التجاهل الدولي لرئيس حركة النهضة يعزز الانطباع بأنه ورقة سياسية محروقة.
تونس- عزز إهمال الرئيس التونسي قيس سعيد الكامل لرئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من حالة العزلة التي يعيشها داخل الحركة وخارجها، وهو الأمر الذي صار واضحا في تذبذب مواقفه السياسية والإعلامية.
وبدت هذه العزلة بشكل أكثر وضوحا في الخلافات الحادة التي شهدها اجتماع مجلس الشورى وسط دعوات لتنحي الغنوشي عن القيادة وتشكيل قيادة جديدة تلقى القبول من الفرقاء السياسيين وتساهم في تهدئة التوتر بين الحركة ورئيس الجمهورية.
ورغم نجاح الغنوشي في إسكات موجة الغضب داخل مجلس الشورى، وإن بشكل مؤقت، إلا أن ردود الفعل على الاجتماع أظهرت أن رئيس الحركة لم يعد يلقى الثقة بين أنصاره بسبب تقلب مواقفه وتصريحاته. كما اتهم بأنه سعى لدفع الحركة إلى مواجهة مع الدولة من أجل الحفاظ على مكاسبه الشخصية.
والتقطت حركة النهضة نفسها إهمالا دوليا ملموسا للغنوشي حيث لم يبادر أيّ مسؤول غربي بمستوى رفيع إلى إجراء أيّ مكالمة معه، كما أن التواصل الخارجي ظل مع الرئيس سعيد فقط.
وبدد هذا الإهمال الدولي الصورة التي يرسمها الغنوشي وأتباعه عن علاقاته الخارجية المتينة وصداقاته مع شخصيات غربية وعربية، وهو ما أعطى انطباعا قويا بأنه شخصية ثانوية يمكن التخلي عنها من أجل استقرار تونس.
وتقول أوساط مقربة من حركة النهضة إن الرسالة الأهم التي تلقّاها قادة النهضة وأنصارها أن الغنوشي بات ورقة محروقة سياسيا، وأن لا دور له في المرحلة الجديدة، وهو ما يفسر رغبة قياديين بارزين في تغيير القيادة الحالية وتعويضها بقيادة وقتية تلقى القبول لدى الفرقاء وخاصة لدى رئيس الجمهورية.
وتشير هذه الأوساط إلى أن أكثر من قيادي بارز في النهضة بات متأكدا من أن وجود الغنوشي لن يفيد الحركة في المرحلة القادمة، وأنه من الأفضل إما أن يعلن استقالته من رئاسة الحركة أو تتم إقالته لأن بقاءه سيراكم عزلة النهضة داخليا وخارجيا، وأن هناك رسائل قد وصلت إلى الحركة في هذا الاتجاه.
ورغم الغضب الداخلي، فإن الغنوشي نجح في أن يفرض نفسه على رأس خلية الأزمة التي يفترض أن تتولى إدارة الحركة وتضبط تفاعلها مع تطورات ما بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو، ما جعل عناصر من النهضة تقول إن رئاسة الغنوشي لهذه اللجنة تعني توسيع دائرة الخصوم وزيادة الشكوك لدى الأصدقاء في قدرة الحركة على الاستجابة لتحديات المرحلة.
وأعلن عدد من أعضاء مجلس الشورى عن انسحابهم من الجلسة بعد أن تأكدوا أنها تسير في اتجاه الحفاظ على خيارات الغنوشي. وأعلنت منية إبراهيم على صفحتها الرسمية في فيسبوك الانسحاب من الدورة الاستثنائية للمجلس.
وكتبت “لا أتحمل مسؤولية أيّ قرار يصدر من الجلسة نتيجة سياسة الهروب إلى الأمام وعدم الانتباه لخطورة اللحظة التي تمر بها الحركة والبلاد”. وأضافت “لن أكون شاهدة زور” .
ويتحرك الغنوشي من النقيض إلى النقيض، وبعد أن وصف إجراءات الخامس والعشرين من يوليو بأنها “انقلاب” وحث على الاحتجاجات لمواجهته، تغير موقفه تماما حين قال أمام مجلس الشورى إن “علينا أن نحول إجراءات الخامس والعشرين من جويلية (يوليو) إلى فرصة للإصلاح ومرحلة من مراحل التحول الديمقراطي”.
وأثار هذه الانقلاب في المواقف ردود فعل غاضبة داخل مجلس الشورى، مثلما أثاره لدى أنصار الحركة على مواقع التواصل الاجتماعي، واضطر الغنوشي إلى الالتفاف على التصريح وتم سحبه من الصفحة الرسمية للحركة لاحقا، وتحميل مسؤولية تحريف التصريح إلى عضو مجلس الشورى سامي الطريقي.
وقال صهر الغنوشي رفيق عبدالسلام إن “التصريح الذي نقله سامي الطريقي لا علاقة له بما ورد من مداولات في مجلس الشورى، وهو رأي شخصي لا يلزمه إلا هو”.
واضطر الطريقي إلى تقديم صيغة جديدة لتخفيف ما نقله عن الغنوشي بأن أكد أنّ “رئيس الحركة لم يذكر أن ما وقع هو تحول ديمقراطي إنما قلت يجب أن تصبح تلك الإجراءات ضمن المسار الديمقراطي وألاّ يخرج عنه”.
وسعى البيان الختامي لمجلس الشورى إلى مسك العصا من المنتصف، بحديثه عن “ضرورة العودة السريعة إلى الوضع الدستوري الطبيعي”، لكن نقاطه العشر تظهر أن الحركة تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في المرحلة الجديدة، من خلال الدعوة إلى الإسراع بتشكيل الحكومة.
وكان هدف البيان الأساسي محاولة تبرئة الحركة من الأزمة الحادة التي عاشتها البلاد في المرحلة الماضية، وهو ما يكشف عن رأي عام داخل النهضة يحمّل الغنوشي مسؤولية الغضب الشعبي الذي طال الحركة وظهر من خلال شعارات تحمّلها مسؤولية الفساد والمحسوبية.
وقال إن الحركة “تتفهّم الغضب الشعبي المتنامي، خاصة في أوساط الشباب، بسبب الإخفاق الاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات من الثورة”، حاثا على “الانخراط المبدئي في محاربة الفساد وملاحقة المتورّطين فيه، مهما كانت مواقعهم وانتماءاتهم”.
وأقدم محتجون يوم الخامس والعشرين من يوليو على اقتحام مقرات حركة النهضة في أكثر من محافظة تونسية، للتعبير عن غضبهم من سياسة الحركة وأدائها في إدارة شؤون البلاد، رافعين شعارات تطالب بخروجها من الحكم.
ورغم أن الغنوشي وصف الآلاف من الذين خرجوا للتظاهر ضد الحركة بأنهم “أقرب إلى الجماعات الفوضوية”، إلا أن مجلس الشورى اعتبر أن ذلك رسالة واضحة من الشارع التونسي إلى الحركة.
وحث المجلس على “قيام حركة النهضة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها وإطاراتها، في أفق مؤتمرها الحادي عشر المقرر لنهاية هذه السنة، لإعادة النظر في خياراتها وتموقعها، بما يتناسب مع الرسائل التي عبر عنها الشارع التونسي وتتطلّبها التطورات في البلاد”.