“مافيا ندرانغيتا” تجني ما يتراوح بين 330-385 مليون دولار أسبوعيا من وراء عمليات تهريب المخدرات، وما يتراوح بين 65 و70 في المئة من أموال الفديات التي تقدر بـ470 مليون دولار.
روما – في ديسمبر من عام 2018، عندما أسفرت أوسع مداهمة على الإطلاق نفذتها الشرطة الأوروبية ضد “مافيا ندرانغيتا” الإيطالية، عن اعتقال 80 شخصا وضبطت أكثر من ثلاثة أطنان من الكوكايين و140 كيلوغراما من حبات النشوة، وصف المحققون الإيطاليون الجماعة بأنها “أقوى منظمة مافيا عابرة للحدود”.
وداهمت الشرطة أماكن من بينها مطاعم إيطالية ومحلات آيس كريم تستخدم في عمليات غسيل أموال.
ووفقا لبحث أجراه معهد “أوريسبيز” الإيطالي، تجني “مافيا ندرانغيتا” ما يتراوح بين 300 و350 مليون يورو (330-385 مليون دولار) أسبوعيا من وراء عمليات تهريب المخدرات، التي يمثل مخدر الكوكايين الجزء الأكبر منها. وتعتبر شرطة مكافحة المافيا الإيطالية الرقم موثوقا.
ومنذ عقود، كان لدى مافيا ندرانغيتا مصدر دخل رئيسي آخر، وهو عمليات الاختطاف من أجل طلب فِدًى. وعلى مدار حوالي 30 عاما، بداية من عام 1969، سقط ما يقرب من 700 شخص ضحايا لهذه الجرائم، التي بلغت الذروة في عام 1977 بتسجيل 75 حالة في عام واحد، بحسب ما ورد في مقال نشرته مجلة “إيطاليان ريفيو أوف كريمينولوجي” المتخصصة في علم الإجرام، نقلا عن بيانات وزارة الداخلية.
يقول دومينيكو دي بيتريللو، وهو مسؤول سابق في قوات العمليات الخاصة التابعة لشرطة قوات الدرك (كارابينيري) الإيطالية، والذي تولى التحقيق في العشرات من حالات الخطف التي نفذتها المافيا خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي، “كان الأمر بنفس السوء الذي كان عليه في أميركا اللاتينية”.
وتولى أفراد العصابات في منطقة كالابريا الإيطالية الدور الرئيسي في جرائم الاختطاف، التي نالت أيضا استحسان العصابات الريفية في جزيرة سردينيا، والإرهابيين السياسيين مثل جماعة الألوية الحمراء اليسارية، بالإضافة إلى مافيا “كوسا نوسترا” بجزيرة صقلية، وإن كان على نحو أقل.
وبحسب خبير في شرطة مكافحة المافيا الايطالية طلب عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية، وصل نصيب مافيا ندرانغيتا إلى “ما يتراوح بين 65 و70 في المئة” من أموال الفديات التي تقدر بـ800 مليار ليرة (470 مليون دولار)، حصلت عليها جماعات إجرامية إيطالية مختلفة جراء عمليات الاختطاف.
وسارع أفراد العصابات في كالابريا إلى إعادة استثمار أرباحهم، بصورة جزئية في امتيازات شخصية، مثل شراء فيلات وسيارات فاخرة، ولكن في معظم الحالات من أجل “دخول قطاع تهريب الكوكايين”، بحسب ما صرح به ممثل الادعاء المناهض للمافيا نيكولا غراتيري، أمام لجنة مكافحة المافيا بالبرلمان الإيطالي في عام 2014.
وأوضح غراتيري أنه كان هناك “شبه احتكار” لسوق الهيروين من قبل مافيا “كوسا نوسترا”، في حين وجدت مافيا ندرانغيتا في الكوكايين “حصانا رابحا” جديدا، مضيفا أن بعض أفرادها عاشوا في أميركا اللاتينية “لمدد تتراوح بين 30 و40 عاما ولديهم أسر هناك”. كما اخترقت هذه المافيا قطاعي العقارات والأشغال العامة.
وعلى سبيل المثال، تم توظيف الأرباح من عملية الاختطاف البشعة لجون بول غيتي الثالث، لإقامة حي سكني على ساحل كالابريا، عرف باسم “قرية غيتي”.
وتم خطف غيتي، سليل عائلة النفط الأميركية، في العاصمة روما في عام 1973، وظل قيد الأسر في جبال كالابريا النائية لمدة خمسة أشهر. وقد تم قطع أذنه اليمنى للضغط على عائلته لدفع مبلغ 1.7 مليار ليرة من أجل إطلاق سراحه. وكان هناك كثير من حالات الاختطاف الأخرى التي كشفت عن وحشية ندرانغيتا.
وانتشرت المخاوف من عمليات الخطف بصورة كبيرة بين النخب الإيطالية، وخاصة في أواخر سبعينات القرن الماضي، وهي فترة مضطربة شهدت خطف وقتل رئيس الوزراء السابق ألدو مورو في عام 1978، على أيدي الألوية الحمراء، وليس المافيا.
وتلاشت جرائم الاختطاف خلال تسعينات القرن الماضي، ويعود ذلك جزئيا إلى قانون صدر في عام 1993، جعل من الأسهل بكثير على السلطات السيطرة على أصول أقارب الضحايا، مما يجعل من الصعب تلبية مطالب الحصول على فِدًى.
ويقول الخبراء إن الغضب الشعبي المتزايد ضد وحشية المافيا، بالإضافة إلى تطور عمل الشرطة وتغليظ العقوبات على الخاطفين، وفوق كل ذلك، إدراك أن تهريب المخدرات يتميز بربح أكبر، وخطورة أقل، قد ساهم في اختفاء هذه الظاهرة.