انعقدت ندوة هامة بعنوان "مشروع قانون المالية لسنة 2025: كيف نعيد توزيع العبء الجبائي؟"، بتنظيم مشترك بين المرصد التونسي للاقتصاد ومركز علي بن غذاهم للعدالة الجبائية، وقد مثلت فرصة لفتح نقاش معمق حول التحديات الجبائية التي تواجه تونس في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متأزمة، حيث شارك فيها ثلة من الخبراء والباحثين الذين طرحوا رؤى مختلفة حول سبل تحقيق عدالة ضريبية أكثر إنصافا.
مقالات ذات صلة:
تتبع صناع المحتوى عبر الشرطة الجبائية في تونس
فتح تحقيق ضد رجل الأعمال لطفي عبد الناظر: تهم "تبييض الأموال والتهرب الجبائي"
فرض ضريبة جديدة على السياح في البندقية للحد من التدفق الزائد
افتتح أمين بوزيان، ممثل مركز علي بن غذاهم للعدالة الجبائية، النقاش بتسليط الضوء على التفاوت الكبير في توزيع العبء الضريبي بين مختلف الفئات الاجتماعية، مشيرا إلى أن النظام الجبائي الحالي يميل إلى تحميل الطبقات المتوسطة والضعيفة الجزء الأكبر من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، في حين تستفيد بعض الفئات ذات الامتيازات من ثغرات قانونية وإعفاءات ضريبية غير مبررة، مؤكدا على أن هذا الوضع يعمّق الفجوة الاجتماعية ويضعف الثقة في مؤسسات الدولة، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
من جانبها، تناولت سحر فضيلة، ممثلة المرصد التونسي للاقتصاد، الإشكاليات الهيكلية للنظام الجبائي التونسي، مشيرة إلى أن التوجهات الحالية في صياغة قوانين المالية غالبا ما تخضع لضغوطات خارجية، سواء من المؤسسات المالية الدولية أو من مجموعات المصالح الداخلية، وأوضحت أن هذه الضغوط تدفع نحو سياسات تقشفية تزيد من العبء على الفئات الهشة، بدلا من العمل على إصلاح النظام الجبائي ليصبح أكثر عدالة وشمولية، كما دعت إلى ضرورة إعادة النظر في أولويات الإنفاق العمومي وربطها بآليات تحصيل ضريبي تضمن مساهمة عادلة لجميع الأطراف.
اما سحر مشماش، ممثلة معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، فقد قدمت مداخلة استعرضت فيها تجارب دولية ناجحة في إعادة هيكلة الأنظمة الجبائية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأشارت إلى أن العديد من الدول التي واجهت أزمات اقتصادية مشابهة تمكنت من تجاوزها عبر تبني سياسات جبائية تركز على تصاعدية الضرائب ومكافحة التهرب الضريبي، كما اكدت على أهمية تعزيز الشفافية في إدارة الموارد الجبائية وربطها بمشاريع تنموية ملموسة تعود بالنفع على المواطنين، مما يعزز من شعورهم بالانتماء والثقة في الدولة.
الندوة أثارت تساؤلات جوهرية عدة حول مدى قدرة مشروع قانون المالية لسنة 2025 على تحقيق نقلة نوعية في النظام الجبائي التونسي، هل سيتمكن المشروع من تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية؟ هل ستتخذ خطوات فعلية لمكافحة التهرب الضريبي الذي يكبد الدولة خسائر فادحة؟ وهل ستعطى الأولوية لتحفيز الاستثمار المنتج بدلا من الاعتماد المفرط على الضرائب الاستهلاكية التي تثقل كاهل المواطن العادي؟
ورغم أهمية النقاشات التي طرحت، بدا واضحا أن الإجابات على هذه الأسئلة لا تزال غائبة أو غير مكتملة، فالمتدخلون أجمعوا على أن الإصلاح الجبائي الحقيقي يتطلب إرادة سياسية قوية وخططا استراتيجية طويلة المدى، بدلا من الحلول الظرفية التي غالبا ما تكون قصيرة الأمد وغير فعالة.
في ختام الندوة، شدد المشاركون على أن إعادة توزيع العبء الجبائي ليست مجرد مسألة تقنية تتعلق بالأرقام والنسب، بل هي جزء من عقد اجتماعي جديد يجب أن يربط الدولة بمواطنيها على أساس العدالة والإنصاف، فالنظام الجبائي العادل لا يقتصر على تحصيل الموارد، بل يعكس رؤية شاملة لدور الدولة في تحقيق التنمية وتقليص الفوارق الاجتماعية.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن تونس من استثمار هذه اللحظة لإعادة صياغة نظامها الجبائي بما يخدم المصلحة العامة؟ أم أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 سيظل مجرد وثيقة أخرى تثقل كاهل المواطن دون أن تحقق التغيير المنشود؟