ترامب يؤكد أن الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط منطقية للجميع، والفلسطينيون يعتبرونها منحازة بشكل تام لإسرائيل دون أن تعطيهم حقوقهم المعترف بها دوليا وأمميا.
يطرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الثلاثاء، تفاصيل الخطة الأميركية للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أو ما يطلق على تسميتها إعلاميا بصفقة القرن، وسط رفض فلسطيني واسع يعتبر هذه الخطوة بمثابة دقّ إسفين جديد في نعش القضية الفلسطينية وتصفيتها بالكامل. ويجمع الفلسطينيون على أن ما يفعله ترامب ليس بالجديد على السياسة الأميركية بل يدخل في خانة الامتداد لسياسات متراكمة تدفع إلى استكمال ما فرضته اتفاقية أوسلو عام 1993 من واقع سياسي وأمني استيطاني، حققت عبره إسرائيل إنجازات على حساب حقوق الفلسطينيين المعترف بها دوليا.
واشنطن - عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين تفاصيل صفقة القرن على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم المعارضة بيني غانتس في لقاءين منفصلين بالبيت الأبيض وسط رفض فلسطيني واسع.
وخصص ترامب هذين اللقاءين المنفصلين قبل عرض تفاصيل الخطة الثلاثاء، للحصول على موافقة الطرفين على بنودها ولدفعهما إلى الالتزام بمدة ستة أسابيع لتطبيق الخطة، وهو ما أكدته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية عن مصدر أميركي.
وقال ترامب عقب استقبال نتنياهو في البيت الأبيض إن “البيت الأبيض سينشر خطته للسلام في الشرق الأوسط التي تأجلت طويلا الثلاثاء”.
وأكد أنه يعتقد أن نتنياهو وغانتس سيعجبان بخطته للسلام في الشرق الأوسط، مضيفا أن خطته منطقية جدا للجميع.
صفقة قديمة جديدة
قوبلت هذه الخطوة الجديدة برفض فلسطيني واسع يقرّ بأن صفقة القرن تأتي لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل ولتستكمل ما عجزت عن تحقيقه اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 من تأبيد للاحتلال الإسرائيلي.
ووفق السلطة الفلسطينية التي هدّدت بدورها كرد على خطوة ترامب بأنها ستنسحب من اتفاقية أوسلو، فإن صفقة القرن ستخرج القدس واللاجئين والحدود من طاولة المفاوضات.
يجمع الفلسطينيون على أن خطة السلام الأميركية تنحاز بشكل تام لإسرائيل دون أن تعطي للفلسطينيين حقوقهم المعترف بها دوليا وأمميا.
وفيما يصف نتنياهو الصفقة بالتاريخية، فإن السلطة الفلسطينية تعتبر هذه الخطة الجديدة امتدادا لاتفاقية أوسلو وأن خطة ترامب هي نتاج لسياسات أميركية قديمة جديدة، وقع التخطيط لها منذ أكثر من عقدين.وقال الكاتب والمحلل السياسي، عبدالمجيد سويلم إن بنود صفقة القرن “لا تعني شيئا للفلسطينيين، لأنهم لا يزالون تحت الاحتلال، وكل ما يجري تطبيقه هو احتلال بنص الأعراف الدولية”.
وبيّن، أن القيادة الفلسطينية السياسية رافضة لهذه الصفقة ولن تقبل بها بأي حال من الأحوال، لافتا إلى أنها ترغب في “سلام قائم وفق الشرعية والقانون الدوليين”.وعدّ سويلم صفقة ترامب “تكريسا للمصالح وللتوسعية والعدوانية الإسرائيلية”.
ويعتقد أن القيادة الفلسطينية لعبت، ولا تزال، دورا رئيسيا في فضح هذه الخطة وتوضيح خطورتها على السلم العالمي، من خلال العمل في إطار الأمم المتحدة والقانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية والسياسية.
ويرى سويلم أن على الفلسطينيين مراجعة “كافة الخطط والسياسات للتقدم إلى مسار جديد يؤسس استراتيجية فلسطينية لمواجهة الظرف القائم”.
ويؤكد مراقبون أن إسرائيل حقّقت عبر اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 أكثر من إنجاز مهد الطريق لخلق واقع سياسي مكّنها من احتواء انتفاضة الفلسطينيين وسطر واقعا أمنيا سيطرت عليه النزعة الاستيطانية الإسرائيلية، وأن الولايات المتحدة تدفع عبر الخطة الجديدة إلى تأبيد الاحتلال وتحويله من صيغة المؤقت إلى الاحتلال الدائم.
وقال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني تيسير محيسن في هذا الصدد، إن صفقة القرن التي أعدها ترامب بدأت تسير وفق “وقائع عملية تراتبية هندسية تصوغها الإدارة الأميركية مع إسرائيل تباعا، منذ أكثر من 26 عاما (في إشارة إلى سنة 1993 تاريخ توقيع اتفاقية أوسلو)”.وبيّن أن كل ما يرشح عن الصفقة “يجري تطبيقه تباعا على مرأى ومسمع كل العالم والقيادة السياسية”.
وأضاف “الإدارة الأميركية وإسرائيل استطاعتا خلال العقود الماضية أن تفرضا واقعا يتعارض كليا مع البنية السياسية التي تم إنتاجها في إطار إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي تحت ما يسمى عملية السلام (حل الدولتين)”.
وبيّن أن إسرائيل نجحت في كسر “كافة المكونات الديموغرافية والجغرافية للدولة الفلسطينية، ما يعني أن 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية أصحبت تحت طائلة الضم وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، كما أن هناك تهديدا بضم الأغوار تحت تأييد ترامب؛ وهذا هو جزء من الصفقة”.
وتقترح “صفقة القرن”، وفق ما جاء بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، الأحد الماضي، إقامة دولة فلسطينية بلا جيش أو سيادة، على مساحة 70 بالمئة من الضفة الغربية، ويمكن أن تكون عاصمتها بلدة “شعفاط” شمال شرقي القدس، على أن يربطها بقطاع غزة “نفق” يكون بمثابة “الممر الآمن”.
كما تسمح هذه الصفقة لإسرائيل بضم ما بين 30 و40 بالمئة، من أراضي المنطقة “ج”، والتي تشكّل 61 بالمئة من مساحة الضفة، وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية؛ ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.
إنقاذ نتنياهو
أجمع محللون سياسيون فلسطينيون على أن التوقيت الذي وصفوه بـ”المشبوه” للإعلان عن خطة السلام المعروفة إعلاميا بـ“صفقة القرن”، يأتي خدمة لمصالح شخصية وحزبية لكل من ترامب ونتنياهو.ويواجه ترامب محاكمة لعزله، حيث انطلقت الثلاثاء الماضي بمجلس الشيوخ الأميركي، الجلسة الإجرائية التي تدشن المحاكمة، بينما من المقرر أن يبتّ الكنيست الإسرائيلي، الثلاثاء، في طلب نتنياهو الحصول على الحصانة من المحاكمة بتهم الفساد.
وقال ترامب الجمعة الماضي، إنه يعتزم الكشف عن خطته، قبل الثلاثاء، اليوم الذي سيجتمع فيه مع نتنياهو وزعيم المعارضة الإسرائيلية، بيني غانتس.
ويعتبر هذا الإعلان، وفق المحللين، ومن وجهة النظر الأميركية الإسرائيلية وصفة لـ”النجاح والحصول على الدعم الداخلي لكلا الطرفين”.
وكانت الإدارة الأميركية قد أرجأت، خلال الأشهر القليلة القادمة إعلان “صفقة القرن”، لأسباب أرجعها مراقبون سياسيون “إلى الظروف الانتخابية الإسرائيلية”.
وتُبدد هذه الصفقة حلم إقامة الدولة الفلسطينية وفق الأعراف الشرعية القائمة على مبدأ “حل الدولتين”؛ الأمر الذي تتمسك به القيادة الفلسطينية.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وديع أبونصار، إن توقيت صفقة القرن يأتي لإنقاذ نتنياهو، مستبعدا أن تقدّم الصفقة أي حق للفلسطينيين.
وأضاف “التوقيت مشبوه، يأتي بالتوازي مع بداية جلسات الكنيست للبت بحصانة نتنياهو، ترامب يريد أن يساعده، ويساعد نفسه كي يظهر أمام اليمين المتطرف بالولايات المتحدة أنه قادر على تقديم شيء لحماية إسرائيل”.
واعتبر أبونصار أن الوضع الذي تمر به القضية من أصعب الأوضاع بسبب غياب “الاستراتيجية الوطنية”.
أما على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، فقد أثار توقيت الإعلان عن الصفقة ريبة عدد من قادة الأحزاب، من بينهم رئيس “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر ذلك التجاء من نتنياهو إلى واشنطن. واستكمل قائلا ”لو أن ليبرمان رأى أن إعلان الصفقة يصب في مصلحة إسرائيل لبارك هذه الخطوة”.
ويرجح أن تنجح هذه الخطوة في إنقاذ مستقبل نتنياهو السياسي؛ لكون أن المعارضة الإسرائيلية باتت تتبنى الأفكار التي تطرحها الصفقة ذاتها.
واتفق محيسن مع سابقه أبونصار، في اعتقاده أن الإعلان عن هذه الصفقة في هذا التوقيت يأتي لخدمة الأجندات السياسية ودعم تيار اليمين الذي يقوده نتنياهو.