دول المنطقة تعوّل على الاختراق الروسي لمواجهة التمدد الإيراني.
لندن - يستعدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لربح معركة السّلام في سوريا بعد أن ربح الحرب ليقدم نفسه إلى بقية بلدان الشرق الأوسط بوصفه الرجل الذي لا يتخلّى عن حلفائه في السرّاء أو الضرّاء وأنه سيصبح لاعبا معترفا به في المشهد العالمي.
وفيما تميل بعض التحليلات إلى التقليل من شأن الإنجازات الروسية واعتبارها جزءا من الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وليست ندّا لها، يحذّر خبراء قريبون من البنتاغون من مغبّة تحوّل اللعب الروسي في ميادين الفراغ المسموحة أميركيا إلى أمر واقع جديد سيتيح لموسكو فرض قواعدها وشروطها داخل المنطقة التي لطالما اعتبرت مساحة أميركية بامتياز.
ويرى الخبراء أن التسوية المقبلة في سوريا ستستند على خرائط الطريق التي يعدّها الكرملين ما يعني أن موسكو ستصبح مرجع العديد من الدول في الشؤون التي تتعلق بمواطن النفوذ الإيراني في المنطقة، لا سيما في سوريا.
وقالت مصادر دبلوماسية بريطانية مخضرمة خبرت العالم العربي بأن الاختراق الروسي في الشرق الأوسط أصبح حاجة ماسة لدول المنطقة بسبب المواقف المرتبكة لإدارتي الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والحالي دونالد ترامب والتي تدفع العواصم الحليفة إلى استكشاف بدائل دولية بإمكانها تقديم الدعم وتوفير الأمن الاستراتيجي لدول المنطقة وهو أمر لم تعد واشنطن قادرة على تأكيد توفّره.
وعزت المصادر نفسها تبدّل المواقف الخليجية والتركية في الشأن السوري، والتي صارت متسقة مع الموقف الروسي، إلى غياب إرادة أميركية من جهة وإلى إيحاء واشنطن لكافة دول المنطقة بأنها راعية للمقاربة الروسية ولا تتناقض معها.
ويعتبر خبراء غربيون في شؤون السياسة الخارجية أنّ السّباق ما بين واشنطن وموسكو في ميدان الشرق الأوسط يميل إلى كفّة روسيا، وأن نجاح بوتين في مقاربته للمسألة السورية سيحدّد موقع روسيا في الشرق الأوسط برمّته.
وينقل عن دبلوماسيين في وزارة الخارجية الأميركية أن التخبط الذي عاشته سياسة واشنطن في الشرق الأوسط في عهد أوباما ما زال ساريا في ظل الإدارة الحالية، وأن وزير الخارجية ريكس تيلرسون لم يستطع تقديم دبلوماسية ناضجة تغلب “دبلوماسية التوتّر” التي ينتهجها ترامب، كما أن التنافس بين تيلرسون وجاريد كوشنر صهر الرئيس ومستشاره يلقي بظلال قاتمة على أيّ إنجازات لافتة بإمكانها أن تواجه الدبلوماسية الرشيقة التي يعتمدها الكرملين ووزير خارجيته سيرغي لافروف.
واعتبر المحلل السياسي البريطاني روجر بويز أن لعبة بوتين الشرق أوسطية خدعت الولايات المتحدة. وقال بويز في مقال في صحيفة التايمز البريطانية إن “بوتين قد تفوّق في دهائه ولعبته السياسية الشرق أوسطية على كل من أوباما وترامب عبر استخدام واقعيته السياسية وخبرته في المنطقة”.
وأكد أن “ثمة لحظات تحتاج فيها موسكو وواشنطن للتعاون بوضوح، لكن بوتين كانت لديه في معظم الأحيان نية اللعب على ترامب وخداعه”.
وأضاف “الحملة التي يفترض أنها شُنّت ضد تنظيم داعش سمحت لموسكو باختبار ليس أقل من 600 نوع من أسلحتها، بما فيها مخزونات الأسلحة القديمة، إذ حتى طائرات ‘إس-يو 25′ التي لم تصب قنابلها أهدافها بشكل دقيق في نحو 1600 حادثة في مناطق المعارضة السورية، باتت تُباع الآن بشكل جيد”.
ويُتداول سيناريو أعدّه الكرملين لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا يطلق عليه المحللون “نصر بوتين” والذي سيبدو متمحورا حول بقاء الأسد في السلطة حتى يجد الكرملين بديلا مناسبا، وكذلك توسيع روسيا لقاعدتها البحرية في طرطوس لاستيعاب عشرات السفن الحربية.
وستسعى موسكو أيضا لتقرير من سيمثل المعارضة في مفاوضات الطاولة المستديرة المستقبلية، وأن تتولى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قائمة تمويلات إعادة بناء البنية التحتية المحطمة في سوريا، على أن تنسحب الولايات المتحدة بعد فترة وجيزة وبشكل تدريجي من الشرق الأوسط.
وتؤكد مصادر خليجية أن الهمّ الخليجي الذي تعبّر عنه السعودية بقوة هو الخطر الذي يشكله التمدد الإيراني في دول المنطقة، وأن المقاربة الأميركية لهذا الخطر تخضع لحسابات داخلية في واشنطن لا تكترث لعجالة الأمر لدى دول الخليج.
وتضيف هذه المصادر أن الحيوية والفعالية التي تتمتع بها المقاربة الروسية أقنعت دول الخليج، لا سيما السعودية، وخصوصا بعد الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو بضرورة الاتفاق مع روسيا والتعاون معها بشكل استراتيجي يبتعد عن المقاربات التجريبية العرضية التي كانت تنتهجها عواصم المنطقة مع موسكو.
وتعوّل مراجع دبلوماسية خليجية على حاجة الرئيس الروسي إلى الخروج من المأزق السوري بأسرع وقت ممكن من أجل أن تقوم الرياض وشركاؤها بفرض شروطهم لتسهيل الحل السوري وفق رغبة بوتين.
وتقول هذه المراجع إن موسكو فهمت تماما أن أولويات الحلّ السوري بالنسبة إلى السعودية هو خروج إيران وميليشياتها من هذا البلد وتحجيم نفوذ طهران داخل أيّ تسوية مقبلة لسوريا، وإن الرياض تسعى جاهدة من خلال رعاية اجتماع المعارضة الأخير إلى تأمين كافة الظروف الضامنة لإنجاح المسعى الروسي والذي يأخذ بالاعتبار هواجس الرياض وموقفها من التمدد الإيراني في المنطقة.
سيناريو نصر بوتين
◄ بقاء الأسد حتى يجد الكرملين بديلا
◄ توسيع القاعدة الروسية في طرطوس
◄ تقرير من يمثل المعارضة السورية
◄ تولي الغرب إعادة بناء البنية التحتية المحطمة في سوريا
◄ انسحاب الولايات المتحدة تدريجيا من الشرق الأوسط