القلق يتزايد في الأوساط الاقتصادية من تخلف تونس عن سداد القروض المتفاقمة وفوائدها.
عمقت أزمة وباء كورونا شكوك الأوساط الاقتصادية في قدرة تونس على سداد جبل الديون وفوائدها المرتفعة لاسيما بعد إعلان رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ أن الدولة ستحتاج إلى تمويلات خارجية بمعدل الضعف قياسا بتقديرات موازنة 2020، في تحرك وصفه خبراء بأنه عملية تجميل للمؤشرات الاقتصادية السلبية.
تونس - أثارت تصريحات رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ مؤخرا بأن الدولة بحاجة إلى قروض خارجية إضافية لتمويل عجز موازنة 2020 جدلا واسعا بين أوساط الخبراء وحتى المواطنين وخوفا من تفاقم أزمات البلاد أكثر في ظل أزمة الوباء، التي زادت من متاعب الاقتصاد المتعثر أصلا.
وفي خضم الاحتقان المستمر بين القوى السياسية، فإن احتدام المناقشات تحت قبة البرلمان بشأن دخول تونس في مفاوضات مع المانحين الدوليين للحصول على قروض بقيمة خمسة مليارات يورو يبدو أمرا لا مفر منه.
ورغم المخاوف من ارتفاع تكاليف القروض، التي سترهق كاهل الدولة وترهن مستقبل الأجيال المقبلة، لا ترى السلطات خيارا آخر، وهو ما يؤكد فشل الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات التسع الماضية في إطلاق نموذج تنموي عادل ومتوازن بين الجهات ويحقق السلم الاجتماعي.
وقال الفخفاخ في مقابلة مع شبكة فرانس 24 الفرنسية عبر تقنية فيديو كونفيرس الثلاثاء الماضي، إن “موازنة هذا العام قدرت تمويلات خارجية بنحو 8 مليارات دينار، أي أكثر بقليل من 2.7 مليار دولار، وأظن أن هذا الرقم سيتضاعف”.
ورغم أن رئيس الحكومة أكد خلال تصريحاته أن كافة المسؤولين بصدد مناقشة الحلول المتاحة “وطنيا ودوليا” لمواجهة المشكلة، لكنه لم يذكر بالتحديد الجهات التي يمكن أن تلجأ إليها تونس للحصول على التمويل.
وكان وزير المالية السابق محمد رضا شلغوم أشار عشية مصادقة البرلمان على الموازنة الحالية في نوفمبر الماضي، إلى أن بلاده ستسدد ديونا بقيمة 4.2 مليار دولار في 2020 وستضطر إلى اقتراض نحو أربعة مليارات دولار إضافية.
وحاول حينها بعث رسائل طمأنة إلى الأوساط الشعبية بأن جميع مشروعات التنمية تمويلاتها متوفرة، لكنه استطرد بالقول إن “النقاشات منحصرة حول تمويل عجز الموازنة مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وألمانيا واليابان”.
ويبدو أن الدخول في هذه المغامرة غير محسوبة العواقب سيزيد من تكبيل مفاصل الاقتصاد ما لم تعود القطاعات الحيوية إلى النشاط، لاسيما وأنه لا أحد يعلم كيف ستتمكن الدولة من سداد كل هذه الديون وفوائدها.
واعتبر المتخصص في الاقتصاد محسن تيس أن خروج تونس إلى الأسواق الدولية مرة أخرى محفوف بالمخاطر وحتى لو تم الاتفاق على قروض جديدة فستكون بمعدلات فائدة عالية.
وأكد تيس “الديون شر لا بد منه هذا العام، وباستثناء إمكانية تحقيق معجزة جديدة من خلال إقناع صندوق النقد الدولي للحصول على خط ائتمان عاجل، فإن الحل الوحيد هو الانتعاش الاقتصادي”.
وأوضح أن الفخفاخ حاول أن يظهر أن تونس وعلى الرغم من إمكانياتها المحدودة، كانت قادرة على مواجهة أزمة كورونا لتهدئة مخاوف المستثمرين الأجانب.
وقال تيس، وهو رئيس تحرير مجلة الاقتصاد المغاربي المحلية الناطقة بالفرنسية، “كنت متأكدا من إجاباته… لديه (الفخفاخ) فهم جيد لخطة عمله وهو يحاول أن يثبت أنه يدرك كل ما يجري، بما في ذلك التوتر السياسي، وذلك بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.
وأضاف “هناك نداء غير مباشر للمانحين الرئيسيين لمواصلة مساعدة تونس، خاصة وأنها في حاجة إلى تمويل خارجي لموازنتها”.
وتصاعدت حدة إدمان تونس على الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية منذ العام 2016 أملا في اختراق جدار مشكلاتها المزمنة، بغض النظر عن التكاليف الباهظة لجبل الديون، الذي ما فتئ يكبر مع مرور الوقت، لكنها لم تفلح.
ولعل القرض الذي حصلت عليه من صندوق النقد الدولي والبالغ 2.9 مليار دولار مقابل تنفيذ إصلاحات تسير ببطء شديد، أكبر دليل على ذلك، وقد حصلت تونس حتى الآن على 1.6 مليار دولار من إجمالي القرض.
كما طرقت كذلك أبواب مؤسسات مالية أخرى مثل البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوروبي للإعمار لجمع سيولة نقدية تمول بها العجز في الموازنة، دون احتساب المساعدات الدولية والهبات بملايين الدولارات.
ولم تكتف بذلك، بل لجأت إلى الاقتراض من السوق المحلية، فبعد حصولها مطلع فيفري الماضي على 504 ملايين دولار من عدة بنوك، أبرمت الأسبوع الماضي اتفاقا للحصول على 410 ملايين دولار إضافية.
وحذّر البنك الدولي في تقرير نشره جانفي الماضي من آثار موجة تراكم الديون، التي بدأت منذ عام 2010، على الاقتصادي التونسي المنهك.
وكان حجم الديون الخارجية لتونس قبل الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي لا يتجاوز نحو 37 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه ارتفع تدريجيا في الأعوام التسعة الأخيرة مع تباطؤ النمو.
ويتوقع أن تصل ديون تونس بنهاية هذا العام إلى 94 مليار دينار (32.3 مليار دولار)، أي ما يعادل 75.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن البعض يرجح أن يتجاوز ذلك السقف.
وهناك شق من الخبراء يعتقد أن الحلول المثالية للأزمة لا تكمن في التوجّه إلى الخارج لطلب القروض والمساعدات، بل في تعزيز مناخ الاستثمار وإنعاش المحركات الاستراتيجية للنمو.
ويقول الخبير أنيس القاسمي إنه “في سبيل تحقيق تلك الغاية ينبغي اجتثاث كافة مظاهر الفساد والبيروقراطية، التي اتسعت منذ 2011، مع التركيز على التنمية في القطاعات الحيوية وجذب الاستثمار”.
وأشار إلى أن أزمة كورونا قد تنسف كل طموحات هذه الحكومة في إعادة التوازن المالي لأن اللجوء إلى الاقتراض لا يعدو أن يكون “جراحة تجميلية” للمؤشرات الاقتصادية السلبية.
رياض بوعزة
صحافي تونسي