دعوات إلى كسر الجمود السياسي للتفرغ للنهوض بالاقتصاد.
مع تأزم الوضع السياسي في تونس تتصاعد الدعوات إلى ترحيل الخلافات بين مكونات المشهد السياسي وتشكيل حكومة إنقاذ قد تكون من بين مخرجات الحوار الوطني المزمع تنظيمه لاحقا، حيث دعت العديد من الشخصيات السياسية إلى التسريع بهذا الحوار وتشكيل حكومة إنقاذ مصغرة في ظل فشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق مطالب التونسيين وإرساء استقرار سياسي في نفس الوقت.
تونس - دعت شخصيات سياسية تونسية إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني (مصغرة) بعد إجماع على فشل الحكومات المتعاقبة في أداء مهامها للتقليص من حدة التوتر السياسي القائم وسط تساؤلات عن إمكانية حشد الدعم لها من جلّ أطراف المشهد السياسي، وعدم خضوعها لسيطرة أي جهة بخلاف الحكومات السابقة.
واقترح الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي الأحد (ممثل بـ3 مقاعد برلمانية) تشكيل حكومة إنقاذ وطني تنخرط فيها كل القوى التي ترغب في ذلك بهدف حلحلة الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد، خصوصا في ظل تعطل لغة الحوار بين الماسكين بزمام السلطة بعد احتدام الصراعات بين الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية قيس سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي).
وبين المرايحي على هامش لقاء إعلامي نظمه الحزب بمدينة قابس أن تونس لا يمكن أن تنتظر أكثر بحكم التحديات والرهانات الكبيرة التي يتعين عليها رفعها، مشيرا إلى أنه “من حق أي تيار سياسي الاختلاف مع بقية التيارات، إلا أن هذا الاختلاف لا يجب أن يصل إلى العداء وإلى ما نشهده اليوم من مناكفات وعنف لفظي ومادي”.
وأضاف “تونس اليوم تعيش وضعية إفلاس”، مبينا أن حزبه كان أكد منذ سنوات أن الرهان في البلاد هو رهان اقتصادي وليس سياسيا، قائلا “إن الإخفاقات والتجاذبات السياسية تعود بالأساس إلى فشل من تولوا الإدارة وعجزهم عن إيجاد حلول للمشكلة الاقتصادية”.
ولئن تغيرت أسماء الحكومات من فترة إلى أخرى فإن المناخات السياسية وخصومات الأحزاب لم تنته، فضلا عن تفاقم خلافات الرئاسات الثلاث ما وضع تونس في مأزق حقيقي ترجمه التعثر الاقتصادي والتوترات الاجتماعية التي تندلع من حين إلى آخر.
وتداول على إدارة الشأن العام بالبلاد منذ 2011 تسعة رؤساء حكومات، دون احتساب الحبيب الجملي الذي أخفق في إقناع البرلمان بفريقه الحكومي في 2020.
وخلال عشر سنوات تولّى الحكومات التونسية المتعاقبة كل من محمد الغنوشي ثم الراحل الباجي قائد السبسي ثم حمادي الجبالي وبعده علي العريّض، وخلفه مهدي جمعة، ثم الحبيب الصيد فيوسف الشاهد، وسقطت حكومة الحبيب الجملي لعدم نيلها الثقة، ثم إلياس الفخفاخ الذي استقال وخلفه هشام المشيشي.
وأفاد غازي الشواشي أمين عام التيار الديمقراطي أن “تشكيل الحكومات يخضع إلى النظام السياسي بالبلاد (نظام برلماني معدل)، بمعنى أن الحكومات تنبثق عن البرلمان (الأغلبية برلمانية)”.
وأضاف أنه “في الوضع الراهن الرئيس قيس سعيّد غير قادر على تكوين حكومة، وأي تشكيل حكومي يجب أن يخضع للنظام السياسي المعتمد، وحكومة التكنوقراط برئاسة هشام المشيشي ليست مسيّسة، لكنها لا تعكس خيارات التونسيين”، لافتا إلى أن “منحها الثقة كان خشية من إمكانية حل الرئيس للبرلمان، فرأت حركة النهضة وحلفاؤها أنه لا بد من منحها الثقة”.
وتابع “حكومة المشيشي هي حكومة تصريف أعمال لا أكثر، تدير شؤون الدولة بالنيابة ورحيلها اقترب (…) لا بد من تشكيل حكومة إنقاذ وطني حاملة لمشروع إنقاذ يكسب التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتكون مسنودة من الأحزاب والمنظمات الوطنية”.
وأردف “ليس لدينا خيار آخر اليوم إلا إطلاق الحوار الوطني لخلق خارطة طريق، ومبدئيا أقنعنا الرئيس سعيد بضرورة هذا الحوار، ولا بد أن تكون هناك حكومة سياسية بامتياز تعكس طموحات التونسيين ومنبثقة من الكتل البرلمانية وقادرة على الإصلاح والتغيير”.
وبينما ترى أطراف أن حكومة الإنقاذ أصبحت مطلبا ملحًا أكثر من أي وقت مضى، تعتبر أخرى أن المشكلة لا تكمن في تسمية أو صبغة الحكومة، مستبعدة أن تفلح الأطراف المتناحرة سياسيا في تشكيل حكومة توافقية جديدة بنفس المكونات السابقة.
واعتبر الناشط السياسي وأمين عام حركة تونس إلى الأمام عبيد البريكي ” أن “المشهد الحالي في البلاد بهيكله التشريعي ورأسي السلطة ووضعه المأزوم غير قادر على التغيير، ولا يملك ما يقدمه من حلول”.
وتساءل البريكي “ماذا ستنقذ حكومة الإنقاذ بنفس أطراف المنظومة الحالية التي هي الأصل في الأزمة؟ فحركة النهضة مثلا موجودة على رأس السلطة منذ 2011، فكيف يمكن أن ننقذ البلاد بمن أفسدوها؟”.
وبرأي البريكي فإن “الحل يكمن في حل البرلمان بعيدا عن طرحه من الزاوية الدستورية”، قائلا “أدعو إلى أن يكون موعد 9 أفريل (ذكرى عيد الشهداء) القادم مناسبة لهبة شعبية تطالب بحل البرلمان”.
وباعتبار أن فرضيات حل البرلمان دستوريا غير متوفرة في هذا التوقيت، أوضح البريكي أن “الرئيس سعيد من واجبه حل البرلمان لأن كل مرتكزات الأمن انهارت، ومن مسؤولياته الحفاظ على أمن واستقرار البلاد وبوصفه رئيس مجلس الأمن القومي”، متابعا “حكومة إنقاذ وحكومة وحدة وطنية وغيرهما، كلها حكومات جُرّبت فخرّبت”.
وترزح تونس تحت وطأة أزمة سياسية بين رؤوس السلطة، يحتدم معها صراع الصلاحيات والتموقع وسط تجاذبات برلمانية حادة وصلت إلى حد العنف الجسدي مقابل وضع اجتماعي واقتصادي مأزوم ترافقه الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بالتنمية والتشغيل وتحسين ظروف العيش.
خالد هدوي
صحافي تونسي