غزت آفة المخدرات الشباب، وتمكنت من كثيرين منهم، وأصبح عدد متعاطي المخدرات في زيادة مستمرة؛ مما أدى إلى خسائر بشرية واقتصادية جسيمة، فالمخدرات تتسبب في تعطيل طاقة الشباب، الذي هو عماد التنمية في مجتمعاتنا التي تعاني من التراجع أمام الدول الأخرى. فدولنا العربية أصبحت استهلاكية على جميع الأصعدة، تستورد التكنولوجيا ولا تصنعها، وتستورد الدواء والغذاء ووسائل النقل ووسائل ووسائط الإنتاج، ومن ضمن ما نستورد العادات السيئة والهجينة. كما أن دولنا العربية مستهدفه إقليميا ودوليا، وعلينا أن نعي ذلك ولا نكون في غفلة.
إن أول ما يفت في عضد هذه الأمة هو ضياع شبابها، سواء عن طريق الإحباط أو غياب الهدف أو ندرة الفرص الملائمة التي تمكنه من إثبات وجوده، فعندما لا يجد الشاب ضالته في مجتمعه فإنه يهرب، وأسهل وسيلة للهرب هي الاتجاه إلى تعاطي المخدرات. وقد أصبحت هناك أنواع عديدة من المخدرات والأدوية المحظورة رخيصة الثمن وشديدة التأثير والتدمير.
من هنا تأتي أهمية كتاب "مكافحة المخدرات .. بين البحث والتقصِّي"، للمؤلف ناصر مصلحي، الذي يحتوي على ثمانية أبواب هي على الترتيب: الإعداد للقضية، مصادر المعلومات، المقابلة والاستجواب، عمليات المراقبة، عمليات التخفي والتمويه، عمليات المداهمة، عمليات التفتيش، وتداول الأدلة الجنائية.
يكشف المؤلف عن دوافعه لوضع الكتاب، فيقول "تبين لي من خلال خبرتي الطويلة أن هناك تراجعًا في استخدام المنهجية والأساليب العلمية في الأعمال الشرطية، وذلك ليس مرجعه إلى قصور الضباط، ولكن لغياب الدعم اللازم والاحتكاك الدولي".
ولأن المخدرات من أخطر الجرائم التي تهدم الأمم، حيث تستهدف قلبها النابض وهم الشباب، يرى المؤلف أنه للحد من خطورة هذه الجريمة يجب أن يتم الاحتكاك بالدول المتقدِّمة، وحضور المؤتمرات وورش العمل والدورات المتخصصة، وما شابه ذلك من أوجه الاحتكاك الدولي في هذا المجال، من شأنه أن يرشد الدول إلى موقعها في هذا المضمار، وما يستحدث من أساليب وتقنيات متطورة شأنها شأن أية علوم أخرى".
الكتاب ـ الصادر عن الدار المصرية اللبناينة بالقاهرة في 312 صفحة ـ على عكس المتوقع، لم يغرق في الشق القانوني والإجرائي، وإنما أوضح، كيف يكون الحد من دخول المخدرات إلى البلاد ناجحًا، متتبعًا الطرائق التي ينبغي أن يستخدمها ضباط الشرطة لكي يمنعوا دخولها، والقضاء عليها، من خلال تركيزه على الجانبين العملي والعلمي لضابط مكافحة المخدرات عند شروعه في أي عمل من أعمال التحرِّي عن المخدرات، بداية من التحضير والإعداد للقضية، وانتهاءً بتداول الأدلة، وحاول المؤلف في هذا السياق نقل ما يستخدمه ويتبعه الغرب من أساليب في هذا المجال.
ويشكل الكتاب في إطار منهجيته صرح أعمال مكافحة المخدرات، يستطيع من يود أن يبني علىه أو أن يكون دافعا لضباط مكافحة المخدرات في إتباع منهج علمي عند البحث والتقصـي عن المخدرات ومروجيها.
ويؤكد المؤلف "تبين من خلال خبرتي الطويلة، أن هناك تراجعا في استخدام المنهجية والأساليب العلمية في الأعمال الشرطية. وذلك ليس مرجعه إلى قصور الضباط، ولكن لغياب الدعم اللازم والاحتكاك الدولي".
ويقول: "حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن الشق القانوني والإجرائي في هذا الموضوع، وأوليت اهتمامي بالجانبين العملي والعلمي لضابط مكافحة المخدرات عند شروعه في أي عمل من أعمال التحري عن المخدرات".
ويوضح أن استخدام الجودة وتطبيق بروتوكولات عمل سوف يؤدي إلى سرعة الإنجاز ودقة النتائج وقلة التكلفة، وهي أهداف تسعى إلىها جميع المؤسسات باختلاف توجهاتها، وهذا من شأنه تقليل التجاوزات المسلكية لبعض ضباط الشرطة بما يمكِّن وزارات الداخلية من إرساء مبادئ حقوق الإنسان في جميع فاعلياتها.
ويؤكد المؤلف على أهمية التشاور قبل المحاكمة، ويقول: "في أثناء تحضير القضية يجب أن يقوم تعاون وثيق بين ضابط مكافحة المخدرات والنيابة، فمن شأن هذا أن يجعل الضابط أقل حساسية تجاه طول فترة التحريات وتعقيداتها إذا كان وكيل النيابة لا يعتزم الاستمرار في نظر القضية حتى النهاية، كما سيجنبه إهدار الوقت في قضايا معرضة للفشل بسبب عدم كفاية الأدلة أو ضعف الموقف القانوني".
ويضيف "التشاور قبل موعد المحاكمة بين الضابط ووكيل النيابة ضروري لتحضير القضية، والمفترض تقنيا أن يبدأ وكيل النيابة بالتشاور، ولكن نظرا لانشغاله الدائم قد يهمل تحضير القضية حتى اللحظات الأخيرة؛ ولذا فقد يكون الأنسب أن يبادر الضابط بالاتصال بوكيل النيابة قبل عدة أسابيع من موعد بدء المحاكمة؛ من أجل التنسيق معه حول موعد ومكان لقائهم للتشاور. وأثناء ذلك يمكن للضابط أن يساعد وكيل النيابة بعدة طرق؛ مما يتيح للأخير الإلمام بجوانب القضية من خلال شهادة الضابط، وقد يستخلص منها إضافات تفيده في توضيح أي غموض في تقرير إقامة الدعوى. ولأن الضابط يكون أكثر التصاقا ومعرفة بالأشخاص المتعلقين بالقضية ، فقد يستطيع أن يزود وكيل النيابة بمعلومات حول شخصية المدعى علىهم أو الشهود. وهكذا، فإن التشاور قبل موعد المحاكمة يجعل وكيل النيابة في موقف أقوى عندما تنظر القضية أمام المحكمة.