اختر لغتك

تجارة المخدرات الدولية...تبعات صحية واجتماعية

تجارة المخدرات الدولية...تبعات صحية واجتماعية

تجارة المخدرات الدولية...تبعات صحية واجتماعية

تظهر إحصائيات الأمم المتحدة أن حجم التجارة العالمية في المخدرات، والأدوية والعقاقير الممنوعة، يقارب حاليّاً 400 مليار دولار سنويّاً، وهو ما يزيد عن مجموع ميزانيات عشرات من الدول النامية والفقيرة. وبالنظر إلى أن حجم التجارة العالمية الإجمالي يبلغ 350 تريليون دولار، فقد أصبحت تجارة المخدرات تشكل حالياً أكثر من واحد في المئة من هذا الإجمالي، مما يضعها في مصاف حجم وقيمة التجارة الدولية في النفط والأسلحة. وهذا الرواج الهائل الذي تشهده تجارة المخدرات تحقق في زمن قصير نسبيّاً، بناء على أن هذا النوع من التجارة لم يتواجد قبل نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهي الفترة التي شرع فيها العديد من الدول في تشريع القوانين المانعة لإنتاج، ونقل، وبيع، واستهلاك، العديد من المواد المؤثرة على الحالة العقلية والذهنية، مثل الأفيون، والحشيش، وبقية المواد المخدرة، وهو ما أدى بالتبعية إلى بزوغ فجر هذه التجارة المربحة.

 

وتنال حاليّاً المخدرات الصناعية نصيب الأسد من الزيادة الحاصلة في إنتاج واستهلاك المخدرات حيث أظهر تقرير صدر مؤخراً عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة أن المخدرات الصناعية، وخصوصاً تلك المشتقة من مادة الأمفيتامين، تجد انتشاراً وإقبالًا متزايدين، نتيجة لسهولة إنتاجها ورخص ثمنها. والمقصود هنا بالمخدرات الصناعية هو المواد الكيميائية التي يتم تصنيعها في المعامل، ولا توجد بشكل طبيعي، مثل الميث-أفيتامين، والتيمازيبام، مقارنة بالمخدرات الطبيعية مثل الحشيش، والماريجوانا، والهيرويين، والكوكايين. وعلى رغم أن منتجات نبتة الحشيش بأنواعها المختلفة لا تزال هي المخدر الأكثر استخداماً على الإطلاق، إلا أن المخدرات الصناعية أصبحت تحتل المركز الثاني بجدارة، حيث يمكن إنتاجها بسهولة ويسر في معامل بدائية، وباستخدام مواد كيميائية زهيدة الثمن، داخل الدول المستهلكة ودون الحاجة لتهريبها عبر الدول والحدود. كما أن هذه المخدرات لا تحتاج إلى الدورة نفسها التي تمر بها المخدرات النباتية الطبيعية الأخرى، من زراعة، وحصاد، وتصفية، ونقل، ثم تهريب، هذا بالإضافة إلى الإقبال الأكبر من قبل المدمنين على المخدرات الصناعية بسبب رخص ثمنها، وتأثيرها المنشط القوي.

وبخلاف الحجم الاقتصادي والربح المالي لتجارة المخدرات تتضح فداحة الثمن الإنساني لهذه التجارة غير الشرعية من حقيقة أن أكثر من 15 مليون شخص حول العالم يعانون من شكل أو آخر من أشكال إدمان المخدرات، وهو ما يضفي على هذه المشكلة بعداً صحيّاً عالميّاً، بخلاف أبعادها القانونية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال بين الدول التي تتواجد فيها مشكلة تعاطي أنواع المخدرات عن طريق الحقن، وعددها 148 دولة، تتواجد أيضاً مشكلة الانتشار الواسع للإصابة بفيروس الأيدز بين 120 منها، كون تعاطي المخدرات عن طريق الحقن يعتبر أحد السبل الرئيسية لانتقال الفيروس المسبب للمرض. وعلى رغم أن استخدام المواد الكيميائية -الطبيعية في الغالب- لتغيير الإحساس والشعور، والتشويش على رؤيتنا للعالم الخارجي، يعتبر من أقدم الأنشطة البشرية، إلا أن استخدام الشخص للمخدرات، وبعض المواد الأخرى مثل الكحول والتبغ، يمكن أن يخرج عن السيطرة، وأحياناً ما يخضع الشخص ذاته لسيطرة تلك المواد، إلى درجة أنه حتى في الحالات التي يؤدي فيها الإدمان إلى عواقب صحية بدنية أو نفسية خطيرة، يجد المرء نفسه عاجزاً عن التوقف عن تعاطيها. وهو ما يتطابق مع التعريف الشائع للإدمان على أنه نوع من الاعتماد الشديد والحاجة الملحة القهرية لتناول وتعاطي بعض المواد الكيميائية ذات التأثير النفسي والعصبي، القادرة على العبور من الدم إلى المخ وتغيير البيئة الكيميائية الخاصة بالجهاز العصبي بشكل مؤقت. وفي حالات الإدمان يكون الهدف الأولي هو البحث عن المتعة واللذة، وبمرور الوقت تتولد حاجة لتعاطي تلك المادة أو ممارسة ذلك السلوك، كي يشعر الشخص بالاستقرار والهدوء والسكينة بشكل طبيعي.

وعلى الصعيد الاجتماعي تشكل تجارة المخدرات مشكلة اجتماعية مزمنة في الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. ففي العديد من دول العالم ترتبط تجارة المخدرات ارتباطاً وثيقاً بجرائم العنف مثل القتل والاغتصاب والسرقة، وهو الارتباط الذي يتضح بشكل أكبر في دول العالم الثالث، وإن كانت الدول الصناعية والغنية لم تسلم هي الأخرى من هذا الجانب السلبي لتجارة المخدرات. ففي الولايات المتحدة مثلاً، أظهرت إحصائيات مكتب التحقيقات الفيدرالي، أن 5 في المئة من جميع جرائم القتل التي وقعت في نهاية عقد التسعينيات داخل الولايات المتحدة، كانت ذات صلة بتجارة أو إدمان المخدرات. وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ونتيجة لتركيز جهود الولايات المتحدة والمكسيك على الحدود والمنافذ الواقعة بين الدولتين، ارتفعت جرائم العنف بشكل واضح، حيث تقدر السلطات المكسيكية أن 90 في المئة من جرائم القتل سببها الصراع على طرق تهريب المخدرات بين البلدين. وفي بريطانيا نص تقرير سرب لوسائل الإعلام من إحدى الجهات الحكومية المعنية بمكافحة تجارة المخدرات (Drug Strategy Unit)، على أن الأسعار المرتفعة للمخدرات شديدة الإدمان مثل الهيرويين والكوكايين، جعلت من إدمان هذه النوعية من المخدرات السبب الأول خلف الشق الأعظم من الجرائم، وبالتحديد 85 في المئة من السرقات داخل محال التسوق، وما بين 70 إلى 80 في المئة من السرقات التي تتعرض لها المنازل، و54 في المئة من السرقة بالإكراه. ويستطرد التقرير ذاكراً أن الجرائم التي ترتكب بسبب إدمان الكوكايين والهيرويين تكلف الاقتصاد البريطاني 16 مليار جنيه استرليني سنويّاً، وهو مبلغ يزيد عن إجمالي الميزانية السنوية لوزارة الداخلية البريطانية.

 

آخر الأخبار

القبض على شخص بتهمة زراعة "الماريخوانا" في منزل تميم بنية الاتجار

القبض على شخص بتهمة زراعة "الماريخوانا" في منزل تميم بنية الاتجار

إيقاف الوزير الأسبق سمير بالطيب ومسؤولين في قضية "هنشير الشعال" بصفاقس

إيقاف الوزير الأسبق سمير بالطيب ومسؤولين في قضية "هنشير الشعال" بصفاقس

تأجيل مباريات كأس ملك إسبانيا بعد الفيضانات الكارثية في فالنسيا

تأجيل مباريات كأس ملك إسبانيا بعد الفيضانات الكارثية في فالنسيا

استرجاع "ضيعة فائزة" بالقصرين: السلطات تنفذ 13 قرار إخلاء وتسترجع 85 هكتارًا من العقار الدولي

استرجاع "ضيعة فائزة" بالقصرين: السلطات تنفذ 13 قرار إخلاء وتسترجع 85 هكتارًا من العقار الدولي

العدالة الفرنسية تبرّئ الرئيس السابق لاتحاد الكرة نويل لوغريت من تهم التحرش ويستعيد "شرفه"

العدالة الفرنسية تبرّئ الرئيس السابق لاتحاد الكرة نويل لوغريت من تهم التحرش ويستعيد "شرفه"

Please publish modules in offcanvas position.