كشفت وثيقة لمشروع ميزانية تونس 2019 أن الحكومة ستخفف سقف الضرائب المفروضة على الشركات في بعض القطاعات، ولن تفرض أي ضرائب جديدة على الأفراد والمؤسسات العام المقبل.
تونس - امتنعت الحكومة التونسية في ميزانية العام المقبل عن فرض ضرائب جديدة لأول مرة منذ سنوات، رغم ضعف مؤشرات النمو الحالية واستمرار تفاقم العجز التجاري والانحدار المستمر في قيمة الدينار.
ويتوقع محللون أن تخف الضغوط على الشركات والمواطنين قليلا قياسا بما عانوه هذا العام، مع أن هذا الأمر يعدّ من أهم نقاط الخلاف مع صندوق النقد الدولي، حيث تأتي الضرائب في سياق الإصلاح الاقتصادي الذي تطالب به المؤسسة المالية الدولية.
واتجهت الحكومة إلى التخفيف من عبء الضرائب بعد زيادات مستمرة على مدى الأعوام الأخيرة، أثارت احتجاجات عنيفة واحتقانا اجتماعيا واسعا، في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية وبعض الخدمات.
وكان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، قد قال في مقابلة تلفزيونية في وقت سابق هذا العام، إن “سنة 2018 ستكون آخر سنة صعبة على التونسيين”، لكن حكومته تتعرض لضغوط قوية من المقرضين الذين يطالبون بإصلاحات سريعة لخفض العجز في الموازنة.
وطالب المستثمرون، الحكومة مرارا بتخفيف الضرائب على شركاتهم بشكل سريع خشية تعرض أعمالهم للركود وحتى يكون لهم حافز من أجل الرفع من نسق أنشطتهم.
وتظهر الوثيقة أنه سيتم خفض الضرائب في قطاعات الصناعات المعملية والتكنولوجية والكهربائية والميكانيكية وصناعة النسيج والأدوية من 25 بالمئة إلى 13.5 بالمئة، سعيا لتخفيف الضغط على الشركات ودفع الاستثمار وتوفير المزيد من فرص العمل.
وكانت ميزانية 2018 قد أقرت زيادة نسب الضرائب على السيارات والمشروبات الكحولية والاتصالات الهاتفية والإنترنت وأسعار الفنادق وغيرها، وزيادة ضريبة القيمة المضافة بواقع نقطة مئوية واحدة، وفرض ضريبة ضمان اجتماعي جديدة بنسبة واحد بالمئة على الموظفين والشركات.
كما زادت الميزانية الحالية الضرائب على أرباح البنوك في السوق المحلية إلى 40 بالمئة من 35 بالمئة، فضلا عن الرسوم الجمركية التي أقرتها لكبح انفلات الواردات التي كانت سببا كبيرا في تبخر ملايين الدولارات من احتياطي البلاد من العملة الصعبة.
وتضمن مشروع الميزانية الجديدة، مقترحا بالتخفيض في نسبة الأداء على القيمة المضافة المطبقة على خدمات الإنترنت من 19 إلى 7 بالمئة، وهو ما سيخول التخفيض آليا من أسعار الاشتراكات ذات التدفق العالي.
وبحسب وكالة الأنباء التونسية الرسمية، فإنّ هذا الإجراء يهدف إلى ضمان الاندماج الاجتماعي والحدّ من الفجوة الرقمية بين الجهات وتأمين النفاذ إلى خدمات الإنترنت بأقل كلفة.
واقترحت الحكومة في الميزانية أيضا إعفاء المبالغ الخاصة الموظفة على الرسوم بالمدارس الابتدائية والإعدادية والمعاهد الثانوية من الأداء على القيمة المضافة ومن الإتاوة على الاتصالات وذلك في إطار تطوير الخدمات المدرسية.
ويشهد الاقتصاد التونسي اضطرابات منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011. وقد قفزت معدلات التضخم والبطالة إلى مستويات قياسية، مقارنة بما كانت عليه في 2010.
وستزيد ميزانية تونس في العام المقبل بنسبة ثمانية بالمئة إلى حوالي 40.8 مليار دينار (نحو 14.1 مليار دولار). ولم يفسر مشروع القانون كيف ستخفض الحكومة العجز مع عدم إقرار أي ضرائب جديدة.
ووفق وكالة رويترز، أشارت الوثيقة إلى أن تونس تسعى لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.1 بالمئة مقارنة مع 2.6 بالمئة متوقعة هذا العام و1.9 بالمئة في 2017. وتخطط الحكومة لخفض العجز من نحو خمسة بالمئة متوقعة هذا العام إلى 3.9 بالمئة العام المقبل.
ويأتي الكشف عن هذه الإجراءات الجديدة في الميزانية، بالتزامن مع إصدار صندوق النقد الدولي تقريره الشهري للوضع الاقتصادي لتونس، حيث قال إن “انتعاش الاقتصاد التونسي مستمر ولكنه يسير ضمن بيئة صعبة رغم ارتفاع التوترات السياسية والاجتماعية وارتفاع أسعار النفط”.
وأكد صندوق النقد الدولي أن اتباع السياسات والإصلاحات ضروري لحماية الانتعاش المستمر وثبات الاستقرار وذلك في ظل البيئة الصعبة محليا وإقليميا.
وأشار إلى أن الإصلاحات تشمل دعم الطاقة، والضوابط الصارمة في التوظيف والأجور في القطاع العام بهدف بلوغ كتلة الأجور نسبة 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك إضافة إلى إصلاح نظام التقاعد مع التشدد النقدي لاحتواء التضخم الذي بلغ 7.4 الشهر الماضي.
ومع ارتفاع حجم الأجور بشكل لافت، حيث قررت الحكومة اعتماد ثلث الميزانية الجديدة لبند أجور موظفي القطاع العام، بات الوضع أكثر صعوبة، فضلا عن فقدان الدينار لأكثر من نصف قيمته خلال العامين الأخيرين، الأمر الذي انعكس على القدرة الشرائية للمواطنين.
وتهدف الحكومة من برنامجها الإصلاحي القاسي إلى تقليص معدل البطالة بنحو 3 بالمئة ليبلغ 12.4 بالمئة بحلول عام 2020.
ويقول البعض إن تفاؤل الحكومة بشأن انتقال الاقتصاد إلى المنطقة الآمنة في غضون عامين أو ثلاثة أمر شبه مستحيل، في ظل المؤشرات السلبية.