الكتاب يسعى لتمكين القراء من اكتشاف الثقافة اليهودية المغربية المتميزة على مستويات عديدة وفهمها وتقاسمها.
الرباط - يتطرق كتاب “الذاكرة اليهودية بشرق المملكة المغربية”، الذي يعتبر الأول من نوعه المنجز بالمغرب، لإحدى أقدم جاليات المغرب، وذلك من خلال تسليط الضوء على التاريخ العريق لليهود المغاربة بجهة الشرق، بطوائفه، وذاكرته، وفضاءاته، وثقافاته المشتركة.
وكتب مدير النشر محمد إمباركي في تمهيد الكتاب، الذي أنجز بمبادرة من وكالة جهة الشرق وصدر في نسخته العربية حديثا عن دار نشر “ملتقى الطرق”، أن هذا الكتاب يسعى لـ“تمكين القراء المغاربة والأجانب، من اكتشاف الثقافة اليهودية المغربية المتميزة على مستويات عديدة وفهمها وتقاسمها، ومعرفة أحد أهم معاقل اليهودية، جهة الشرق التي شهدت ميلاد أجيال من رجال ونساء وأطفال مغاربة، فخورين دوما بممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية على هذه الأرض التي من أخص سماتها التسامح”.
وأضاف أنه “في وجدة ودبدو وفكيك أو بالناضور وغيرها، عاشت عائلات يهودية خلال قرون مضت، في تعايش تام مع السكان المسلمين”، مبرزا أنه “رغم مغادرتها البلاد ظلت الجالية اليهودية متشبثة بجذورها”.
وتابع إمباركي أن “خير شاهد على ذلك، قدوم أفواج عديدة من يهود مختلف بقاع العالم إلى المملكة كل سنة من أجل تجديد الروابط بجذورهم”، مشيرا في هذا الصدد إلى أن ميمونة، العيد النموذجي لليهود المغاربة، والمتميز بالتكافل والتضامن، ترسّخ على مر القرون بين اليهود والمسلمين.
ومما جاء في تمهيد هذا الكتاب أيضا أن “الشهادات القوية والمؤثرة تجعلنا نعيش مرة أخرى بعض لحظات هذا التقاسم الفريد لذكريات غالية تنبعث من حدائق ماض سعيد يتحتم الحفاظ عليه؛ إرث ثمين من واجبنا الحرص على نقله من جيل إلى جيل”.
وفي استقرائه للتاريخ العريق لليهود المغاربة، سجل الكتاب أنه إذا كانت هناك طائفة يمكنها الشهادة عبر تاريخها أن ثمة مكانا لجميع الديانات في أرض السلام، فهي بكل تأكيد الطائفة اليهودية المغربية، لافتا إلى أنها استفادت، منذ بداياتها البالغة في القدم، من استقلال ذاتي لم تحرم منه على امتداد القرون، بالرغم من بعض المراحل الصعبة.
وعاد الكتاب بالخصوص إلى استقرار اليهود بمختلف مدن الجهة الشرقية من قبيل وجدة “ذات الملاح المتفرد”، ودبدو كمركز إشعاع فكري، و”زهرة المتوسط الروحية”، وفكيك، “الواحة الثقافية”، و”عائلاتها الثقافية اليهودية الكبرى”.
كما استعرض الكتاب ضمن سبعة أقسام تاريخ الطوائف وفضاءات الحياة في جهة الشرق، وكذا الثقافات المشتركة كالشعر العربي والأمازيغي، والقصة، والملحون، والمقطوعات العربية الكلاسيكية، والموسيقى الأندلسية ومختلف أصناف الموسيقى.
وعزز هذا الكتاب مضمونه بصور ورسوم وخرائط ووثائق تتعلق بالعديد من الفضاءات والآثار وكذا الشخصيات اليهودية المغربية، وتبرز مراحل تاريخ وجود اليهود بالمغرب وعادات وتقاليد أفراد هذه الطائفة، فضلا عن العديد من الشهادات المؤثرة لشخصيات يهودية مغربية وكتاب.
ويأتي هذا الكتاب ضمن الاحتفاء بالتراث الثقافي اليهودي – المغربي ضمن الجهود التي يتم بذلها حاليا في المغرب لاستعادة التراث اليهودي مثل أحياء الملاح، والبيَع، والمقابر، والمتحف الذي دُشِّن مؤخرا بفاس، والمتحف الحالي في الدار البيضاء، دون إغفال قرار المغرب إدراج تاريخ اليهود المغاربة في المناهج الدراسية. حيث اختار المغرب أن يعرّف الأجيال الناشئة على تراث اليهود المغاربة، الذين يمثلون شريحة كبرى من المجتمع، عبر المناهج الدراسية.
وترجع بعض الروايات اليهودية تاريخ اليهود في المغرب إلى القرن السادس قبل الميلاد، عندما طُردوا من بابل ووصلوا إلى شمال أفريقيا. كما زاد الوجود اليهودي في المغرب مع سقوط الأندلس حيث طرد الإسبان المسلمين واليهود على حد سواء.
وحتى عام 1940 كان اليهود في المغرب يمثلون عشرة في المئة من إجمالي السكان قبل هجرتهم إلى إسرائيل، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد اليهود في المغرب لكن التقديرات تشير إلى أنهم ما بين 2000 و2500 شخص.