من هو جمال خاشقجي؟
يلفت مراقبون إلى أن لغز خاشقجي ليس بعيدا عن لغز الرجل وسيرة حياته. وينقل عن شخصيات كانت تعرف الرجل أنه لم يكن صحافيا كباقي الصحافيين وأن سيرته الذاتية لا تشبه سيّر الصحافيين.
تروي المعلومات أن الرجل كان مكلّفا بمهمات خاصة تحت الغطاء الصحافي أثناء الحرب الأفغانية، وأنّ المقابلة التي أجراها في ذلك الحين مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، كما قربه الذي كشف عنه لاحقا من الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية، يضيف جوانب غير معروفة في حياة خاشقجي، لا سيما أن الرجل لم يتحدث كثيرا عن تلك المرحلة المليئة بالألغاز المخابراتية المتصلة بظروف الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي.
وتلفت مصادر مراقبة للشأن السعودي أن جمال خاشقجي هو ابن المؤسسة السياسية السعودية وتعتبر أنّ كل ما تمّ الحديث عنه في العقود الأخيرة عن “آراء جريئة” كان يكتبها، لم تكن إلا من ضمن المتاح، وربما المطلوب، داخل روحية الحكم في المملكة العربية السعودية.
ويذكر هؤلاء أن الرجل كان مستشارا للأمير تركي الفيصل حين عيّن سفيرا لبلاده في لندن وبقي مستشارا له حين عيّن الأمير سفيرا بعد ذلك في واشنطن، وأن خاشقجي برز كرئيس لتحرير جريدة الوطن السعودية التي يمتلكها الأمير خالد الفيصل، على نحو يثبت أنه كان شخصية مدللة لدى النظام السياسي وأنه كان يتمتع، بسبب الثقة التي يحظى بها من “أولي الأمر” بهامش عريض للمشاكسة، وأن هذه المكانة داخل المملكة هي التي دفعت الأمير الوليد بن طلال تعيينه مديرا عاما مشرفا على إطلاق فضائية “العرب”.
وكان صعود وتراجع خاشقجي داخل المشهد السعودي جزءا من الكيفية التي تتعامل بها الرياض مع ظواهر المناكفة التي يتعامل بها ربّ البيت مع أنجاله. ولم يسبق للرياض أن تورطت في أيّ أذى ضد معارضيها، فما بالك وأن خاشقجي ليس معارضا، كما يكرر هو نفسه، كما أن الرياض لم تنظر إليه يوما بصفته معارضا على الرغم مما كتبه ضد سياسات بلده لدى الصحف الغربية.
لم تكن الصحافة الغربية بعيدة عن إبداء القلق على مصير خاشقجي وكانت متأثرة بالحملة المنظمة ضد السعودية في هذا الإطار. ومع ذلك بقيت هذه الصحف حذرة تزن سطورها وتسعى إلى عدم الوقوع السهل في حبائل السيناريوهات المغرضة التي بُثت بشكل لافت.
وتساءلت الصحف الأميركية عما يدفع خاشقجي إلى الحصول على وثائق شخصية من قنصلية إسطنبول كان بالإمكان الحصول عليها من القنصلية في واشنطن. ووجدت الصحف البريطانية أنه لا يعقل أن تقوم دولة ما بتصفية “معارض” لها داخل إحدى قنصلياتها. وعلى هذا يملك أطراف هذه القضية من الحجج والحجج المضادّة ما لا يحصى، وسيطلق الطابع الغامض للقضية العنان لمزيد من التكهنات التي يرقى بعضها إلى الخيال.
لكن، الثابت أن الحملات ضد السعودية لا يهمها مصير جمال خاشقجي، حتى أن بعض رموز تلك الحملات عبر عن استياء من تصريحات الرئيس التركي حول إمكانية التواصل إلى نتائج إيجابية، ذلك أن الهدف أن يختفي جمال خاشقجي إلى الأبد ليكون ذلك مناسبة جديدة لتسعير براكين الفتنة التي تضرب للمفارقة السعودية وتركيا بحجر واحد.