تسعى الأحزاب الإسلامية الجزائرية إلى ضمان موقع لها في المشهد السياسي القادم بكل السبل والوسائل المتاحة، فتعتمد مرة سلاح مغازلة السلطة الحالية، وتعتمد في أخرى استراتيجية الترويج إلى حظوظها الوفيرة في الانتخابات القادمة.
الجزائر- رفّع إسلاميو الجزائر من وتيرة ترتيب أوراقهم الداخلية، بغية دخول معترك الانتخابات التشريعية المنتظرة في شهر مايو المقبل. فبالتوازي مع التحالفات المعلنة للمنتمين إلى التيار الإسلامي، من المهيكلين في تنظيم الإخوان المسلمين العالمي، ومن غير المهيكلين فيه، ألمحت قيادات هذا التيار إلى إمكانية المشاركة في السلطة التنفيذية القادمة.
وحاولت نفس المصادر التأكيد على حظوظ وفيرة لمرشحي تيار الإسلام السياسي في الاستحقاقات القادمة، مما يكفل لهم وضع بصماتهم في الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات التشريعية التي ستجرى في فصل الربيع.
وينتظر أن يتوسع تحالف “الاتحاد” لما بات يعرف بحركة النهضة التاريخية ليشمل حركة البناء الوطني، التي يقودها الإخواني المنشق مصطفى بلمهدي، السبت، في لقاء مفتوح على إطارات الأحزاب الثلاثة ومناضليها ووسائل الإعلام، وذلك استكمالا لمسار مسلسل التحالفات التي فتحتها قوى تيار الإسلام السياسي في الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة.
وبالتوازي مع ذلك، يسير التحالف بين حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير إلى المزيد من التفعيل، من خلال الترتيب الداخلي للبيت، وافتكاك ورقة المشاركة من القيادي السابق أبوجرة سلطاني، الذي كاد أن يسبب انشقاقا جديدا في بيت الإخوان، نظير خلافاته الأساسية مع القيادة الحالية حول الخط السياسي لحركة “حمس”، في ظل تمسكها بموقفها المعارض للسلطة، وهو ما أبرز مرونة الخطاب الذي أبدته القيادة الإسلامية في الآونة الأخيرة، وتلميحها إلى إمكانية المشاركة في الحكومة القادمة، في خطوة لسحب ورقة المناورة من أيدي سلطاني.
وصرح عبدالمجيد مناصرة، وزير الصناعة السابق ورئيس جبهة التغيير في خطاب لاستعراض القوة، بأن “الإسلاميين بإمكانهم الفوز بـ40 بالمئة من نتائج الانتخابات القادمة، إذا جرت في ظروف عادية، وسادتها الشفافية والنزاهة”، وهي الشروط غير الثابتة لحد الآن، رغم وضع شخصية إسلامية على رأس اللجنة الوطنية المستقلة العليا لمراقبة الانتخابات.
ولم يبد مناصرة تفاؤلا كبيرا حول مسار وظروف الانتخابات المقبلة، وتوقع أن يكون الاستحقاق “الأقل تزويرا” مقارنة بالاستحقاقات السابقة، التي هيمنت عليها الإدارة وانتهت إلى توزيعها في شكل حصص وفق أجندة سطرتها السلطة مسبقا.
وكانت الأحزاب الإسلامية قد قررت المشاركة في الاستحقاق القادم، رغم شكوكها في عدم نزاهتها وغياب آليات التنظيم والرقابة المحايدة، ودخلت في عملية ترتيب البيت الداخلي، بعد تيقنها من أن التقدم للانتخابات في شكل الشتات السابق، سينهي وجودها من الخارطة السياسية للبلاد.
وتوجهت فروع حركة النهضة (النهضة وجبهة العدالة والتنمية) إلى إعلان الاندماج، وفتح الأبواب أمام قوى إسلامية جديدة، كحركة البناء الوطني، بينما توجه المتخاصمون في حركة مجتمع السلم “حمس”، وجبهة التغيير إلى إعلان التحالف والاستعداد للانفتاح على قوى وناشطين آخرين في تيار الإسلام السياسي.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن السلطة تتوجه إلى اختزال المشهد السياسي في البلاد، من شتات الأحزاب السياسية إلى عائلات سياسية تجمع أكبر التيارات السياسية والأيديولوجية، على غرار التيار الوطني (القومي)، العلماني، اليساري والإسلامي، وهي الرسالة التي يكون قد فهمها قادة الإخوان مبكرا، وعبر عنها عبدالمجيد مناصرة، بتصريحه بأن “جهات في السلطة نصحتنا بالتحالف”.
وفيما لم يكشف القيادي عن هوية تلك الجهات ولا دلالات النصيحة، يراهن الإسلاميون على مواقع فاعلة في المشهد الجديد، لكنهم يتفادون أي دور قيادي لهم في أي سيناريو، نظير قناعات ترسخت لديهم خلال السنوات الأخيرة، في ظل الإفرازات التي أملتها التطورات الأخيرة في المنطقة.
وهو التوجه الذي عبر عنه في وقت سابق رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري بالقول “الإسلاميون في الجزائر ليس بإمكانهم قيادة الجزائر، ولن يكونوا إلا مجرد شركاء”، وهو التصريح الذي ينطوي على عدم استعداد التيار للمغامرة مجددا، بعد تجربة تسعينات القرن الماضي في البلاد، وبعد تجربة رفاقهم في بقية دول المنطقة.
وقال مناصرة إن “حظوظ الإسلاميين كبيرة قد تصل إلى 40 بالمئة، إذا كانت الانتخابات نزيهة وفق المعايير الدولية في الشفافية والحرية، ولكنها لن تقل عن 25 بالمئة، مهما كانت درجة التزوير وجشع المزورين”.
وأضاف “وعلى أي حال فالشعب الجزائري متعدد في اختياراته السياسية مما يمنع هيمنة حزب واحد أو تيار واحد في الانتخابات المقبلة، ومن جهتنا نعطي الأولوية للتوافق لصناعة مرحلة على أساس الاستقرار والتحول الديمقراطي بعقلانية وواقعية وطنية”.
وتابع “شرعية التزوير قد تعرت نهائيا بعدما جفت شرعية النفط، وتآكلت شرعية التاريخ فلم يعد أمام الجزائريين من حل للأزمة إلا الشرعية الدستورية الشعبية”.
واعتبر أن أهم الأسباب التي تجعل الانتخابات المقبلة أقل تزويرا هي “نضج الطبقة السياسية والتنسيق بينها مما يوفر إطارا جماعيا للضغط على السلطة في اتجاه التقليل من التزوير واحترام الإرادة الشعبية، وعدم انتفاعها من برلمان ضعيف نظير هيمنة الأحادية عليه، ورداءة مستوى البعض من أعضائه”.
وأبدى القيادي الإخواني، في رسالة غزل للسلطة، تعويله على ما أسماه “إرادة من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، في تحصين البلاد بالاستقرار والديمقراطية وإنهاء عهدته في 2019، بإخراج البلاد من الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال العودة الصريحة إلى الشعب ليقرر ويختار في إطار الجمهورية والوحدة الوطنية، وكذلك استيعاب الاحتجاجات الشعبية والقلق الاجتماعي أمام عجز الحكومة عن إيجاد الحلول والتحكم في التطورات”.