لا تزال نظرة بعض المجتمعات العربية للمرأة المسنة تتحكم فيها الأفكار الذكورية، ومع أن الدين لم يحرّم الزواج منها، بصرف النظر عن كبر سنها، والعلم قد نصح به لوقايتها من أمراض نفسية، إلا أن طرح الفكرة وتنفيذها أصبح أمرا مستهجنا وربما يمثل جرما لا يغتفر، يجلب للمرأة وعائلتها العار، بينما يُمنح الرجل الحق كاملا في الزواج ولو من طفلة صغيرة.
يحظي الرجل في جميع الأزمنة بالدعم إذا عاش وحيدا، ويجد دائما من يحثه على الزواج حتى لو كان على مشارف التسعين من العمر، وتخرج أصوات مدافعة عن حاجته إلى السكن النفسي وزوجة تستكمل معه مشوار الحياة، وتعطيه تلك الأصوات مخرجا مناسبا إذا أقام علاقات مع نساء أكثر شبابا.
الأمر ليس بالسهولة ذاتها بالنسبة إلى المرأة التي تجاوزت الستين مثلا، فإذا رغبت في أن يكون لها سند وزوج يؤازرها في الملمّات، تطاردها نظرات ممزوجة بالاحتقار والاستهزاء من مجتمع نصّب نفسه قاضيا عليها، واستكثر ابتسامة تشتت أوجاعها، ووضع الرماد على جمر القهر محوّلا رغبتها إلى تهمة أو جريمة.
تتعالى الأصوات مستنكرة فعل العجوز “المتصابية” الخادش للحياء، فالبعض يتعامل معها باعتبارها سلعة انتهت صلاحيتها وعليها أن تظل قابعة تحت مظلة الحرمان لإرضاء فكر جاهل ومريض تجاه سنها، فهي لا تصلح للقيام بأي دور في الحياة سوى تربية الأحفاد أو ملازمة سجادة الصلاة.
تلك النظرة الضيقة للمرأة المسنة أرجعها متخصصون في علم النفس إلى انعدام الثقافة الجنسية للكثيرين في المجتمعات العربية، ما نتج عنه تجاهل متعمد لمتطلباتها العاطفية والحسية، وتذرّع البعض بأنها تعيش سنّ اليأس، وبالتالي غياب الهرمونات الأنثوية من جسدها الواهن.
المرأة بعد الستين، إن تكن في الخمسين من وجهة نظرهم، خسرت جمالها وحيويّتها، ودائما ما يتمّ تصويرها على أنها كائن ضعيف ليس له أن يدخل في علاقة حميمة، أما إذا فرض وتواجدت تلك العجوز القوية على الأرض فهي ليست عاطفية بالمرة ولا تمتلك حبيبا أو أنيسا، وفي المخيلة الشعبية يرتبط اسمها بالقبح، وتُعرف في تونس بـ”عزوزة الستوت” أما المصريون فيطلقون عليها “أمنا الغولة” أو “العجوز النحس”.
سخرية واستهزاء وتعليقات سخيفة استهدفت امرأة مسنة في مصر بعدما عرضت إحدى القنوات الفضائية منذ أيام قصة حب داخل دار رعاية المسنين بمحافظة المنوفية (شمال القاهرة) جمعت الحاج محمـد عبداللطيف الذي يبلغ من العمر 74 عاما مع رفيقته في الدار السيدة زينب.
العريس المسن بقي 11 عاما ينتظر العروسة المناسبة، وكان يسكن بمفرده داخل منزله، وعندما نالت الوحدة منه توجه إلى دار المسنين، وهناك لفتت الحاجة زينب نظره، عندما شعر أنها تختلف عن باقي نزلاء الدار من حيث العمل والرشاقة، فتوجّه إلى شقيقها وطلب موافقته للزواج منها، ونال ما أراد.
وعندما سئلت المرأة التي تجاوزت الستين بأربعة أعوام عن رأيها لم تخف رغبتها في الزواج من عبداللطيف ولسان حالها يقول “زواج الشيب ليس عيبا” بعدما وعدها أنه سيعوضها عن السنين الماضية، ولم تخجل المرأة الريفية من التعبير عن حبها للحاج محمد، ووعدته بأنها ستكون سندا له في الدنيا. المرأة كانت واقعية بما لديها من تجارب حياتية أثقلت عقلها وجعلتها شخصية مسؤولة عن نفسها، واثقة فيها وأقل ميلودراما وأكثر وضوحا وتركيزا، مؤكدة أنها ستتغاضى عن الأمور السطحية وتدّخر ما في وسعها لكي تصبح علاقتها بشريكها الجديد أفضل دائما.
لم يهتمّ البعض من متابعي القصة بما عانته تلك السيدة في سنوات عمرها واستكثروا عليها الفرحة، وبات ذلك جليا في التعليقات التي انهالت لتنال منها بصفات من نوعية “العجوز الريفية المتصابية” و”المسخرة”.
على النقيض تماما نال الزوج العجوز التهاني والأمنيات، مع تحفظ أساسي وهو أنه كان يستطيع أن يتزوّج من سيدة أصغر من زينب المسنة. وربما تحدُث صدمة مجتمعية، إذا علم المتأففون لزواج المسنة والمباركين لزواج الرجل.
لم تقف النظرة المجتمعية القاسية فقط عند المسنات الأرامل والمطلقات بل امتدت إلى مسنات عانسات بحثن لأنفسهن عن استقرار معنوي وحاجة عاطفية يحرّم عليهن إشباعها ولو مزاحا. عندما رفضت مسنة مصرية تبلغ من العمر 62 عاما الرضوخ لشيزوفرينية المجتمع والاستسلام لعنوسة فرضها عليها، جابت شوارع محافظة الإسكندرية (شمال مصر) بفستان زفاف أبيض بعد فشلها في إيجاد زوج طيلة حياتها، وحجزت صالة أفراح وذهبت إلى محل تجميل لتتزيّن كعروس شابة.
كانت النتيجة أنها أصبحت طُرفة في المجالس وبرامج “التوك شو” ولم يجد القائمون عليها مادة للإضحاك أفضل من التندر برغبة “الشايبة- العجوز” في الزواج، وكانت خاتمتها إلقاء القبض عليها من قبل الشرطة وتسليمها لأحد أقاربها، الذي أودعها في دار لرعاية المسنين.
محمد عمر، أستاذ النساء والتوليد، اعتبر أن ما تحمله عقول المجتمعات العربية من مفاهيم واهمة عن وضع المرأة المسنّة إنسانيّا وبيولوجيّا ليس له صلة بالحقائق الطبيّة، والسبب في ذلك أن جسد المرأة واحتياجاته من المحرمات الممنوع الاقتراب منها.
وأوضح أن الطب الجنسيّ الحديث والمطبّق حاليّا في الدول المتقدّمة لا يرى أي مانع في أن تُمارس المرأة المسنّة علاقة حميمة طبيعيّة لإحداث تصالح مع جسدها. وترتبط العلاقة الحميمة عند المرأة بالجانب النفسي مئة بالمئة والرغبة لا تنتهي أبدا حتى ولو أصبحت المرأة في عمر المئة، والامتناع عن الإشباع العاطفيّ والمُتعة يولّد الاكتئاب والإحباط، وهو ما يؤدّي إلى الموت المُبكر. وأشار الطبيب إلى أن التغيرات الهرمونية للمرأة بعد سن الخمسين، يمكن أن تكون سببا في تحسن علاقتها الزوجية، وانخفاض هرمون الأنوثة يجعل هرمون الذكورة أكثر نشاطا، فالنساء بعد مرحلة انقطاع الطمث ترتفع رغبتهن الجنسية بصورة ملحوظة.
وأضاف الطبيب أن المرأة المسنة أقل عرضة للنوبات والتقلبات العاطفية، فهي تتمتع باستقرار عاطفي كبير في حياتها ويمكنها التحكم في تقلبات المزاج التي تحدث لها دون إحداث إزعاج للرجل.
المرأة المسنة في كل أنحاء العالم تشعر برغبة جنسية، وتدرك جيدا مدى أهمية العلاقة الحميمية وفوائدها الصحية والنفسية على الرجل ولا تجعلها سببا في إثارة المشاكل والكآبة. وأشار علماء الصحة الجنسية إلى أن العلاقة الحميمة للمرأة المُسنّة لا تُصاب بالتجاعيد، مشيرين إلى أن كبر سن المرأة لا يعوق اهتماماتها الجنسية أو يقلل من حيويتها، شريطة أن تكون صحتها جيدة.
وفي دراسة حديثة لمسنين في الولايات المتحدة الأميركية، أظهرت النساء بين عمري 57 و74 عاما عدم وجود انخفاض في النشاط الجنسي، ووجد أن صحة جسد المرأة ترافقت مع الوظيفة الجنسية أكثر من عمرها.
وتملك النساء من جميع الأعمار الحق في الصحة الجنسية، وهو ما تعرفه منظمة الصحة العالمية على أنه “حالة تعاف جسدي وعقلي واجتماعي في عالم الجنس”.
وثمة دراسات أكدت على أن المسنات اللاتي يتزوجن ويمارسن علاقتهن الخاصة هن أكثر مرحا وإقبالا على الحياة، وهذا يساعدهن على الاهتمام بصحتهن ويحسن من حالاتهن النفسية ويولد لديهن ثقة في جاذبيتهن.
ورصدت “العرب” أن معظم الأبحاث حتى وقتنا الحاضر ركزت بصورة رئيسية على الخلل الوظيفي الجنسي للمسنات، وليس على الجوانب الإيجابية أو تجاربهن الناجحة. وهناك سيدات بلغن سن الـ75 وربما أكثر، بقين نشطات ومتيقظات في حين أن سيدات لم يتجاوزن سن الستين كان يبدو عليهن الهرم والشيخوخة وقد أثرا فيهن بقوة.
وانتشرت زيجات عدة لمسنات في دور المسنين بدول عربية كثيرة بعد أن طلبن للزواج وتم تجهيز أعراس لهن بملابس الزواج، ودخلت المرأة المسنة إلى الحياة مرة أخرى وأبدت سعادتها وفرحتها بها. وأثبتت إحصائيات حديثة أنه بحلول عام 2030 سيحتل لبنان المرتبة الأولى في الوطن العربي من حيث نسبة زواج المسنين، وتأتي خلفه تونس، وسيكون المغرب الثالث عربيا.