الصفحة 3 من 3
عزلة دولية
يضيف هؤلاء أن أردوغان لا يملك ترف فتح معركة مع موسكو حول الشأن السوري في وقت باتت فيه أولوية تركيا الأمنية تتركز على “الخطر الكردي”، خصوصا أن الاجتماع الأمني الذي ضم مؤخرا رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك ورئيس جهاز الاستخبارات التركية حقان فيدان بدأ يحضر لمرحلة سيكون فيها الجيش التركي وجيش النظام في سوريا على تماس مباشر إذا ما تمت لدمشق السيطرة على إدلب، بما يعني أن أنقرة بدأت تعبر ضمنا عن استعدادها للتخلي عن إدلب مقابل ضمانات تقدمها دمشق وموسكو بشل قدرات الأكراد على تشكيل تهديد ضد تركيا.
وترى مصادر دبلوماسية أن أردوغان ليس جديا في الدخول في مواجهة مع روسيا في وقت تعاني فيه بلاده من شبه عزلة بسبب الموقف الأوروبي الأميركي الرافض للدور التركي في ليبيا، كما رفضت هذه القوى التحركات التركية المهددة لعمليات التنقيب التي تقوم بها دول عديدة في شرق المتوسط، لاسيما قبرص واليونان.
وكانت باريس قد وجهت انتقادات لاذعة لأنقرة بشأن إرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا ما يغذي الصراع هناك، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريحات صحافية إن “فرنسا تدعم اليونان وقبرص في سيادتهما على حدودهما البحرية وندين من جديد الاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية”.
وهذا موقف تتقاسمه فرنسا مع الكثير من الدول الأوروبية الرافضة لسلوك أنقرة المهدد للاستقرار في المتوسط.
وتوضح هذه المصادر أن تركيا تحتاج لتضامن روسيا ووقوفها إلى جانبها في المعركة التي تخوضها ضد الأوروبيين لتعزيز حصتها من الموارد الطاقية المكتشفة في شرق المتوسط، لاسيما وأن موسكو أعربت عن استعدادها لتقديم الدعم، خصوصا وأن لروسيا مصلحة أكيدة في الدفاع عن سوق الغاز في العالم، وذلك الجديد الواعد في شرق البحر المتوسط.
وفيما كان أردوغان يعول على رمادية الموقف الأميركي من سياسة تركيا في ليبيا، إلا أن ما صدر عن مؤتمر برلين الأخير بشأن هذا البلد كشف عن مزاج غربي، لاسيما أميركي برز من خلال حضور وزير الخارجية مايك بومبيو للمؤتمر، باتجاه حل دولي للنزاع الليبي تكون فيه تركيا أحد أطرافه ولا تكون فيه الطرف الرئيسي الأقوى. وقد عبر اللغط الذي دار حول الاتصال الهاتفي بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاثنين، عن خلاف واضح بين أنقرة وواشنطن حول الشأن الليبي.
أردوغان غير مستعد لمواجهة روسيا وهو في شبه عزلة بسبب الموقف الأوروبي الأميركي الرافض للدور التركي في ليبيا
ففي حين أكد البيت الأبيض على “الحاجة إلى القضاء على التدخل الأجنبي والحفاظ على وقف إطلاق النار في ليبيا”، قال أردوغان إن الاتصال كان للمجاملة في أعقاب الزلزال الذي ضرب شرق تركيا في نهاية الأسبوع.
وكشف البيت الأبيض في 28 يناير عن تفاصيل المكالمة بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، مشيرا إلى أن الزعيمين ناقشا مجموعة واسعة من القضايا المثيرة للجدل التي تزعج حليفي الناتو. بالمقابل أصدر مكتب أردوغان قراءاته الخاصة للمكالمة، مؤكدا أنها كانت تتعلق بالزلزال الذي ضرب شرق تركيا في نهاية الأسبوع.
وقلل البيان التركي من شأن القضايا الجيوسياسية التي قال البيت الأبيض إن ترامب أثارها، من ليبيا إلى التوترات في شرق البحر المتوسط إلى سوريا.
ويخلص الخبراء في الشؤون الاستراتيجية إلى أن أردوغان يخسر الإمساك بزمام المبادرة في مسألة علاقاته بين الشرق والغرب، وأنه يهرب إلى الأمام ويحاول الضرب عشوائيا داخل ملفات دولية ساخنة معولا على أن تثمر هذه الفوضى عن الاعتراف به وتركيا لاعبا أساسيا في تقرير مصير هذه الملفات وبالتالي قطف ثمار أي تسويات وصفقات في شأنها.