قيس سعيد يدعو القضاء إلى محاسبة الأحزاب والقوائم البرلمانية المستفيدة من أموال مشبوهة.
تونس- قالت أوساط تونسية مطّلعة إن تصريحات الرئيس قيس سعيد التي دعت القضاء إلى أن يأخذ مجراه في قضايا الفساد التي ارتبطت بالانتخابات التشريعية لم تكن لتتم بهذا الوضوح لو أن تقرير محكمة المحاسبات لم يحتو على معطيات دقيقة تورط قوائم انتخابية فائزة في البرلمان المجمّد، والأحزاب التي تقف وراءها والتي سبق أن أشار التقرير إلى وجود شبهات تحوم حولها، وعلى رأسها حزبا حركة النهضة وقلب تونس.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن القضاء الذي كان في السابق واقعا تحت تأثير الضغوط السياسية المختلفة أصبح الآن في وضع أفضل، ما يمكّنه من الذهاب في أحكامه إلى أقصى العقوبات بدءا بإلغاء فوز قوائم بالانتخابات وصولا إلى حل الأحزاب التي حصلت على مال خارجي، كما يشير إلى ذلك قانون الأحزاب.
وأضافت أن المهم اليوم ليس إعلان سقوط هذه القائمة أو تلك -فلم يعد الأمر ذا قيمة لأن البرلمان مجمّد ومن الصعب عودته إلى النشاط وربما تكون الخطوة القادمة هي حله قبل الإعلان عن انتخابات مبكرة- وإنما المطلوب هو عقوبات أشدّ مثل حل الأحزاب المتورطة في الفساد وتتبع قياداتها قضائيا بهدف توجيه رسائل مستقبلية قوية إلى الطبقة السياسية.
ومن شأن صدور أحكام مشدَّدة بحجم الفساد الذي جرى في الانتخابات السابقة، والذي رصده التقرير بشكل تفصيلي، أن يوفر أرضية قانونية وسياسية لحل البرلمان ودفع الوجوه المتورطة في الفساد إلى الخروج من المشهد السياسي بأحكام قضائية.
وقال المحامي عماد بن حليمة، المعروف بمواقفه المعارضة للإسلاميين، في تدوينة على حسابه بفيسبوك إن الوضع يسير نحول حل حزبي قلب تونس والإخوان (يقصد حركة النهضة) على ضوء ثبوت التمويل الأجنبي.
وأعلنت القاضية في محكمة المحاسبات فضيلة القرقوري قبل أسبوع أن الدوائر القضائية التابعة لمحكمة المحاسبات انطلقت في إصدار أحكامها الابتدائية في القضايا الخاصة بالانتخابات، وعزت التأخير إلى تداعيات تفشي فايروس كورونا وغلق المحاكم في أكثر من مناسبة.
ودعا الرئيس سعيّد الخميس القضاء إلى “تحمّل مسؤوليته في محاسبة المتورطين في قضايا الفساد وخاصة التجاوزات المالية” خلال الانتخابات السابقة التي جرت عام 2019، وذلك أثناء لقائه نجيب القطاري رئيس محكمة المحاسبات الذي قدّم له تقريرا حول الرقابة على التصرف الإداري والمالي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وفق فيديو بثته الرئاسة على موقعها الرسمي في فيسبوك.
وحث قيس سعيّد القضاء على “تحمّل مسؤولياته كاملة في هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها تونس ومحاسبة المتورطين في قضايا فساد حتى يستعيد الشعب حقّه وتتخلص الدولة من الأدران التي علقت بها في العقود الماضية”.
وكان تقرير محكمة المحاسبات الذي صدر في نوفمبر من العام الماضي قد أشار إلى أن حركة النهضة الإسلامية تعاقدت مع شركة ضغط أميركية منذ عام 2014 لتلميع صورتها، والأمر نفسه ينطبق على حزب قلب تونس. لكن التقرير ظل دون متابعة قضائية.
وأضاف الرئيس موضحًا أن “المحكمة قامت بواجبها بخصوص التدقيق في مالية الأحزاب خلال الانتخابات التشريعية (الماضية)”، معربًا عن أسفه “لبقاء التقارير دون أثر لأن القانون يرتب آثارا عن التجاوزات”. وتابع قيس سعيّد “التجاوزات التي ارتكبت خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية (2019) هي تجاوزات من كل الأنواع”.
وشدّد بقوله “على القضاء العدلي والجزائي أن يرتب الآثار القانونية حول من أين أتت الأموال للأحزاب”. وأردف “هناك أحكام تصل إلى 5 سنوات بالنسبة إلى التمويلات الأجنبية”، موضحًا أن “الانتخابات التشريعية مُوِّلت بأموال جاءت من الخارج”.
وزاد الرئيس سعيد موضحًا أنه “من المفروض أن تلغى بعض النيابات (عضوية البرلمان) في مجلس نواب الشعب ممن ثبت فسادهم”، دون أن يسمي أي قائمة.
وكانت محكمة المحاسبات التي تُعد أعلى هيئة قضائية رقابية في تونس قد كشفت في تقرير لها أن حركة النهضة الإسلامية تعاقدت مع شركة دعاية وضغط أميركية من أجل تلميع صورة الحركة.
وقالت القرقوري -وهي رئيسة دائرة بمحكمة المحاسبات- خلال مؤتمر صحافي في نوفمبر الماضي إن حركة النهضة أبرمت عقدا مع شركة الدعاية والضغط “Burson Cohn & Wolfe” للقيام بحملات دعاية وضغط وكسب التأييد في الانتخابات منذ عام 2014.
وأضافت القرقوري خلال تقديمها للتقرير الذي أُنجز في سياق مراقبة المحكمة للحملات الانتخابية أن النهضة قامت بعقدين مع هذه الشركة الأميركية؛ الأول منذ سبتمبر 2014 إلى غاية 2018، ثم أبرمت عقدا تكميليا في الفترة الممتدة بين السادس عشر من جويلية 2019 إلى السابع عشر من ديسمبر 2019، أي بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وأوضحت المحكمة أن قيمة العقد الذي أبرمته الحركة الإسلامية بلغت ربع مليون دولار، مشددة على أنها لم تتسن لها معرفة مصادر هذه الأموال.
كما اتهمت دائرة المُحاسبات حزب قلب تونس الذي يرأسه رجل الأعمال نبيل القروي بتعاقده مع شركة ضغط أجنبية بقيمة 2.85 مليون دينار وتم تحويل جزء من قيمة العقد عبر حساب بنكي غير مصرح به وهو حساب زوجته.
ونظم عدد من نشطاء المجتمع المدني منذ أيام وقفة احتجاجية أمام مقر محكمة المحاسبات للمطالبة بتفعيل تقرير المحكمة المتعلق بالتجاوزات التي ارتكبتها الأحزاب خلال الانتخابات الماضية.
وقال أحمد الكحلاوي رئيس المنظمة التونسية لمقاومة التطبيع في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الرسمية إن محكمة المحاسبات مطالبة بالكشف عن التجاوزات التي ارتكبها كل من حزب النهضة وقلب تونس وقائمة “عيش تونسي” (عِشْ تونسيًّا) وإصدار الأحكام الضرورية في ذلك.