ترصد نقابة الصحافيين العثرات والتحديات التي تواجه المهنة، وتصر على مطالبها بتأمين ظروف ملائمة للصحافيين ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات ضدهم، وتنفيذ قانون حق الوصول إلى المعلومة الذي لم يجد بعد طريقه للتنفيذ، حتى يتمكن الصحافي من ممارسة عمله بنزاهة ومهنية بعيدا عن الضغوط التي تجبره على الرقابة الذاتية.
تونس – لا تزال التحديات تواجه الصحافة التونسية التي نالت المرتبة الأولى عربيا في مؤشر الحريات الصحافية، ورغم النقلة النوعية التي حققتها في مجال حرية التعبير، إلا أن القائمين على القطاع يبدون قلقا متزايدا من الوضع الراهن الذي إن لم يحقق تقدما على صعيد الحريات، فإنه سيواجه انتكاسة.
وتشير تصريحات نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري المتتالية إلى حجم هذه المخاوف، إذ يعتبر أن تواصل الاعتداءات على الصحافيين وتنوعها؛ من تدخل في المحتوى الإعلامي وتوجيهه ومنع من الحق في النفاذ إلى المعلومة وصولا إلى المس من كرامة الصحافيين وسلامتهم الجسدية هو “مؤشر واضح على أن هذه المهنة مازالت في خطر وأن حرية الصحافة تعيش وضعا حرجا”.
وجاءت تصريحات البغوري خلال ندوة صحافية عقدت الأربعاء بمقر النقابة بالعاصمة تونس لتقديم التقرير نصف السنوي إلى وحدة رصد الاعتداءات على الصحافيين التابعة للنقابة حول “حالة حرية الإعلام في تونس من 1 مارس إلى 31 أغسطس 2017”.
وأضاف “من يمارس مهنة الصحافة يدفع اليوم ثمنا باهظا في ظل هشاشة الوضع المادي وعدم قدرة العديد من المؤسسات الإعلامية الخاصة على مجابهة الوضع الاقتصادي وفي سياق يعيش فيه الإعلام العام عثرات حقيقية”.
وكشف تقرير نقابة الصحافيين، عن تسجيل 100 اعتداء طالت 139 عاملا في قطاع الإعلام بالبلاد، من بينهم 34 صحافية، وأقر البغوري، “بوجود خطر حقيقي يلوح في الأفق، وهو عودة الخوف والرقابة الذاتية من الصحافيين في ظل تنوع الاعتداءات عليهم من قبل السلطات، ومنعهم من الوصول إلى مصادر المعلومات رغم إقرار البرلمان لقانون حق الوصول إلى المعلومة”.
وشدد على ضرورة تفعيل قانون الوصول إلى المعلومة الذي لا يزال حبرا على ورق وقال في هذا السياق “على هياكل الدولة والمؤسسات العمومية اتباع نهج الشفافية في ما يتعلق بموازناتها المالية وكل ما يتعلق بالوثائق التي من حق المواطن والصحافي الاطلاع عليها”.
كما عبر عن استياء النقابة من ارتفاع وتيرة الاعتداء على الصَحافيين التي لم تفتح فيها الجهات المعنية أيّ تحقيقات رغم رفع النقابة شكاوى ضد المعتدين، كما أنه لم تتم ملاحقة أي من المعتدين الذين ذكرت أسماؤهم بالتقارير التي أعدتها وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين.
وأوصى التقرير بضرورة إلغاء المنشآت العمومية للتعليمات الداخلية التي تعيق حق النفاذ إلى المعلومة خاصة أن 53 بالمئة من مشاكل الصحافي مرتبطة بالنفاذ إلى المعلومة وبضرورة احترام طبيعة العمل الصحافي ودعا المكلفين بالإعلام والاتصال إلى تسهيل عمل الصحافي.
كما دعا كلا من وزارة الداخلية لمتابعة عناصرها الذين تسببوا في 28 من الاعتداءات على الصحافيين، والسلطة القضائية لتسريع النظر في الشكاوى التي تقدم بها المتضررون، وفق نص التّقرير.
وقالت خولة شبح، منسقة وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة، “هناك 9 قضايا طرحها صحافيون أمام القضاء، صاغت منها وحدة الرصد 5 قضايا بينما يلجأ الصحافيون في 90 من الاعتداءات إلى المصالحة خوفا من العمليات الانتقامية وفقدان مصادر المعلومات”. وتجسدت الاعتداءات في حالات أبرزها “المنع من العمل بنسبة 28 حالة، والتضييق على النفاذ للمعلومة، وتركيز قيود عليها بنسبة 53 حالة، واستهداف كرامة الصحافي وسلامته الجسدية بنسبة 27 حالة”.
وبين التقرير أن الصحافيين المعتدى عليهم ينتمون إلى 22 إذاعة، و20 قناة تلفزيونية، و14 موقعا إلكترونيا، ووكالتي أنباء، ومجلتين.
وأضاف التقرير أن الجهات التي اعتدت على الصحافيين تتمثل في عناصر الأمن بـ23 حالة، وموظفين عموميين في 16 حالة، ومسؤولين رسميين في الحكومة ورئاسة الجمهورية (دون ذكرهم) 4 حالات، بالإضافة إلى 4 حالات اعتداء من قبل عاملين بمنشآت عمومية، والقضاء والنيابة العمومية في حالتين لكل منهما.
وصادق البرلمان في 2016، على قانون يتعلق بالحق في النفاذ إلى المعلومة للعموم وينطبق القانون حسب البند الثاني منه على 14 هيكلا عموميا منها “رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، ومجلس نواب الشعب، والبنك المركزي، والوزارات”.
وينص القانون على إحداث هيئة للنفاذ إلى المعلومة، وتضم 9 أعضاء بينهم قاضيان، ومختص في الأرشيف، وأستاذ جامعي مختص في تكنولوجيات الاتصال، وممثلان عن منظمات المجتمع المدني والصحافة، ولها صلاحيات استقصائية وآراؤها ملزمة حين يرفض هيكل عمومي السماح بالنفاذ إلى المعلومات.
من جانبه بين منذر الشارني المستشار القانوني لوحدة الرصد أن قانون زجر الاعتداءات على عناصر الأمن يشكل نوعا من الرقابة الذاتية ويحد من حرية التعبير والصحافة. وأضاف الشارني أن هذا القانون جوهره ضرب حرية التعبير من خلال التنصيص على منظومة التراخيص للتصوير ومفاهيم غامضة في حاجة إلى تحديد لأن عدم توضيحها سيفتح المجال أمام الجرائم المفتوحة، مشيرا إلى أن هذا القانون يتضمن عقوبات قاسية ضدّ الصحافيين تصل إلى السجن 10 سنوات في حال عدم امتلاك الترخيص للتصوير.
يذكر أن وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية للنقابة انطلقت منذ مارس 2017 بدعم من المنظمتين التابعتين للأمم المتحدة، وهما المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة “اليونيسكو”.