الصفحة 3 من 4
عامل التوقيت
أجبرت كل هذه المطبات رئيس الجمهورية قيس سعيّد على تحريك صلاحية الأمن القومي بإشرافه في أكثر من مرة على مجلس الأمن القومي الذي يخوّل له الدستور اتخاذ ما يراه صالحا للبلاد في الحالات الاستثنائية والقاهرة.
وألمح قيس سعيد في أكثر من تصريح عن رغبته في وجوب تعديل النظام السياسي، كاشفا عن عمق الصراع بين الرئاسات الثلاث بحديثه مثلا في آخر خطاب توجّه به للتونسيين عن ضرورة احترام كل سلطة لصلاحيات الأخرى.
كما أكّد الرئيس التونسي خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي، أنه “لا مجال لأخذ قرارات من قبل أي سلطة محلية أو جهوية من دون الرجوع إلى السلطة المركزية والتنسيق معها”، مشددا على أنّ “هناك دولة واحدة موحدة، ولا مجال في تونس لمن يريد أن يضعف الدولة ومؤسساتها”.
أمام هذه التصدعات التي تزيد في تأزيم الوضع وإثقال كاهل المواطنين بمعارك لا تنفع مستقبلهم، تنقسم مواقف الفاعلين السياسيين إلى قسمين؛ الأول يدافع عن فكرة أن دستور الجمهورية الثانية هو الأصلح لقيادة البلاد شريطة استكمال مبادئه وفصوله بإتمام تركيز الهيئات الدستورية التي لا تزال معطّلة، فيما يدفع القسم الثاني إلى العودة للنظام الرئاسي كي يكون الشعب قادرا في المستقبل على تحميل مسؤولية الحكم لطرف بعينه.
وتقول سعيدة قراش الناشطة السياسية والناطقة الرسمية سابقا لمؤسسة رئاسة الجمهورية في عهد الراحل الباجي قائد السبسي، إن “الإجابة عن سؤال هل حان وقت تغيير النظام السياسي في تونس لا بد أن تخضع لمسألتين هامتين، الأولى مرتبطة بالمطلق وهو هل يجب التغيير؟ حينها تكون الإجابة إجابتي بنعم دون شك”.
وتضيف قراش التي كانت شاهدة على حكم خمس سنوات في عهد قائد السبسي وما كثر فيها من حديث عن عزمه خلال ولايته تقديم مبادرة لتعديل النظام السياسي في تصريح لـ”العرب”، “هذا النظام اختارته الأغلبية السياسية التي أفرزتها انتخابات أكتوبر 2011 التي سيطرت عليها القوى الإسلامية والتي تمثل مسألة الحفاظ على النظام شبه البرلماني لديها مسألة وجود.
وأكدت قراش أنه رغم تقهقر القاعدة الانتخابية للقوى الإسلامية في كل المحطات الانتخابية اللاحقة في تونس فإن ذلك لم يمنعها من أن تبقى القوة السياسية الأساسية المتحكمة بإدارة السلطة وبالقرار السياسي وأن تجني مزايا المشاركة في السلطة ولكن أيضا تحتفظ بمكارم المعارضة وبالتالي التملّص من كل نتائج خياراتها وتبعاتها.
ومنذ عام 2011، شاركت حركة النهضة في هندسة كل الحكومات ورغم كل النتائج الهزيلة اقتصاديا وتفشي الإرهاب الذي أدى إلى اغتيال السياسيين المعارضين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي في عام 2013 وكذلك حصول حوادث إرهابية كثيرة راح ضحيتها العشرات من الأمنيين والعسكريين، فإن الحزب الإسلامي تملّص سياسيا من تحمل المسؤولية لوحده عبر تعويم الأمور بالاستناد على النظام السياسي الذي يحمّل الجميع أعباء الحكم.
وقالت سعيدة قراش إن “ما يميز النظام السياسي الحالي هو تشتيت مراكز القرار وتعقيد آليات اتخاذه وقد تجلى ذلك في صراع الصلاحيات المفضوح عند إدارة أزمة كورونا”.
وعلى الطرف الآخر، تستميت القوى الحزبية المتشبثة بمنطق الثورة في الدفاع عن ضرورة الحفاظ على النظام السياسي الحالي تجنبا للعودة إلى مربع منح كل الصلاحيات لشخص واحد مثلما كان الأمر في عهدي الرئيسين زين العابدين بن علي ومن قبله الرئيس الحبيب بورقيبة وترفض أي حديث عن تقديم أي مبادرات تشريعية في الوقت الحالي لتعديل النظام السياسي.
وقال في هذا الصدد، عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري إن “الدعوة لتعديل النظام السياسي هي شماعة استعملها كل من ربح الانتخابات وصعد إلى سدة الحكم بعد إقرار دستور 2014 لتعليق صعوبات الفشل عليها عوض البحث عن إصلاح الرؤية السياسية والتوجهات الاقتصادية”.
ويقصد الشابي بالأطراف التي حكمت بعد عام 2014، تحديدا حزب نداء تونس -أسسه الباجي قائد السبسي- الذي كان بمقدوره افتكاك الحكم من حركة النهضة الإسلامية لكنه فشل في ذلك بعدما نخرته الأزمات إلى أن تلاشى وتشظى إلى أكثر من حزب.
وأكد الشابي أنه في كل مرة تتم العودة إلى هذا الجدل وإلى الحديث عن تعديل النظام، قائلا “برأيي النظام السياسي في تونس لم يكتمل بناؤه بعد، المؤسسات الدستورية الأساسية لم تبن بعد وأهمها المحكمة الدستورية”.
وأضاف أن دستور الجمهورية الثانية ينقصه استكمال إرساء هذه المؤسسات ولذلك قد يأتي وقت لتقييم النظام السياسي وتعديله، لكن من غير المناسب أن تنحصر قضايا التونسيين راهنا في قضايا الترف الفكري السياسي بحسب تعبيره.
وأوضح أن المطلوب حاليا هو تغيير منوال التنمية خاصة أن أزمة كورونا أثبتت أن الخيارات الاقتصادية التي سادت قبل الثورة وبعدها هي خيارات بالية، فقطاعات الصحة والتعليم والنقل كلها قطاعات باتت في حاجة إلى ثورة جديدة.