شركة فوسفاط قفصة الحكومية تدخل معركة استرداد مستحقاتها في ظل انعدام التحركات الجدية المحفّزة للقطاع.
شكك خبراء اقتصاد في فرص نجاح مبادرة الحكومة التونسية لإعادة هيكلة قطاع الفوسفات الاستراتيجي، الذي لا يزال يتخبط في أزمات عميقة تسببت في تراجع الإنتاج وضياع عوائد بملايين الدولارات سنويا، في ظل استمرار الإجراءات البيروقراطية، التي تعرقل خطوات إنقاذ شركة فوسفاط قفصة الغارقة في الديون.
تونس- تصدم جهود تونس الرامية لتعزيز استثمار ثرواتها الكبيرة المنسية من الفوسفات بتحديات لا حصر لها مع دخول شركة فوسفاط قفصة (سي.بي.جي) المملوكة للدولة في متاهة من الأزمات المالية.
وتكافح السلطات عبر حزمة من المبادرات الجديدة من أجل زيادة إيرادات صادرات الفوسفات حتى تخفف الضغوط على الموازنة العامة ومواجهة الاختلالات العميقة في المؤشرات المالية.
وهناك خطط لوضع آلية أكثر حزما تتيح لشركة سي.بي.جي الغارقة في الديون استرداد مستحقاتها لدى المؤسسات والشركات في القطاعين العام والخاص.
ولم تفلح “العرب” في الحصول على تعليق من أحد المسؤولين بالشركة حول أوضاعها المالية، والتي يقدر خبراء خسائرها بمليارات الدولارات خلال السنوات الثماني الأخيرة.
واتفقت وزارة الصناعة مع الشركة، التي تأسست في عام 1897، مؤخرا على تنفيذ خطة طارئة لإنقاذها، وبالتالي تحفيزها على النشاط بشكل أكبر.
ولكن الخبير الاقتصادي أنيس القاسمي يرى أن وعود الحكومة لن يتم تنفيذها، مثلما حصل سابقا، في ظل الإجراءات البيروقراطية، التي تطال معظم القطاعات تقريبا حتى اليوم.
وقال إن “المسؤولين لم يجدوا الطريقة المثالية لوضع حد لخسائر الشركة، ويبدو أن الأمور ستتفاقم خاصة مع استمرار معركة الشد والجذب بين الطرفين”.
وأشار إلى أنه من الصعب أن تحقق تونس، التي كانت تحتل المركز الثاني بعد المغرب قبل الاضطرابات، أهدافها، بوصول الإنتاج إلى مستوياته السابقة بنهاية العام الحالي.
وتعتبر الشركة أن قرار ضبط جدول زمني لاسترداد مستحقاتها المقدرة بنحو 800 مليون دينار (نحو 282 مليون دولار)، هو الحلّ المتاح في الوقت الرّاهن لضمان الموارد المالية الضرورية للسّير العادي لها.
282 مليون دولار هي القيمة التقديرية لمستحقات شركة فوسفاط قفصة لدى زبائنها المحليين
وكان مصدر من الشركة قد قال في وقت سابق هذا الشهر لوكالة الأنباء التونسية الرسمية إن المبادرة الجديدة “ستراعي الوضعية المالية للمجمع الكيميائي التونسي”.
وأكد أن الشركة ليست في وضع إفلاس، بل تمر بصعوبات مالية حادة سببها الرئيسي عدم استرداد مستحقاتها المتراكمة لدى زبائنها المحليين.
وأثار توقف الشركة التونسية الهندية للأسمدة عن النشاط الشهر الماضي، بسبب إغلاق مصنع سياب، الوحدة التابعة للمجمع الكيميائي التونسي في صفاقس، حفيظة سي.بي.جي من أنها لن تتمكن من الحصول على أموالها.
وتواجه سي.بي.جي نقصا كبيرا في السيولة أثرت على قدرتها في توفير رواتب موظفيها وعلى الإيفاء بالتزاماتها لدى مصالح الضرائب بقيمة 28.2 مليون دولار مقابل تسلّمها قطع غيار لصيانة معداتها.
ويلقي البعض باللوم على حكومة الترويكا حينما أغرقت الشركة بحوالي 7500 عامل جديد، وهو ما أربك التوازنات المالية لهذا الكيان.
وكان فرع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية، في قفصة قد أصدر نهاية سبتمبر الماضي بيانا نبه فيه إلى الصعوبات التي تمرّ بها الشركة منذ سنوات.
ودعا الحكومة ووزارة الصناعة حينها إلى الإسراع بإيجاد الحلول للحد من انحدار هذه المؤسسة نحو الإفلاس وبحمايتها وإسنادها ماليا.
وتعاني سي.بي.جي، وهي المشغّل الرّئيسي لعقود طويلة بجهة قفصة، منذ 2011 من تراجع غير مسبوق في حجم الإنتاج بسبب تواتر الحراك الاجتماعي الاحتجاجي في الحوض المنجمي وتقادم المعدات.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن إنتاج الفوسفات في السنوات الأخيرة لم يتجاوز مستوى 40 بالمئة من طاقة إنتاج الشركة بنهاية 2010.
كما لم يتعد معدل إنتاجها السنوي في السّنوات الثماني الأخيرة سقف 4 ملايين طن مقابل أكثر من 8 ملايين طن في 2010.
وتقول السلطات إن ارتفاع صادرات الفوسفات ومشتقاته يسهم في تعزيز احتياطات البلاد، التي تقدر حاليا بنحو 6 مليارات دولار، فضلا عن استقرار سعر صرف الدينار أمام سلة العملات الرئيسية العالمية.
وكانت الحكومة قد كشفت في نوفمبر 2017 عن تفاصيل خطة لتطوير قطاع المناجم، الذي يعد من القطاعات الاستراتيجية للدولة باعتباره يوفر عائدات مالية كبيرة من العملة الصعبة.
وتتركز الخطة بالأساس على التوسع في مشاريع إنتاج الفوسفات من خلال استكشاف المناجم الجديدة والاتجاه نحو صناعة استخراج المعادن مثل الزنك والذهب والفضة وغيرها والتي تزخر بها عدد من مناطق البلاد.
لكن لحد الآن لا توجد تحركات جدية تحفز القطاع، فمشروع شقطمة فوسفات جدليان بولاية القصرين، الذي استوفى كل الإجراءات القانونية منذ 2010 وينتظر ترخيص استغلاله منذ 2017، يختزل تلك الوضعية.
وكانت تونس تصدر قرابة 80 بالمئة من إنتاجها لأكثر من عشرين سوقا، بينما تسوق الكمية المتبقية محليا، إلا أن موجات الإضرابات تسببت في فقدان عدد من أسواقها الخارجية.
وتقدر مساهمة قطاع الفوسفات والمنتجات المنجمية عموما قبل 2011 بحوالي تسعة بالمئة من إجمالي عائدات الصادرات التونسية، وفق ما تشير إليه الإحصائيات الرسمية.
رياض بوعزة
صحافي تونسي