أصحاب المؤسسات التونسية يلوحون بعدم صرف رواتب الموظفين وهو ما ينذر باحتقان اجتماعي في حال المضي في الإجراء الأحادي.
احتدم الخلاف مجددا بين اتحاد العمال واتحاد أرباب العمل في تونس بشأن التدابير الاقتصادية والاجتماعية التي يجب اتباعها لمواجهة تداعيات وباء كورونا، ما يمثل ضغطا على الأجندة الحكومية التي تسعى إلى الحفاظ على مواطن الشغل دون إلحاق أضرار بالمؤسسات الاقتصادية. ويرى أرباب العمل أن الإبقاء على الحجر الصحي يكبدهم خسائر يستحيل معها تأمين رواتب الموظفين، فيما يتمسك اتحاد العمال بتأمين رواتب منظوريه.
تونس – يتسلح اتحاد العمال بضغوط الحكومة التونسية خاصة عدم تسريح الأجراء بسبب أزمة كورونا في مواجهة تلويح اتحاد أرباب العمل بعدم دفع رواتب الموظفين ما لم يتم رفع الحجر الصحي العام عن البلاد.
ويقول أرباب العمل إنه ليس بمقدورهم توفير رواتب الموظفين في ظل توقف نشاطهم، على الرغم من الإجراءات الحكومية لدعمهم، ما ينذر باحتقان ستكون تداعياته الاجتماعية وخيمة في صورة المضي في مثل هذا الإجراء الأحادي.
والثلاثاء، وقع كل من وزير الشؤون الاجتماعية محمد الحبيب الكشو ورئيس اتحاد العمال نورالدين الطبوبي ورئيس اتحاد أرباب العمل سمير ماجول اتفاقا يتعلق بتسديد رواتب العاملين في القطاع الخاص لشهر أبريل، على أن تقوم الحكومة بتقديم مساعدة استثنائية ظرفية بقيمة 200 دينار (65 دولارا) وتتحمل المؤسسة الاقتصادية المبلغ المتبقي من الراتب.
لكن في المقابل عبرت كنفدرالية المؤسسات التونسية “كونكت” عن رفضها القطعي لهذا الاتفاق، ما فتح جولة جديدة من الخلافات وتبادل الاتهامات بين ممثلي العمال وأرباب العمل.
وردّ الطبوبي بالقول “على الأطراف التي تسعى إلى التعدي على حقوق الموظفين، أن تبادر بإرجاع ديون الدولة وديون الشركة التونسية للبنك المتخلدة بذمتها”.
وحذّر منظمة أرباب العمل من الالتفاف على اتفاق تسديد رواتب شهر أبريل بعد أن صرح عضو المنظمة جمال الكسيبي، الخميس، بأن الشركات ليست لديها سيولة كافية لصرف رواتب موظفيها. وقال “الاتفاق الذي تم إمضاؤه واضح والموظفون سيتحصلون على مرتباتهم”.
ودخلت تونس في حجر صحي عام يوم 23 مارس الماضي لمدة أسبوعين تم تمديدها لفترة أخرى تنتهي يوم 19 أبريل الجاري، فيما ترجح وزارة الصحة المزيد من التمديد إلى غاية 3 مايو القادم، ما أثار حفيظة منظمة أرباب العمل ودفعهم إلى تكثيف ضغوطهم على الحكومة.
وطالبت المنظمة بضرورة العودة التدريجية إلى العمل، تفاديا للمزيد من الخسائر التي تكبدتها.
واعتبرت المنظمة أن “مساندة الموظفين القطاع الخاص في هذه الظروف الصعبة تمر حتما عبر المساندة المباشرة لكل المؤسسات ولكل القطاعات لأن ديمومتها الاقتصادية وتواصل نشاطها هما الضامن الوحيد لتحقيق العيش الكريم في هذه الظروف الصعبة خاصة مع قرب حلول شهر رمضان المعظم”.
وتأتي الدعوة قبل أيام على انتهاء الفترة الثانية للحجر الصحي والتي توافق 19 من الشهر الجاري، لكن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ قرر تمديد الحجر العام إلى غاية 3 ماي القادم. وينتظر أن ينظر مجلس الأمن القومي الذي يشرف عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد في المقترح الحكومي لتمديد فترة الحجر من عدمه.
ويرى مراقبون أن منظمة أرباب العمل تسعى من خلال دعوتها إلى رفع الحجر في هذا التوقيت إلى التأثير على قرار مجلس الأمن القومي وتغيير بوصلته في اتجاه الرفع التدريجي للحجر.
وقال المحلل السياسي طارق الكحلاوي في تصريح لـ“العرب” إن “اتحاد أرباب العمل يدافع عن مصالح منظوريه”، مضيفا “قرار استئناف العمل بصفة تدريجية يبنى على جملة من المعطيات الواقعية حتى يكون قرارا متكاملا في أبعاده الاقتصادية والاجتماعية”.
وتابع “من مصلحة أرباب العمل استئناف العمل مع توفير الضمانات الكاملة التي تحول دون انتشار الفايروس”.
وعلى الرغم من استبعاد الأطباء رفع الحجر الصحي العام في البلاد بناء على معطيات علمية، إلا أن خطة حكومية لتوفير الكمامات الواقية من العدوى بكميات تلبي حاجات التونسيين تؤشر على استعدادات لرفعه ولو تدريجيا.
ويرى متابعون أن الاستعدادات الحكومية تأتي استجابة للضغوط التي مارسها أرباب العمل، وما توفير الكمامات إلا خطوة أخيرة أمام رفع الحجر تدريجيا.
وتستعد تونس بداية من الأسبوع القادم إلى بيع الكمامات الواقية متعددة الاستعمالات، وذلك بعد أيام من إعلان وزير الصحة عبداللطيف المكي أن ارتداء الأقنعة الواقية سيكون ضروريا بالنسبة لجميع التونسيين بغض النظر إن كانوا مصابين بفايروس كورونا أو لا.
وكان المكي قد أكد في وقت سابق أن “ارتداء الكمامة الطبية سيصبح إجباريا بعد انقضاء فترة الحجر الصحي”.
وفي وقت سابق دخلت الحكومة في مواجهة مع أرباب العمل بعد أن اتهمتهم بالتقصير في تعبئة الموارد المالية لمواجهة وباء كورونا، وصلت إلى حد التهديد بتوظيف ضريبة استثنائية على الثروة.
وقال رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ “بعض الشركات الكبرى لديها أموال ولم تدفع مبالغ كافية لمواكبة جهود الدولة”، مهددا “إذا لم نصل إلى ما نحتاج قد نضطر إلى اتخاذ قرارات من جانب واحد ولكن نأمل ألا نصل إلى ذلك”.
ويرى مراقبون في تصريحات الفخفاخ “تهديدا ضمنيا” ينذر بتصاعد التوتّر بين السلطة ومنظمة أرباب العمل التي تشترط تمتيعها بإعفاء من دفع الضرائب مقابل المساهمة في تعبئة الموارد المالية لمواجهة تداعيات الوباء وهو ما ترفضه السلطة.
ويقول سمير ماجول رئيس منظمة أرباب العمل إن الشركات التونسية تمر بأزمة اقتصادية خانقة وليس باستطاعتها معاضدة المجهودات الحكومية والتبرع بأموال كبيرة تطلبها السلطات، فيما تنشد السلطة في تونس تعبئة 70 مليون دينار (23 مليون دولار) لتغطية مصاريف وزارة الصحة للتوقي من انتشار الوباء.
وحمّل ماجول الخلاف الاقتصادي مع الحكومة التونسية أبعادا سياسية، حيث صرح بالقول “المؤسسات أفلست في تونس ولن نعطي الأموال للجماعة”، وذلك في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية التي اتهمها ماجول بشكل مباشر بضرب النسيج الاقتصادي والمساهمة في إفلاس الشركات عبر سياساتها الاقتصادية.