القانون يجب ان تتوفر جملة من المعطيات ، لعل أهمها سد الثغرات القانونية حتى لا يفلت الجاني من تبعات "التحريشة" والأكيد ان الدولة خبيرة بأساليب الشباب التونسي وطريقته في التمويه للتهرب من دفع إتاوة التحرش ، وعليه ولما كانت المؤسسات والدوائر العالمية الضخمة تستعين بالقراصنة التائبين لاكتشاف الثغرات وصد الهجمات وتحصين البرامج ، يمكن أيضا للدولة التونسية ان تستعين بمتحرشين تائبين للإيقاع بالجناة والحيلولة دون إفلاتهم من استخلاص ما تخلد بذمتهم من إتاوات ، واستعمال هؤلاء التائبين كمرشدين او كلجان يقضه او شُعب ووداديات مختصة في الوشاية بالمتحرشين وإرشاد الدولة الى أوكارهم وحيّلهم ، وللمزيد من النجاعة يجب ان تقر السلطة حزمة من القوانين التفصيلية ، تؤكد من خلالها على انواع التحرش وتفكك التحريشة وتحينها وتسعّرها وتضبطها بحيز زمني معين ، إذْ لا يعقل ان يدفع شاب 1000 دينار على تحريشة دامت ثانية واحدة بينما يدفع غيره نفس المبلغ على تحريشة طويلة ومشحونة لدقائق وربما لساعات ، ثم ومن دواعي اليقظة ولحسن الاستثمار في القطاع على الدولة ان تحسن المناورة ، لذا يجب على التهمة ان تكون مرنة وحمالة ، كأَن تتمحور الضريبة في بعض الأحيان على المتحرش وليس المتحرش بها ، فالمرأة عندما تتعرض الى التحرش من مجموعة وجب استخلاص الإتاوة على عدد أفراد المجموعة ، مع الإدانة المخففة لمرافق المتحرش الذي استحسن الفعل او أيده او سكت عنه ولم يتورط في الفعل او القول ، ويعفى كل من استنكر على مرافقه او صديقه استنكارا وضاحا لا يحتمل التأويل ، في المقابل يجبر المتحرش بمجموعة من الفتيات على دفع غرامة على عدد المتحرش بهن .
ويستحب للدولة ان تتريث ولا تلجا الى الربح السريع من خلال إقرار قيمة مضافة على سلعة التحرش ، وعليها ان تأخذ في حسبانها ان منتوج التحرش شديد الحساسية يجب ان لا تغمره بالقوانين المكملة حتى لا يتحصن الشباب ضد الملاحقة ومن ثم يخرج الوضع عن السيطرة لا قدر الله ، كما يستحسن ان تعتمد الدولة في تسعيرها على جملة من العوامل الزمنية والمناخية ، كرصد تسعيرة مختلفة لتحريشة النهار عن تحريشة الليل كما عليها التفريق بين ثمن تحريشة الشتاء وتحريشة الصيف وبين تحريشة البحر وتحريشة المقهى ، والى ذلك من التحرشات، ويحبذ ان تخصص تسعيرات مشددة على التحرش في شهر رمضان ، ويلزمها التفصيل في سعر التحرش داخل الفضاءات العامة وفي المساحات المفتوحة ، والأكيد ان التحرش بالموظفة في مكتبها غير التحرش بها في الهواء الطلق ، ويفترض ان تكون تسعيرة التحرش في وسائل النقل هي الأعلى لعدة اعتبارات أهمها المتاعب التي تعانيها المرأة مع أسطول المواصلات المزري والحالة النفسية التي تكون عليها عند تعرضها للتحرش.
وبما ان جل القوانين تخضع الى استثناءات وجب على الحكومة التخلي عن الجشع المفرط ، وان تخفض من سعر التحريشة في المرحلة الأولى لبداية المشروع ، وان تتعامل مع القطاع بشكل تصاعدي يراعي التدرج في التنزيل ، ولا مناص من منح الحكومة مساحة حرة ، تقرر فيها ما تراه صالحا لمصلحة الأمة كإعلان الأحكام العرفية خلال المهرجانات الصيفية الصاخبة وصولا الى إعلان حالة الطوارئ إذا لزم الأمر وشعرت الدولة ان ثروة الأنوثة مهددة في البلاد ، شريطة ان تكون التهديدات جدية ولا تخضع للتجاذبات الحزبية ، كما يتحتم على الدولة ان تتسلح بالصبر والثبات ولا تخضع للضغوطات سوى تلك الصادرة عن جحافل الشباب او التحركات النقابية المنظمة التي تهدف الى ثني الدولة عن التكسب او التمعش من التحرش وتنمية هذا القطاع بما يعود على تونس بالربح الوفير .
وبما ان الثورة أعادت الاعتبار لأبناء تونس في المهجر ، لابد للدولة من لفتة للجالية عبر إشراكها في هذا المشروع الواعد ، من خلال تحديد تسعيرة للمتحرش بامرأة من بلد الإقامة وتسعيرة اخرى للتحرش بتونسية في بلد الإقامة ثم تسعيرة ثالثة لأبناء الجالية عند عودتهم لأرض الوطن وضبطهم متلبسين بجنحة التحرش ، هذه التوضيحات مهمة والاهم منها العمل على بعث صندوق وطني للتحرش يكون رافعة للاقتصاد الوطني .
في الأخير على الدولة ان تسهر على تنمية عائدات التحرش وتحسين جودته وازالة العراقيل من أمامه والارتقاء به الى مستوى المنافسة في الأسواق العالمة ، كل ذلك بما يكفل عدم المساس بالثوابت التي اقرها الدستور .