اختر لغتك

الشهادات العليا لا تمنح أصحابها رخصة مرور لسوق العمل

الشهادات العليا لا تمنح أصحابها رخصة مرور لسوق العمل

الشهادات العليا لا تمنح أصحابها رخصة مرور لسوق العمل

تضخم أعداد الحاصلين على الدكتوراه في الدول العربية يقابله انحسار سوق الشغل، والحلول ليست تقنية بل اقتصادية.

تزايد أعداد الحاصلين على الدكتوراه في الدول العربية باختلاف مستوى تكوينهم ونوعية الشهادة العلمية الحاصلين عليها ومدى مواكبتها لمتطلبات سوق الشغل، لتصبح عنوانا كبيرا لأزمة متفاقمة وسط تأكيد الخبراء والمختصين على أن هؤلاء هم القاطرة الحقيقية للنهوض باقتصادات الدول بدل أن تكون الشهادة العلمية عنوانا لبطالة دائمة.

 

تونس - تتفاقم أزمة تشغيل الحاصلين على شهادات عليا من الجامعات العربية، وخصوصا المتخرجين الجدد منه. ولم تعد الشهادة الجامعية العليا "الماجستير والدكتوراه" تحمل رخصة مرور مضمونة لحاملها إلى سوق العمل.

وينظم عدد كبير من حاملي الشهادات العليا إلى سوق العاطلين أسوة بحاملي الشهادات الجامعية الأولية، لأسباب متعلقة بعدم قدرة المؤسسات والشركات على استيعابهم أو لندرة اختصاصاتهم غير الملائمة لسوق العمل.

ولتفكيك عناصر هذه الأزمة التي تبدو متراصة ومعقدة في تركيبتها لا بد من الوقوف حول العديد من الأسباب التي أدت إلى تضخم أعداد الخريجين من حاملي شهادات الدكتوراه في الدول العربية والظروف المحيطة بهم ومدى اندماجهم في عجلة سوق الشغل، وإلى أي مدى يحصلون على فرص عمل تكون متقاربة، إن لم تكن متساوية، مع التكوين الذي خضعوا له والبحوث التي قاموا بإنجازها.

وعمليا تبدأ مرحلة البحث العلمي باختيار أي طالب لموضوع بحث يكون محددا بفترة زمنية محددة هي الأخرى تتبعها عملية مناقشة لرسالته أمام لجنة مختصة تعيّن في الغرض لتقييم هذا البحث والوقوف على إيجابياته وسلبياته لتسند إثرها إلى الطالب الباحث الملاحظة والعدد الذي يستحق.

وهنا يبدأ العد الرسمي للتجربة العملية للحاصلين على شهادة دكتوراه الذين يجدون أنفسهم في بحث مستمر عن المناظرات والوعود الحكومية بالانتداب، فيما يأخذ الكثير منهم الهوس لطول الفترة التي أمضوها في البطالة، فيغيرون وجهتم نحو مهن هامشية.

أزمة هؤلاء الخريجين ضاربة بعمق في العديد من الدول العربية ويكاد يتكرر المشهد نفسه من بلد إلى آخر، فيما يؤكد مختصون وخبراء أكاديميون أن العنوان الكبير لهذه لأزمة عند هؤلاء يتجسد في نوعية التخصص الذي اختاروه مقارنة مع ما هو مطلوب في سوق العمل.

وتختلف مستويات الطلاب والاختصاصات التي يخوضون فيها بحوثهم في بعض الجامعات العربية، ومن هذا المنطلق ربما يكون التفاوت جليّا بينهم في عدد الخريجين. ويمكن تفسير هذه الفكرة أكثر بما يطرحه عدد الخريجين في تونس مثلا من الحاصلين على شهادات الدكتوراه في اختصاص مادة العربية ومادتي الفلسفة والتاريخ، بالموازاة مع بعض الشعب العلمية الأخرى التي عادة ما يكون خريجوها الأوفر حظا نسبيا بالعمل خصوصا أولئك الذين أنهوا رسائلهم في بلدان أجنبية أو ممن حصلوا على مؤطرين أكفاء من جامعات أجنبية أيضا.

وعدد الحاصلين على شهادة الدكتوراه في تونس موضوع جدل دائم، حيث تفيد معطيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بأن عددهم وصل بين أكتوبر 2016 ونهاية 2017 إلى حدود 3200 طالب، فيما يشكك العديد من الأكاديميين في هذا الرقم ويقولون إنه يتجاوز ذلك بكثير.

ويفسّر البروفيسور عمر بالهادي من كلية العلوم الإنسانية بتونس لـ”العرب” أزمة تكدس حاملي شهادات الدكتوراه في تونس بقوله “هي مسألة سوق الشغل الذي انحسر جدا بحيث أصبحت الطلبات تتجاوز بكثير العروض في اقتصاد محدود أصلا، بالإضافة إلى أنه في أزمة متزايدة منذ سنوات".

ويضيف بالهادي “الحلول هي مالية أساسا وترتبط بميزانية الدولة التي أضحت محدودة جدا وكذلك محدودية القطاع الخاص”. وتابع قوله “تشبع السوق في الأسفل له تبعات على القمة، حيث يكثر حاملي الشهادات في الوقت الذي تنحسر فيه إمكانيات التشغيل. فالحلول ليست تقنية بل اقتصادية”.

وبالموازاة مع أزمة الخريجين وأعدادهم التي تتزايد سنويا، تلوح أزمة أخرى لا تقل أهمية حول مدى آهليتهم فعليا لدخول سوق الشغل، خصوصا منهم أولئك الذين أمضوا سنوات طويلة عاطلين عن العمل.

ويقول فتحي الطوالبي، وهو طالب دكتوراه بصدد إعداد رسالته، إنه إضافة إلى أزمة التمويل الضعيفة التي يكاد لا يحصل عليها من الوزارة والقائمين على دائرة البحث العلمي في الجامعة التي ينتسب إليها، تتضاعف محنته أكثر بخروجه لعمل إضافي لتوفير مستلزمات السكن والنقل وكل ما يتعلق بالبحث، وهو ما كان حائلا دون إنهائه لبحثه في الآجال المحددة وتسبب في طلب التمديد كل سنة.

الطوالبي نموذج للآلاف من الطلاب التونسيين الذين دفعتهم ظروفهم الصعبة للخروج إلى العمل لإكمال رسائلهم، وهو ما يعكس في الوقت ذاته أزمة وحدات البحث، سواء في تونس أو في غيرها من البلدان العربية، التي أصبح دورها يقتصر فقط على تقديم أرقام لأعداد الطلاب، إن وجدت طبعا والغالبية منها تخلت عن دورها في تقديم الرعاية اللازمة للطلاب وتوفير سبل الدعم لهم ومساعدتهم على إنجاز بحوثهم.

أزمة تزايد أعداد خريجي الدكتوراه وأحوالهم التشغيلية والعملية لا تخص تونس فقط بل تشمل العديد من الدول العربية، حيث حاولت “العرب” أخذ عينة أخرى من مصر لتتبع الظاهرة ورصد مختلف جوانبها ومدى تأثيرها على المدى الطويل.

وقال محب الرافعي، المسؤول عن مراجعات شهادات الماجستير والدكتوراه بجامعة عين شمس بالقاهرة، إن أزمة بعض حملة الدكتوراه، أنهم يتقدمون للحصول عليها من منظور الوجاهة الاجتماعية، وهؤلاء ليست لهم أهداف أو طموحات للترقي، وهناك من يستكمل دراسته للحصول على شهادة عالية للترقي الوظيفي، لكن الإشكالية الأكبر في الفئة التي تعتبر هذه الشهادة بوابة التوظيف الوحيدة بالجهاز الإداري للدولة.

وأضاف، أن أكثر جهات العمل في مصر وغيرها من الدول العربية، لا تحتمل تعيين جميع الحاصلين على الدكتوراه، حتى أصبحت هذه الشهادة عنوانا للبطالة، لأن نسبة الموظفين في المؤسسات الحكومية تفوق الاحتياجات الفعلية، أي أن هناك بطالة مقننة. وأوضح الرافعي، الذي شغل منصب وزير التربية والتعليم في مصر سابقا، أن حملة الدكتوراه يتحملون جانبا من الأزمة، لأن أكثرهم يرفضون التوظيف في أي مكان سوى الجامعات، كأعضاء هيئة تدريس في حين أن قانون العمل في الكليات الجامعية تحكمه قواعد لا تنطبق عليهم أو تشملهم أحيانا، لافتا إلى أن الحل الأمثل أن تكون أولوية التعيين مستقبلا في المسابقات الحكومية وفقا لشرط المؤهلات الجامعية الأعلى. ويصل عدد حاملي الدكتوراه في مصر قرابة 16 ألف شخص، حتى نهاية عام 2017، ومع إعلان هالة السعيد وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، قبل أيام انتهاء عصر التوظيف بالحكومة، فإن هؤلاء أصبحوا مطالبين بالبحث عن وظائف أخرى بعيدا عن الجهاز الإداري للدولة.

وعندما تظاهر حملة الماجستير والدكتوراه أمام مجلس الوزراء المصري في ديسمبر من العام 2015، رد الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، المسؤول عن توفير الوظائف الحكومية، بأن حملة هذه المؤهلات يرغبون بالتعيين في جهات معينة، ذات مزايا نوعية لأجل الحصول على رواتب عالية.

وقال باسم سعيد، الحاصل على الدكتوراه في المحاسبة قبل أربعة أعوام، ويعمل حاليا في إصلاح الحواسيب الآلية، إنه تقدم للعمل في أكثر من وظيفة حكومية، لكن المشكلة أن شروط التوظيف مفتوحة للجميع وتساوي بين الخريج الجامعي وحامل الماجستير أو الدكتوراه، وكثيرا ما تكون الوساطات والمعارف والعلاقات أهم من الشهادة.

وأشار، إلى أنه يعرف الكثير من زملائه الحاصلين على شهادات الدكتوراه، ولم يتم توظيفهم في جهات حكومية، وبعضهم التحق للعمل في شركات خاصة ومنهم من أقاموا مشاريع خاصة وافتتحوا محال تجارية بعيدا عن مؤهلاتهم الجامعية، كما أن البعض منهم عاطل عن العمل تماما.

 

الحبيب مباركي / كاتب تونسي

آخر الأخبار

قمر بن عثمان لاعبة كرة اليد بالجمعية النسائية بالحمامات ..تألق وتميز عن جدارة

قمر بن عثمان لاعبة كرة اليد بالجمعية النسائية بالحمامات ..تألق وتميز عن جدارة

التاكسي في تونس هو مرآة للفوضى الاجتماعية وأزمة في القيم

التاكسي في تونس هو مرآة للفوضى الاجتماعية وأزمة في القيم

في تونس نحن لا نبحث عن إرادة سياسية، بل في حاجة إلى إرادة وطنية بقيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد

في تونس نحن لا نبحث عن إرادة سياسية، بل في حاجة إلى إرادة وطنية بقيادة رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد

مالك سعادة يلتحق بالمنتخب الوطني لأقل من 20 سنة استعداداً للتصفيات الإفريقية

مالك سعادة يلتحق بالمنتخب الوطني لأقل من 20 سنة استعداداً للتصفيات الإفريقية

رحيل صادم: البطل التونسي رامز بوعلاقي يغادر المنتخب الوطني في إسبانيا

رحيل صادم: البطل التونسي رامز بوعلاقي يغادر المنتخب الوطني في إسبانيا

Please publish modules in offcanvas position.