القراءات السياسية في تونس ترجح أن تنال حكومة إلياس الفخفاخ المُقترحة ثقة البرلمان ليس لأنها تستجيب لمُتطلبات المرحلة وإنما لأنها حكومة "الضرورة الدستورية".
يترقب التونسيون الجلسة البرلمانية العامة المقررة، الأربعاء، والتي ستكون حاسمة للتصويت على منح الثقة أو رفض الحكومة الجديدة التي قدمها إلياس الفخفاخ بعدما شهدت مفاوضات تشكيلها تجاذبات سياسية حادة.
تونس- تستعد الحكومة التونسية برئاسة إلياس الفخفاخ، لمواجهة اختبار منح الثقة تحت قبة البرلمان، وسط أجواء لا تخلو من التجاذبات السياسية والمناورات، التي لا تتوقف عن الدفع بسياقات جديدة ستكون محكومة بتداعيات الخلافات المُستفحلة بين رئيس حركة النهضة والبرلمان، راشد الغنوشي، والرئيس قيس سعيد، الأمر الذي يشي بمعركة ساخنة ستفرض عناوينها على مجمل العملية السياسية خلال الأشهر القليلة القادمة.
ويعقد مجلس نواب الشعب (البرلمان)، الأربعاء، جلسة عامة لمناقشة منح الثقة للحكومة التي أعلنها إلياس الفخفاخ، وذلك في الوقت الذي تُجمع فيه القراءات السياسية على أنها ستتجاوز هذا الاختبار بأريحية لا تخلو من المفاجآت التي قد تبرز على السطح لأسباب مُتعددة منها ما يتعلق بالبرنامج السياسي والاقتصادي لهذه الحكومة، ومنها ما يتعلق بالتمثيلية الحزبية داخل الحكومة المُقترحة.
وأعلن الفخفاخ في التاسع عشر من الشهر الجاري عن تشكيلة حكومته التي قال إنه توصل إليها بعد مشاورات مُضنية “كانت رغم صعوبتها وتعقيداتها حالة ديمقراطية راقية، أظهر فيها الجميع درجة عالية من المسؤولية، انتهت بتغليب المصلحة الوطنية العليا”، حيث “تكونت من ائتلاف واسع يمثل الطيف السياسي بتنوعاته، ومنفتح على كافة العائلات السياسية والفكرية، يقوم على فكرة تعاقدية شكلت أرضية سياسية غايتها ضمان الاستقرار”.
وتتألف هذه الحكومة التي قال إنها ترنو إلى “إعادة الأمل والثقة للشعب التونسي”، من 32 عضوا (30 وزيرا وعدد 2 كاتب دولة)، 17 منهم مُستقلون، بينما ينتمي البقية أي 15 عضوا إلى حركة النهضة الإسلامية (6 وزراء)، وحزب التيار الديمقراطي (3 وزراء)، وحركة الشعب (وزيران)، وحزب تحيا تونس (وزيران)، وكتلة الإصلاح الوطني (وزيران).
وتضم هذه الحكومة 6 نساء، وهي تتميز بارتفاع نسبة المستقلين فيها (38 بالمئة)، مقابل 21.8 بالمئة من المُتحزبين، فيما لا يتجاوز مُعدل أعمار أعضائها 53 عاما، لكن ذلك، لم يشفع لها، حيث تواترت الانتقادات الموجهة لها تحت عناوين مُتعددة تبدأ بالإقصاء، ولا تنتهي عند وصفها بحكومة “المُحاصصة والترضيات الحزبية”.
وتذهب القراءات السياسية إلى ترجيح أن تنال الحكومة المُقترحة ثقة البرلمان ليس لأنها تستجيب لمُتطلبات المرحلة، وإنما لأنها حكومة “الضرورة الدستورية” التي من شأنها تفادي “الفراغ الحكومي”، أولا، وقبل ذلك، قطع الطريق أمام خيار تخشاه حركة النهضة الإسلامية ومعها العديد من الأحزاب الأخرى، وهو الذهاب إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، كان الرئيس قيس سعيد قد لوح به في وقت سابق.
ويستند هذا الترجيح إلى تصريحات سابقة لرئيس حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، أكد فيها أن حركته (52 مقعدا برلمانيا) راضية عن التركيبة الحكومية المعلنة، التي “شاركت فيها عدة أحزاب بشخصيات كبيرة ذات أهمية من الوزن الثقيل”. وقبل ذلك، استبقت حركة النهضة الإعلان عن التشكيلة الحكومية، بالتأكيد أنها ستمنحها الثقة في البرلمان، وأرجعت ذلك، إلى ما قالت في بيان لها إن قرارها يأتي “تقديرا للظروف الإقليمية المعقدة والخطيرة ولاسيما من جهة مخاطر الحرب في الشقيقة ليبيا والأوضاع الداخلية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة”.
واعتبرت أن ذلك “يستوجب تعجيلا بتسليم إدارة البلاد إلى حكومة جديدة قادرة على إنفاذ الإصلاحات المتأكدة وتحسين عيش المواطنين والاستجابة لتطلعاتهم ومطالبهم التي لم تعد تحتمل التأجيل وحتى نجنب بلادنا متاهة الجدل القانوني والتجاذبات المضرة بالوحدة الوطنية”.
تضم هذه الحكومة 6 نساء، وهي تتميز بارتفاع نسبة المستقلين فيها (38 بالمئة)، مقابل 21.8 بالمئة من المُتحزبين، فيما لا يتجاوز مُعدل أعمار أعضائها 53 عاما
وسجلت في بيانها “أسفها لعدم توصل المشاورات مع رئيس الحكومة المكلف لتكوين حكومة الوحدة الوطنية واسعة المشاركة تحقيقا لشروط النجاح في إنفاذ الإصلاحات الكبرى والتنمية العادلة واستكمال بناء المؤسسات وتأهيل البلاد لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية المتزايدة الخطورة مما يفرض على جميع القوى استمرار الجهود لتوسيع قاعدة الحكومة سياسيا وبرلمانيا واجتماعيا”.
وعلى هذا الأساس، يرى مراقبون أن حركة النهضة الإسلامية تكون بهذا البيان قد مهدت الطريق لحصول الحكومة المُقترحة على ثقة البرلمان، ولكن بأغلبية محدودة لن تتجاوز 112 صوتا من أصل 217، حتى تبقى تحت رحمة مناوراتها التي لم تتوقف، والتي اتخذت أبعادا أخرى أملتها الخلافات المُتصاعدة بين الغنوشي والرئيس قيس سعيد التي بدأت تتدحرج نحو مربعات خطيرة.
ولاحظ المراقبون أن المفاوضات التي رافقت تشكيل الحكومة في تونس كشفت عن وجود خلافات عميقة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد وحزب النهضة.
وفي سياق تطورات هذه الخلافات، لم ينتظر الغنوشي طويلا للرد على تصريحات سابقة للرئيس قيس سعيد شدد فيها أن “عهد الدول داخل الدولة انتهى وأن التشتت انتهى، وأن هناك رئيس دولة واحدا، وليس ثلاث رئاسيات، وأن تونس تستعد للدخول في مرحلة جديدة بتصور جديد”.
واعتبر الغنوشي في رده على تلك التصريحات التي أثارت غضب العديد من قيادات حركة النهضة التي وصفتها بأنها محاولة من الرئيس قيس سعيد “للانحراف بنظام الحكم إلى الرئاسي”، أن “عهد السلطة المركزية انتهى، وأن الدستور حدد صلاحيات الرئاسات الثلاث، ووزع السلطة والحكم بين قرطاج (الرئاسة) والقصبة (الحكومة) وباردو (البرلمان)”.
الجمعي قاسمي
صحافي تونسي