الرئيس قيس سعيّد: يتمّ العمل على القيام بإصلاحات في النظام السياسي.
تفعيلا للقرارات المعلنة في الخامس والعشرين من جويلية الماضي يسعى الرئيس التونسي قيس سعيّد لإجراء إصلاحات على النظام السياسي بما يستجيب لمطالب التونسيين، خصوصا في ظل وجود نظام شبه برلماني فشل في توحيد المواقف السياسية وخلق مشهدا منقسما.
تونس - تطرح خطوات الرئيس التونسي قيس سعيّد نحو إجراء إصلاحات على النظام السياسي بالبلاد تساؤلات الخبراء والمتابعين بشأن طبيعة تلك التغييرات وإذا ما ستكون جزئية أو شاملة، فضلا عن الآليات المتبعة في إقرار التغييرات، وسط دعوات إلى الحوار وتغيير القانون الانتخابي.
وأعلن الرئيس سعيّد الخميس اعتزامه تنظيم استفتاء إلكتروني حول الإصلاحات السياسية في إطار ضبط جدول زمني لإدخال تعديلات على النظام السياسي.
وقالت الرئاسة التونسية في بيان نشرته على صفحتها الرسمية بفيسبوك “إن الرئيس قيس سعيّد أكد خلال إشرافه بقصر قرطاج الرئاسي على أعمال مجلس الوزراء أنه يتم العمل على ترتيب جدول زمني لتنظيم إدخال إصلاحات على النظام السياسي بما يستجيب لمطالب التونسيين”.
وأضاف أنه “سيتم وضع خطة لتنظيم استفتاء إلكتروني على أن تتولى لجنة في مرحلة لاحقة تجسيد مطالب التونسيين ضمن دستور حقيقي”، دون أن يذكر موضوع هذا الاستفتاء الذي توقع مراقبون أن يكون حول الدستور لجهة تغيير النظام السياسي، فضلا عن إدخال تعديلات على القانون الانتخابي.
وأكد أن “تونس في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى مشاريع مراسيم أخرى، منها مشروع المرسوم المتعلق بالصلح الجزائي ومشروع مرسوم متعلق باختصار الآجال للبت في الجرائم والتجاوزات الانتخابية”، داعيا إلى “ضرورة النظر في القضايا المتعلقة بالجرائم الانتخابية التي لم يتم تناولها إلى اليوم، وذلك وفق الإجراءات الاستثنائية”، مشددا على “أن قضاء الدولة التونسية مستقل ولا سلطان عليه غير القانون”.
ويرى خبراء القانون أن التعديلات يمكن أن تشمل مسائل دون أخرى على غرار السلطة التشريعية، مطالبين بتغييرات عميقة منها الانتقال من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي يقطع مع الفشل السياسي المسجل في السنوات العشر الأخيرة.
وأفاد رابح الخرايفي أستاذ القانون الدستوري أنه “من المرجح أن يشمل التعديل السلطتين التنفيذية والتشريعية ويستثني باب السلطة القضائية”.
وقال إنه “بالنسبة إلى الجدول الزمني يبدو أن الرئيس قيس سعيّد سيستمع إلى مقترحات بهذا الشأن ثم سيلتجئ إلى لجنة متخصصة في ذلك”، مضيفا “شخصيا لست معترضا على وجوب الإصلاح، وأؤيد النظام الرئاسي، لكن ربما هناك مشكلة في التقنيات”.
وتابع “النظام الرئاسي يجب أن يكون مراقبا من المحكمة الدستورية ومجلس النواب، والطريقة في الإصلاح قد تواجه بعض الاعتراضات الشعبية والسياسية”، مضيفا “نريد إصلاحات عميقة وجوهرية”.
واستطرد “لا أعتقد أن يعيد الرئيس التونسي الاستبداد من جديد”.
وفي تونس هناك نظام يتقاسم فيه الرئيس ورئيس الحكومة الصلاحيات و”الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب (البرلمان)”، وفق المادة 95 من دستور 2014.
ودعا مراقبون إلى أن يكون الإصلاح السياسي شاملا في تونس، وأن يأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب التي ساهمت في فشل السلطات التي كانت تتحكم فيها الأحزاب في إدارة الشأن العام.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “ما قاله الرئيس سعيّد ضروري ولكن يجب الوقوف على محورين، حيث أشار إلى إصلاح دون آليات فيما سيكون الحوار مباشرا مع تنسيقيات الشباب، أو حوارا مع المنظمات الوطنية والأحزاب”.
وأضاف أن “الرئيس قال إن الإصلاح سيكون بآلية الكترونية وهذا فيه تعقيد للعملية وغياب التقاليد في تونس وخاصة الجانب المتعلق بالطعن أو التشكيك في هذه الطرق”.
وأردف ثابت “الإصلاح السياسي يكون عبر سنّ مادة جديدة للقانون الانتخابي، ومن الضروري أن تتجه هندسة النظام السياسي إلى نظام رئاسي لأن دكتاتورية الأحزاب سوف لن تؤدي إلا إلى الخراب ولا يمكن أن تؤسس دولة متماسكة”.
واقترح المحلل السياسي “نظاما رئاسيا فيه برلمان بغرفتين، غرفة تمثل العموم ويتم فيها انتخاب مباشر للنواب، وغرفة ثانية تجمع المجالس الجهوية والوطنية والمهن والحرفيين، وتكون بمثابة مجلس وطني الذي تحدث عنه الرئيس سعيد”.
ودعا ثابت إلى أن يكون “التغيير شاملا، والأساس أن يكون ثمة حوار وطني يضمن استقرار هذا النظام والأغلبية الدائمة له”.
واعتبر الرئيس التونسي أن ”مرسوم الصلح الجزائي يُعد من بين أهم المراسيم التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية وتستجيب لمطالب التونسيين”، مشيرا إلى أن ”الأموال التي تعد بالمليارات سنة 2011 وربما تضاعفت لا بد أن تعود إلى الشعب بشكل مختلف تماما عما تم اتباعه خلال العشرية الماضية”.
وأوضح أن الصلح الجزائي ”سيشمل الأموال التي نُهبت وتم تهريبها في العشرية الماضية والتي لا تقل عن التي نُهبت في العشرية التي قبلها”، مُشددا في هذا الصدد على أن “تجسيد مطلب الشعب بتطهير البلاد لا يكون إلا بقضاء عادل وقضاة فوق كل الشبهات”، محذرا من الأزمات التي قال إنه “يتم اختلاقها بهدف إلهاء الشعب التونسي عن قضاياه الحقيقية”.
وسبق أن دعا الرئيس سعيد القضاءَ إلى “تحمّل مسؤوليته في محاسبة المتورطين في قضايا الفساد وخاصة التجاوزات المالية” خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية السابقة التي جرت في العام 2019.
وكان الرئيس التونسي قد أعلن في الخامس والعشرين من جويلية الماضي سلسلة من التدابير الاستثنائية تضمنت تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن جميع نوابه، إلى جانب إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأعفى العديد من الوزراء وكبار المسؤولين، بالإضافة إلى وضع بعض المسؤولين السياسيين والأمنيين وعدد من القضاة تحت الإقامة الجبرية، وتحجير السفر عن البعض الآخر.
وفي الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي أصدر سعيّد أمرا رئاسيا يتعلق بالتدابير الاستثنائية تضمن “مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه”.
خالد هدوي
صحافي تونسي