وجّه مؤخرا عدد من ممثّلي المجتمع المدني بتونس وهم الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة والجمعية التونسية للدفاع عن المرفق العمومي للصحة وحقوق مستعمليه والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل وشبكة مراقبون ومكتب تونس لمنظمة انترناشونال ألرت ومنظمة البوصلة والجمعية التونسية للأمراض الصدرية و الحساسية وجمعية نشاز ورابطة الناخبات التونسيات وجمعية أصوات نساء وجمعية المواطنة والتنمية والثقافات والهجرة بالضفتين وجمعية فنون وثقافات بالضفتين وجمعية خلق و إبداع من أجل التنمية و التشغيل والجمعية التونسية لعلم نفس الصحة والجمعية التونسية للسلامة الصحية للأغذية والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ومجموعة توحيدة بن الشيخ وجمعية آفاق- العامل التونسي وجمعية أمل للبيئة بالمتلوي وجمعية مجتمع التنمية و المواطنة والجمعية التونسية للصحة الإنجابية والجمعية التونسية للصحة الإنجابية تطاوين وجمعية نساء من أجل التنمية والمساواة بدوز والمرصد الوطني للفوارق الاجتماعية في الصحة وجمعية صوت المرأة الحر والجمعية المحلية للنهوض بالمعاقين بفوشانة وجمعية التكوين المستمر لأطباء الصحة العمومية ببن عروس وجمعية نساء من أجل المواطنة والتنمية بببّوش بعين دراهم وجمعية رؤية حرة وجمعية الطب العائلي بسوسة والجمعية التونسية من أجل الحقوق والحريات وجمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية ومبادرة موجودين للمساواة والشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان وجمعية بيتي وجمعية يقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية وجمعية مواطنة وحريات جربة والجمعية التونسية لتفعيل المواطنة وجمعية بنزرت للسينما ومن خلال تشكيلها لإئتلاف خاص بالدفاع عن المرفق العمومي للصحة رسالة مفتوحة الى السلط العمومية أكّدوا من خلالها أن الأزمة الصحية التي تمر بها البلاد من جراء أزمة الكوفيد 19 أبرزت بصفة جلية أن القطاع العمومي للصحة، رغم نقاط الضعف العديدة، هو العنصر الأساسي لمجابهة الأزمات الصحية وضَمان الأمن الصحي للبلاد الذي يمثل أحد أهم عناصر الأمن القومي كما أكّدوا من خلال رسالتهم هذه ان الأزمة سالفة الذكر كشفت ضعف العناية التي يحظى بها هذا القطاع وضعف الموارد المخصصة له جرّاء سياسة تخلي الدولة عن القطاعات الاجتماعية والتي نتج عنها اهتراء البنية التحتية للهياكل الصحية العمومية وضعف التجهيزات وهجرة الكوادر الصحية نحو القطاع الخاص والخارج واتساع هوة الخارطة الصحية بين الجهات والمناطق وفقدان الأدوية والمستلزمات الطبية وسوء التنظيم والتصرف واستفحال ظاهرة الفساد وتدهور الخدمات وأشاروا الى ان هذه الأوضاع أدت إلى صعوبات كبيرة هذه الأيام في التعامل مع الأزمة والتكفل بمصابي الكوفيد 19 رغم المجهودات والتضحيات التي يقوم بها إطارات وأعوان الصحة نهارا وليلا.
وذكّر الممضون على هذه الرسالة أن المؤسسات الصحية العمومية هي اليوم في وضعية عجز مالي شبه تام من جراء ضعف الميزانية المخصصة لوزارة الصحة التي لم تمثل إلا 5,54٪ من مجمل ميزانية الدولة سنة 2020 (حسب تحيين قانون المالية التعديلي) و 5,48٪ فقط في مشروع الميزانية لسنة 2021 بينما المفروض أن تكون هذه النسبة 8٪ طبقا قرار اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط لسنة 2008 الذي شاركت فيها تونس ووافقت على قراراتها وضعف الميزانيات المخصصة للأدوية خاصة في الخط الأول وللبرامج الوقائية وللصيانة والتجهيزات بما فيها أسرّة الإنعاش ووسائل النقل الصحي وعدم خلاص مستحقات المستشفيات الجهوية والجامعية والصيدلية المركزية لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض التي ما انفكت تتراكم وبلغت حوالي ألف مليون دينار سنة 2020 الى جانب ضعف الموارد الهزيلة التي خصصت لحساب دعم الصحة العمومية والتي حددت بـ 45 مليون دينار في ميزانية سنة 2021 رغم القرار الحكومي بأن تبلغ قيمتها 100 م د منذ 2019 (مجلس الوزراء المنعقد في 28 مارس من نفس السنة) علما وأن التقديرات تشير إلى أن تحقيق الهدف الذي أحدث من أجله يتطلب ما لا يقل عن 400 مليون دينار.
و في هذا الظرف الذي سيشهد مناقشة مشاريع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2021 من طرف مجلس نواب الشعب والمصادقة عليها أكّدت الجمعيات و المنظمات المكونة لهذا الائتلاف الجمعياتي أن دعم القطاع العمومي للصحة هو اليوم ضرورة قصوى يجب أن تحظى بأولوية مطلقة من أجهزة الدولة وطالبوا باتخاذ قرار سياسي في هذا الاتجاه يتجسم خاصة في تخصيص موارد مالية إضافية للقطاع العمومي للصحة في ميزانية الدولة لسنة 2021 لا تقلّ عن 500 مليون دينار يقع توجيهها للأولويات التي يقع تحديدها بصفة تشاركية ليؤكّدوا أن الاولويات التي تفرض نفسها في الفترة الراهنة هي توفير الأدوية في الخط الأول وتطوير وتيرة العيادات الطبية في مراكز الصحة الأساسية وتقريب بعض الخدمات الصحية للمواطنين وانتداب الإطارات الصحية ذات الضرورة المؤكدة والعاجلة، وحل معضلة عزوف الأطباء (والمختصين منهم على وجه الخصوص) عن العمل بالقطاع العمومي بما في ذلك المراجعة الجذرية لحوافز العمل في المناطق الداخلية وتنفيذ إجراءات عاجلة لتطوير البرامج الوقائية لمقاومة الأوبئة والأمراض غير المنقولة وإدخال تحسينات مؤكدة في البنية التحتية والتجهيزات بما في ذلك تطوير عدد أسرّة الإنعاش ووسائل النقل الصحي ودعم صيانة البناءات والتجهيزات والتسريع في وتيرة إنجاز مشاريع تطوير البنية التحتية خاصة في الجهات الداخلية بما في ذلك بعث الاقطاب الصحية، مع مراجعة الإحداثات المبرمجة سابقا لمراكز استشفائية مختصة إضافية في إقليم تونس الكبرى الى جانب توفير موارد ملائمة لـ"حساب دعم الصحة العمومية" و ذلك بتعميم المعلوم الذي أقره الفصل 59 من قانون المالية 2019 بنسبة 1% من رقم معاملات المصحات الخاصة ومسدي الخدمات الصحية (باستثناء الصيدليات الخاصة)، على شركات توريد أو صنع أو توزيع الأدوية والمعدات واللوازم الصحية، وكذلك على كل المؤسسات الصناعية الملوثة للبيئة الى جانب الدعوة الى إحداث معلوم خاص لفائدة حساب دعم الصحة العمومية على كل المواد التي يمثل السكر الصناعي 5% أو أكثر من تركيبتها، وتحديد نسبة المعلوم بـ 10% من سعر البيع للمستهلكين وتخصيص المعلوم على الاستهلاك الموظف على كافة المواد المضرة بالصحة كالتبغ والمشروبات الكحولية و المشروبات الغازية لفائدة حساب دعم الصحة العمومية.
كما دعوا الى مراجعة الفصل الأول من الأمر عدد 383 لسنة 2019 في اتجاه رفع الاستثناء الغريب للخط الأول (المستشفيات المحلية ومراكز الصحة الأساسية) من الانتفاع بموارد الحساب مع الدعوة ايضا الى ضبط آليات ناجعة وجدولة زمنية معقولة لاسترجاع المستشفيات والصيدلية المركزية مستحقاتها لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض واعتماد الحوكمة المفتوحة و الشفافية التامة في كل ما يتعلق بميزانية وزارة الصحة و الصناديق والحسابات المخصصة لها، بما في ذلك صندوق 1818 الذي ينبغي القيام بالنشر المفصل والمحين آليا لكل المعطيات حول مداخيله ومصاريفه، والإسراع باقتناء التجهيزات والمعدات المبرمجة مع توزيعها حسب مقاييس موضوعية وإنفاذ كافة آليات المراقبة لمختلف مراحل التصرف في الصندوق، مع تشريك المجتمع المدني في لجنة المراقبة كملاحظ.
كما دعا هذا الائتلاف الحكومة ومجلس نواب الشعب إلى التفاعل الإيجابي مع هذه المطالب وإدراجها في قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2021 وبالتوازي مع هذه الإجراءات المالية أكّدوا ضرورة اتخاذ إجراءات تنظيمية عاجلة لتحسين الخدمات وسير العمل والحوكمة في المؤسسات الصحية العمومية اعتمادا على المقترحات التي قدمها الائتلاف في وثيقتي "الإجراءات العاجلة لإنقاذ ألمرفق العمومي للصحة" في مارس 2018 ثم "الإجراءات الفورية الـ15 لفائدة المرفق العمومي للصحة" في مارس 2020 التي ما زالت تتماشى مع متطلبات الوضع الحالي.
ودعا الائتلاف سالف الذكر الى عقد مجلس وزاري خاص بالبرنامج العاجل لإنقاذ المرفق العمومي للصحة يقع الإعداد له بصفة تشاركية بحضور ممثلين عن الائتلاف والهياكل المهنية المعنية، ثم فتح حوار معمق وجدّي مع كافة المعنيين (يمكن أن يكون في إطار إعداد المخطط القطاعي) بهدف وضع وتنفيذ استراتيجية حقيقية لإصلاح المنظومة الصحية تقطع مع السياسات السابقة و تعيد الاعتبار للقطاع العمومي للصحة بما يجعله قادرا على تأمين خدمات صحية علاجية ووقائية ذات جودة لكل فئات الشعب وعلى القيام بدوره في مجابهة الأزمات الصحية وضمان الأمن الصحي للبلاد.