فيما أشادت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالأشخاص ماريا غرازيا بالتزام الكويت الحقيقي وجهودها في التصدي للاتجار بالبشر، ربطت نجاح هذه الجهود بإلغاء نظام الكفيل الذي ينشئ وضعاً من الهشاشة يسهل علاقات العمل التعسفية والاستغلالية، والاستعاضة عنه بنظام مغاير يسمح للعمال بالتمتع بقدر وفير من الحرية في سوق العمل.
وأبدت غرازيا قلقها من ظروف العمل الاستغلالية للوافدين في عدد من قطاعات العمل في الكويت «التي يمكن أن تشكل أحيانا اتجارا بالبشر، كما أن ثمة إمكانية للاستغلال الجنسي لا يمكن ضبطها إلا بإجراء بحث فعلي عنها» كاشفة عن أن «معظم حالات الاتجار بالأشخاص التي تم التعرف عليها تنحصر في الاتجار لأغراض استغلال العمالة المنزلية».
وقالت غرازيا، في مؤتمر صحافي عقدته أمس لاستعراض تقرير أعدته عن زيارتها الرسمية للكويت التي استغرقت 5 ايام بدعوة حكومية، لتقييم حالة الاتجار بالاشخاص، ولا سيما النساء والاطفال، وقياس مدى التقدم المحرز والتحديات المتبقية في مكافحة هذه الظاهرة، قالت ان «هناك مصادر قلق بالغة الأهمية، رغم الخطوات الإيجابية، حيث لاحظت عددا من التحديات التي يتعين على حكومة الكويت مواجهتها إذا أرادت أن توفق في المكافحة الفعالة للاتجار بالأشخاص وحماية حقوق الإنسان الواجبة للأشخاص ضحايا الاتجار».
وشددت على ان من الضروري على سبيل المثال سد الثغرات القائمة خصوصا البدائل الحقيقية للإبعاد للذين لا يرغبون بالعودة إلى بلدانهم، وإخضاع العمالة المنزلية للهيئة العامة للقوى العاملة.
وأضافت أنه «نظرا لتدفق الوافدين إلى الكويت بغرض العمل، وسياسة الهجرة التي تنهجها الحكومة والتي تقتضي إعادة الوافدين غير القانونيين إلى أوطانهم، فإن القلق يساورني من إمكانية اعتبار الأشخاص ضحايا الاتجار وافدين غير قانونيين، عن صواب أو خطأ، واحتجازهم ثم ترحيلهم دون أن تتاح لهم فرصة كافية لإعادة دمجهم اجتماعيا وتعافيهم. كما أن الإمكانية المحدودة للغاية والمتمثلة في وصول الوافدين غير القانونيين المعرضين للاستغلال إلى سوق العمل ترجح احتمال تعرضهم للاستغلال في العمل والاستغلال الجنسي».
وذكرت أن «بعض شركات استقدام العمالة في البلدان الأصلية وحتى في الكويت تتواطأ في الاتجار بالأشخاص، باستخدامها أساليب توظيف تدليسية لاستقدام العمالة، بناء على عقود غير قابلة للتنفيذ، ووظائف لا وجود لها، في وقت تقدم وعودا لأرباب العمل باستقدام عمالة مدربة ولكنها تستقدم عمالة غير ماهرة». ودعت المقررة الحكومة إلى العمل على الحد من الممارسات المتمثلة في احتجاز جوازات السفر ودفع اجور غير كافية والإجبار على العمل ساعات طويلة، والحجز في مكان العمل، مما يشكل أحيانا اتجارا بالأشخاص لأغراض السخرة المنزلية.
ولفتت إلى أن «نسبة حالات الملاحقة القضائية في كافة قضايا الاتجار بالأشخاص لا تزال متدنية جدا، حتى الآن، في حين أن نسبة أحكام الإدانة أقل بكثير، وهناك قلق كذلك من طول مدة الإجراءات القضائية وبطء المحاكمات في قضايا الاتجار بالأشخاص، وانعدام إمكانية إقامة دعاوى أمام المحاكم في حالات الاتجار عندما يواجه الضحايا غيابيا تهما موجهة ضدهم».
في المقابل نوّهت غرازيا بما تقوم به الحكومة الكويتية من عمل فعلي في مكافحة الاتجار بالأشخاص، عازمة على التصدي للسخرة المنزلية، ورافضة ان تتستر عليها كما يحدث في كثير من بلدان العالم، موضحة ان «انشاء الكويت مأويين يستوعبان ما يزيد على 7 الاف خادمة منزلية ممن يهربن من مخدوميهن يثبت التزامها الحقيقي في هذا المجال وشكلت بذلك معياراً يقتدى به في المنطقة وخارجها.
وقالت ان «ضحايا الاتجار بالبشر في الكويت، رجالا ونساء، يتم الاتجار بهم في الغالب من اجل العمل القسري واستغلال العمالة بما في ذلك السخرة المنزلية، مبينة انه يتم في كثير من الاحيان الاتجار بالاشخاص من اجل الاستغلال الجنسي، ولا سيما الاكراه على البغاء، كما ان المهاجرين الذين هم بوضع غير قانوني، بمن فيهم اللاجئون وطالبو اللجوء وعديمو الجنسية في الاقتصاد الكويتي بصورة غير رسمية، مما يعرضهم لخطري الاتجار لاغراض العمل والاستغلال الجنسي».
وأضافت، أن «الكثير من خدم المنازل في الكويت يفرون من ارباب عملهم بسبب استيائهم من نوع وظروف العمل الذي حصلوا عليه عن طريق وكالات التشغيل في البلدان الاصلية، وبسبب استغلال مشغليهم في الكويت كما ان بعض خادمات المنازل تُكره على البغاء».
واكدت ان «نظام الكفالة الذي يربط كل عامل برب عمل معين باعتباره كفيلاً، ينشئ وضعاً من الهشاشة يسهل علاقات العمل التعسفية والاستغلالية وفي بعض الحالات يحرم خدم المنازل من وثائقهم وهواتفهم النقالة، كما يمنعون من الاتصال باسرهم واقامة علاقات اجتماعية خارج الاسرة، كما يجبرهم على العمل لساعات طويلة، اضافة لتعرضهم للضرب.
ونصحت غرازيا حكومة الكويت بالمواصلة في السير في اتجاه محاربة الاتجار بالأشخاص، ومضاعفة الجهود لتحسين منع الاتجار بالبشر وحماية ضحاياه، وسد الثغرات القائمة، ولا سيما فيما يتعلق بالبدائل الحقيقة للترحيل عندما لا يرغب المرحلون في العودة إلى بلدانهم، وضمان تعويضهم عن الاجور غير المدفوعة وكذلك السماح بإمكانية تغيير رب العمل وإيجاد عمل مأجور.
وأشادت بالتطورات الايجابية في مكافحة التجار بالاشخاص في الكويت ومنها بروتوكول باليرمو، وانشاء وحدة مكافحة الاتجار بالاشخاص في وزارة الداخلية، ومأوى العمالة الوافدة.
وأعربت عن امتنانها بالحكومة الكويتية لدعوتها وتعاونها التام قبل الزيارة وخلالها ومكنها من الحصول على المعلومات المباشرة عن الاطار التشريعي والسياسي والمؤسس القائم، وعن البرامج التي وضعت للتصدي للاتجار بالبشر.
وأوضحت غرازيا ان الزيارة كان بها العديد من المباحثات مع عدد من المسؤولين الحكوميين من وزارة العدل، والشؤون الاجتماعية والعمل، وهيئة القوى العاملة، مضيفة ان «المحادثات شملت أعضاء وحدة مكافحة الاتجار بالاشخاص وإدارة العمالة المنزلية بوزارة الداخلية، وتبادلت الاراء مع اعضاء الجهاز القضائي من محكمة التمييز والمحكمة الكلية والنيابة العامة، والمعهد الكويتي للدراسات القضائية والقانونية، وتخللت زيارتي للكويت زيارة لمركز ايواء العمالة الوافدة، وسجن النساء، ورياض اطفال السجينات التابع للقطاع الخاص ومركز احتجاز المهاجرات.
الصانع: لا ندخر جهداً
شدد وزير العدل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يعقوب الصانع على أن «جريمة الإتجار بالأشخاص تمثل انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان وصون كرامته»، مؤكداً ان «هذه الحقوق مكفولة في دستور الكويت والتشريعات الوطنية».
وأضاف الصانع في تصريح صحافي عقب لقائه غراتسيا أن «الكويت تولي اهتماما بالغا بالرد على التقارير الدولية المتعلقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص بكل وضوح وشفافية بما لا يدع مجالا للشك بأن الكويت لا تدخر أي جهود في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص والحرص كل الحرص على صون كرامة الإنسان».
المطاوعة: حريصون على تأهيل القضاة
نوّه رئيس المجلس الأعلى للقضاء المستشار يوسف المطاوعة بالجهود الرسمية للكويت في مجال مكافحة الاتجار بالاشخاص وما توليه من اهتمام بالغ بالرد على التقارير الدولية في هذا الصدد، مشيرا إلى أن القضاء ممثلا بالمجلس الأعلى للقضاء حريص على تأهيل القضاة ممن يتصدون للحكم في تلك الجرائم فضلا عن ضرورة حماية المبلغين والشهود والعمل على ايجاد احكام قانونية وقواعد تنفيذ الاحكام الصادرة.