في موازاة المناورات الضخمة التي تجريها قوات العدو الإسرائيلي، وتعتبر إحدى أضخم المناورات منذ عشرين عاماً، استهدفت طائرة حربية إسرائيلية مركزاً في مدينة مصياف بمحافظة حماه. ووفق المعلومات، فإن الغارة التي أطلقت من الأجواء اللبنانية استهدفت مركزاً عسكرياً هو عبارة عن مخزن أسلحة تابع لحزب الله. وهذه الأسلحة كان سيتم نقلها إلى لبنان أو إلى الحدود اللبنانية السورية، لتصبح قريبة من الحدود مع إسرائيل. وتوقيت الغارة لافت وكذلك ظرفها، أولاً لكونها تستهدف العمق السوري وليس مناطق تعتبرها إسرائيل مصدر خطر عليها أو قريبة منها وبالإمكان استهدافها منها، وثانياً لكونها تبعد كيلومترات قليلة عن قاعدة حميميم الروسية. ولا بد هنا من الإشارة إلى أنه لم يكن بإمكان الإسرائليين تنفيذ هذه الغارة بدون الحصول على ضوء أخضر من الروس.
ولا شك في أن توقيت الغارة يأتي في ظروف سياسية وإقليمية مفصلية في سوريا، خصوصاً بعد إعلان حزب الله والجيش السوري الانتصار في دير الزور وفك الحصار عنها، والاستعداد للسيطرة عليها بشكل كامل، وما يعنيه ذلك من استمرار التقدم الذي تحققه إيران والنظام السوري في سوريا برعاية روسية، يصل إلى تعزيز الوجود الإيراني على الحدود العراقية السورية. الأمر الذي تدّعي واشنطن وغيرها من الدول أنها تعارضه وترفضه، وهي تريد قطع كل خطوط الإمداد التي أمّنتها إيران من طهران إلى بيروت. وبالنسبة إلى حزب الله فإن الأهمية الاستراتيجية لدير الزور باعتبارها منطقة بين العراق وسوريا، لأنها تشكّل خطّ الإمداد الرئيسي للحزب الذي يبدأ من إيران مروراً ببغداد والنجف والقائم وبوكمال ودير الزور وتدمر والقريتين والقصير.. فلبنان.
وفيما لا يبدو أن حزب الله سينهي المعارك في دير الزور، بل هناك وجهة أخرى لهذه المعارك في المرحلة المقبلة، لاستعادة أكبر قدر من المناطق. بالتالي، فإن الوجهة ستكون للسيطرة على ضفتي نهر الفرات، في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في محافظة إدلب، بالإضافة إلى استمرار المساعي والضغوط لإيجاد حلّ ملائم للمناطق القريبة من دمشق، وخصوصاً الغوطة.
ولكن، وسط هذه التطورات، تبقى بعض الأمور غير مفهومة، بالنسبة إلى التحالفات الدولية، أو القوى التي تغطّي العمليات والقوى الآخرى التي تعارضها. وتشير مصادر إلى وجود افتراضات عدة، الأول أن روسيا ستدخل في لعبة التوازن مع واشنطن في المنطقة. وتلاقى ذلك مع الكلام السعودي عن تحجيم نفوذ إيران، الذي ستتولاه روسيا. وهو يندرج في سياق حملة التصعيد الكبرى التي تحصل في سوريا وغير سوريا، والتي تتجلّى بالمناورات الإسرائيلية الكبرى، والغارة التي استهدفت أحد المراكز في حماه إنطلاقاً من الأجواء اللبنانية، بالإضافة إلى التصعيد السعودي ضد الحزب، والقول إنه على اللبنانيين الاختيار بين "حزب الشيطان" والدول العربية.
أما الافتراض الثاني، الذي يبدو حتى الآن أن لديه مفاعيل واقعية، هو أن روسيا تريد الحصول على كل شيء في المنطقة، وخصوصاً في سوريا. بالتالي، هي غير مستعدة للتنازل للأميركيين. ما يقضي بتعميق التواصل والتحالف الروسي- الإيراني، وتعزيز قوة طهران ونفوذها في سوريا وليس تحجيمه. ويستند أصحاب وجهة النظر هذه إلى تراجع الروس عما اتفقوا عليه مع الأميركيين في أكثر من مرّة، بما يخص مناطق خفض التصعيد وغيرها، بالإضافة إلى سماحهم للجيش السوري والإيرانيين بربط الحدود السورية العراقية ببعضها البعض، بخلاف ما كانوا قد وعدوا به الأميركيين.
وفي الحالين، لا شك في أن الأوضاع تتجه نحو مزيد من التعقيد والتصعيد، إذا ما كانت الوقائع ستفرض تعزيز نفوذ إيران وتثبيته في المنطقة، وهذا سيستدعي ردّاً سعودياً مع مزيد من التصعيد والضغط، أو إذا ما اتجهت الأمور نحو استمرار الكباش الدولي مع إيران. بالتالي، فإن ذلك سينعكس على الوضع اللبناني. إلا أن حزب الله يؤكد أن لبنان لن يتأثر بأي من هذه الارتدادات، لأن الجميع حريص على الاستقرار، وعلى بقاء الحكومة، وعدم استثمار أي نتائج خارجية في الداخل. ويكرر أنه سيبقى حزباً لبنانياً رغم تعاظم دوره الإقليمي، ولكنه سيعود إلى لبنان عند انتهاء الأزمة السورية، ولن يستثمر في هذه العودة. أما بشأن التصعيد، فتعتبر المصادر أن حزب الله ليس معنياً به، بل الأطراف الأخرى. وتتوقع أن لا يؤدي إلى تغيير في مسار الأمور.