تداول نشطاء وسياسيون، عرب، رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث عن قرب انتهاء "معاهدة لوزان" التي وقعتها تركيا مع دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الاولى، عام 1923 بسويسرا.
وترجع "الرسالة المتداولة" سبب التوتر السياسي بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، إلى قرب انتهاء العمل بهذه المعاهدة، عام 2023، وذلك بعد مرور مائة عام على توقيعها.
كما تشير الرسالة إلى أنه سيكون بإمكان تركيا بعد انتهاء مدة المعاهدة، التنقيب عن النفط، وتنضم إلى قائمة الدول المنتجة للنفط، إلى جانب تحصيل رسوم من السفن المارة عبر مضيق البوسفور، وحفر قناة جديدة تربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، والتي كانت محظورة على تركيا من قبل – بحسب نص الرسالة-.
المفارقة أن نصوص المعاهدة، المكونة من 143 مادة، موزعة على 17 وثيقة ما بين "اتفاقية" و"ميثاق" و"تصريح" و"ملحق"، لم تجد نصا أو بندا يحدد مدة انتهاء المعاهدة، ولم تجد في نصوص المعاهدة ما يفيد بأنها منعت تركيا من التنقيب على النفط أو تحصيل الرسوم من السفن المارة عبر مضيق البوسفور.
وهو ما يطرح تساؤلات حول حقيقية تلك الرسالة؟ والدوافع من وراء انتشارها؟ وهل هناك نصوص غير معلنة في المعاهدة تحدد المدة الزمنية لسريانها بمائة عام من تاريخ توقيعها؟
ومن أبرز نصوص المعاهدة ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة عليها، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها "وفقا للمبادئ العامة للقانون الدولي".
ونصت المعاهدة على تنظيم استخدام المضائق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب والسلم، واحتوت نصوصا تحدد شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، وإعادة النظر في وضعية الدولة العثمانية ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى خلال 1914-1918.
أبطلت المعاهدة العمل بـ"معاهدة سيفر" وبنودها المجحفة بحق الدولة العثمانية، وأسست لما عُرف لاحقا بـ"الجمهورية التركية" العلمانية بعد إلغاء نظام الخلافة الإسلامية، ورسمت حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية التي حافظت على ضم اسطنبول وتراقيا الغربية، وتضمنت بنودا تتعلق بتقسيط ديون الدولة العثمانية.
وقضت المعاهدة بتخلي تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، وبتنازل الدولة العثمانية عن كافة حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1914.
وانتقد الصحفي والباحث التركي، صالح كمال، تداول العرب معلومات غير صحيحة على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن معاهدة لوزان، قائلا: "للأسف يتم تداولها في أوساط سياسيين وأساتذة جامعات، وليس مواطنين عاديين".
وأبدى كمال، في حديثه تفهمه لمحبة العرب وحرصهم على دعم تركيا، لكنه قال: "المحبة الزائدة عن اللزوم تؤدي إلى المبالغة كثيرا في تداول المعلومات"، مؤكدا أن تركيا حاليا تنقب عن النفط وإن كانت بكميات بسيطة لكن لم يمنعها أحد من التنقيب عن النفط.
وحول ربط قرب انتهاء الاتفاقية بالتوتر السياسي بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، تساءل: "هل توجد في القانون الدولي مادة تنص على صلاحية المعاهدات الدولية 100 عام فقط؟"، مشيرا إلى أن "ألمانيا ألغت معاهدة في الثلاثينيات بعد 20 عاما من توقيعها، فإذا كانت تركيا قوية فيمكنها فعل ذلك".
وأضاف أن الحكومة التركية تروج حاليا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى الحديث عن معاهدة لوزان، لتؤسس وعي المجتمع التركي، وقد يترتب عليه في النهاية مطالبة تركيا المجتمع الدولي رسميا بإعادة النظر في بنود المعاهدة.
معاهدة غير سرية
وأكدت الباحثة الفلسطينية في العلاقات الدولية، أماني السنوار، أن الكلام المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص انتهاء المدة المحددة لمعاهدة لوزان في 2023، ليس له أي أساس من الصحة، وهي مجرد كذبة لا تعرف مصدرها.
وقالت السنوار، عبر حسابها الشخصي في "فيسبوك" إن معاهدة لوزان هي واحدة من معاهدات السلام التي أبرمت بعد الحرب العالمية الأولى ولا يوجد شيء في بنودها يُشير إلى أن لها مدة صلاحية، وهي ليست معاهدة مؤقتة، كما أن بنودها معلنة وغير سرية (ومنشورة حتى على الإنترنت).
وتابعت: "تاريخيا فقد أبرمت المعاهدة عام 1923 حين استطاعت تركيا على خلاف الدول المنهزمة في الحرب العالمية الأولى إعادة التفاوض حول اتفاقيات ما بعد الحرب، فقد رفضت الحركة القومية بقيادة أتاتورك اتفاقية "سيفر" (1920) التي وضعت شروطا مذلة على الدولة العثمانية، وجرّدتها من الكثير من الأراضي، وتعهدت بإنشاء دولة كردية ضمن حدود تركيا المعروفة اليوم، إضافة إلى منح أجزاء من أراضيها لليونان وبعض الدول الأوروبية".
وأردفت: "وكنتيجة لحرب الاستقلال التي قادها أتاتورك، استطاع هو وعصمت اينونو تحسين شروط معاهدة "سيفر" والوصول إلى معاهدة "لوزان" التي تنازلت فيها تركيا عن قبرص وعن الأراضي العربية العثمانية مقابل الاعتراف بجمهورية تركية علمانية في الأناضول وما حولها، ومنع قيام دولة كردية، وبذلك أصبحت حدود تركيا هي ما نعرفه اليوم".
وأشارت الباحثة الفلسطينية إلى أن وعود أردوغان بتركيا الجديدة أو الجمهورية الثانية عام 2023 تعود إلى أن ذلك العام سيشهد مرور 100 سنة على إعلان الجمهورية التركية، وهي مناسبة مهمة سيسعى أي حزب حاكم إلى إطلاق الوعود السياسية فيها ولا علاقة للأمر بأسطورة انتهاء معاهدة لوزان مطلقا.
حكاية الرقم 99
من جانبه قال الدكتور شفيق المصري أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية ببيروت إن الاتفاقيات بين الدول لا تحدد بين بمدد تتفق عليها الدول ولا وجود لأمر إلزامي وفق القانون الدولي بعدد سنوات محدد لكنه يخضع للتفاوض وما تتوصل له الدول.
وقال المصري إن حديث البعض عن اتفاقيات دولية ملزمة ومحدد بـ 99 عاما أمر غير صحيح وهذا الرقم يشار إليه في العادة للامتيازات الدولية التي تمنحها بعض الحكومات لبعض الأشخاص أو الشركات مثل اتفاقيات استخراج النفط وغيرها.
وشدد على أن العادة والعرف وليس وجود نص في القانون الدولي هو ما تسير عليه الحكومات في قول أن الامتياز مدته 99 عاما.
وأجاب المصري على التساؤل المطروح لماذا يدرج الرقم 99 في مدة للامتياز وليس 100 قال المصري: "لأن الدول تعارفت على هذا الرقم كاصطلاح لمدة الامتياز وليس لأي سبب آخر".
يشار إلى أن وزير الطاقة التركية بيرات البيرق أعلن في آذار/مارس الماضي خلال مؤتمر للطاقة في هيوستن بأمريكا عزم بلاده التنقيب عن النفط والغاز في البحرين المتوسط والأسود.
وقال البيرق إن السفن التركية ستقوم بأنشطة التنقيب والبحث عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود خلال العام الجاري 2017.
وتعتمد تركيا في واردتها للغاز على روسيا بشكل رئيسي.