شهدت قاعة التياترو بالمشتل مساء السبت 19 أكتوبر 2024 حضوراً جماهيرياً كثيفاً لمشاهدة العرض الأول لمسرحية "ماسح الأحذية"، التي جمعت بين الإبداع الفني والجرأة في الطرح. رغم برودة الطقس وهطول الأمطار، توافد الجمهور للاستمتاع بهذه المونودراما التي أخرجها بتميّز حافظ خليفة وأدّاها ببراعة الممثل المهاجر إلى قطر، محمد علي العباسي، على نص من توقيع الكاتب العربي الدكتور خالد الجابر ودراماتورجيا بوثير دومة.
مقالات ذات صلة:
مسرحية (مـ)جرد موظف تشعل المسرح البلدي بصفاقس: إبداع فني يلامس الجنون!
مشاركة قوية للأعمال المسرحية التونسية في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي
"وصايا الديك".. مسرحية تمزج العبث بالسخرية لتفكيك واقع تونس ما بعد الثورة
المسرحية تبدأ بمشهد صادم: ماسح أحذية يقبع في نفق قطارات، يُدير ظهره للجمهور بينما تحيط به أجواء تنبئ بالخطر. فجأة يحدث زلزال، يُغلق كل منفذ، ويبدأ ماسح الأحذية في سرد حكايته التي تتحول إلى مأساة كبرى، تجسد واقع الشعوب العربية التي تهرب من ويلات الحروب. يتضح أن الشخصية الرئيسية، ماسح الأحذية، كان أستاذاً جامعياً فقد عائلته بسبب الحرب، ليحمل أحذية أفرادها كتذكار لا يقدر بثمن.
النص، الذي أبدع في صياغته الدكتور خالد الجابر، يحمل في طياته صرخة فزع من أجل إنقاذ الإنسانية، ويغوص عميقاً في معاناة المجتمع العربي الصامت أمام مآسي الحروب. يطرح الكاتب فكرة فلسفية مفادها أن الحذاء قد يكون رمزاً للمشاكل والحلول على مر الأزمنة، في إشارة إلى تسلسل المآسي التاريخية.
الممثل محمد علي العباسي أظهر قدرة هائلة على التحول والتقمص بين شخصيات متعددة، من ماسح الأحذية المستكين إلى الأب الحنون والمثقف المنبت، وصولاً إلى المرأة المطلقة المتحررة. أما على مستوى الإخراج، فقد نجح حافظ خليفة في تقديم رحلة وجودية للجمهور، معتمداً على التنوع في الأساليب الإخراجية والسينوغرافيا الرقمية المبهرة.
الدراماتورجيا التي قام بها بوثير دومة أضافت لمسة احترافية دون الإخلال بجوهر النص، فيما تألق الفنان زياد الطرابلسي في تصميم الموسيقى، والنور الجلولي في الجانب الرقمي، مما أكمل جمال هذا العمل الفني.
"ماسح الأحذية" ليست مجرد مسرحية، بل هي نداء عاجل لإنقاذ إنسانية تمزقها الحروب، وقد أثبتت أنها عمل فني يلامس الوجدان ويثير القلق من أجل التغيير.