أدى تأخر الرئيس التونسي قيس سعيد في الإعلان عن خارطة طريق للفترة القادمة بعد إعلانه عن إجراءات استثنائية في الخامس والعشرين من يوليو وما ترتب عليها من إمساكه بزمام السلطة التنفيذية إلى إطالة حالة الترقب وزيادة القلق بين التونسيين، وسط توسع الدعوات المطالبة بالإسراع في الإعلان عن خارطته خاصة أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا تتحمل المزيد من التأخير.
تونس - توسعت دائرة الدعوات التي تطالب الرئيس قيس سعيد بتوضيح خارطة الطريق للمرحلة المقبلة عقب إعلانه إجراءات استثنائية في الخامس والعشرين من يوليو قادت إلى تجميد أعمال البرلمان والحكومة السابقة، فيما يشير متابعون إلى أن تردد وتأخر الرئيس في إعلان خطته من شأنهما أن يصبا في صالح خصومه والإعلام المضاد الذي يستهدفه بقوة، ويعمقا ضبابية المشهد السياسي.
ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل الخميس الرئيس سعيد إلى الكشف عن خارطة طريق واضحة وتعيين رئيس حكومة وفريق حكومي يتم التعامل معه بشكل واضح ومباشر.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد قوله “نحن اليوم لا نعلم من سنخاطب.. سيد الوزير أو سيد الموكّل.. هذه مصطلحات جديدة علينا.. والتسيير أصبح بالوكالة..”، وذلك في معرض تعليقه على تعيينات قررها مؤخرا الرئيس سعيد لمكلفين بتسيير عدد من الوزارات.
ورأى الطبوبي أن “هناك غموضا في المشهد السياسي الحالي وأن المنظمة الشغيلة ستحدد موقفها على ضوء خارطة الطريق التي طلبتها من الرئاسة”.
وتتالت دعوات الأحزاب والشخصيات السياسية ونشطاء المجتمع المدني الذين يطالبون الرئاسة بالتسريع في إعلان خارطة الطريق، محذرين من حالة قلق تسود الشارع الذي ينتظر خطوات وحلولا تخرج البلاد من حالة الشلل السياسي والاقتصادي.
ودعا المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة إلى وجوب الإسراع في إعلام الشعب بخارطة الطريق المُعتمدة من رئاسة الجمهورية بشكل شامل وواضح، حتى لا تطول الفترة المُؤقتة، وحتى يطمئنّ الشارع على مستقبله ومستقبل البلاد دون التخوّف من العثرات الممكنة ومن الفراغ المؤسساتي ومن إمكانية عودة رموز الفساد إلى السلطة تحت أي غطاء.
وعبر المرصد في بيان له عن أمله في أن تكون الحكومة الجديدة حاملة لبرنامج واضح المعالم وأن تعتمد الإصلاحات في إطار المحافظة على التوازنات المالية للدولة وعدم إثقال كاهلها بديون إضافية تمس بالسيادة الوطنية مع التعويل على التضامن الوطني.
وعزل الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو رئيس الوزراء هشام المشيشي وعلق عمل البرلمان، وقال إنه سيحكم جنبا إلى جنب مع رئيس وزراء جديد.
ومنذ إعلانه إجراءات استثنائية هدفها تصحيح المسار كما وصفها حلفاؤه، فيما اعتبرها خصومه محاولة “انقلاب” على الدستور، يترقب التونسيون إعلان الرئيس سعيّد اسم رئيس الحكومة الذي سيقود السلطة التنفيذية في البلاد، إلا أن قيس سعيّد لم يبادر إلى ذلك، في خطوة أثارت تساؤلات عن خارطته المرتقبة.
وفيما يتوقع مراقبون إعلان الرئيس سعيد عن اسم رئيس الوزراء في وقت قريب، فإنه لا يوجد أي مؤشر على خارطة للتعامل مع المستجدات سواء على المدى الطويل أو خلال فترة الطوارئ الراهنة التي حددها لمدة شهر في بادئ الأمر، لكنه قال إنه من الممكن تمديدها.
وتقول أوساط سياسية إن الأوضاع التي تمر بها البلاد تتطلب نقاشات تشاركية حول الخارطة والقرارات المرتقبة.
وأشار غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي في حديثه لـ”العرب” إلى ضرورة “التشاور وتشريك الأطراف الفاعلة والشعب في رسم خارطة الطريق للخروج من الأزمة”.
وتابع “تونس تمر بمرحلة دقيقة وحساسة جدا بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو وهي اليوم بدون حكومة (…) الرئيس يسيّر الدولة بالأوامر الرئاسية وبالتالي هذا وضع استثنائي لا يمكن أن يستمر”. وأضاف “يجب أن تتضح رؤية الرئيس للشعب التونسي”.
ولاحظ الشواشي تردد الرئيس سعيد في الإعلان عن خطته، وحسب رأيه “هذا التردد لا يخدم الرئيس ولا مصلحة البلاد”.
وفي تقديره من الصعب أن يشكل الرئيس بمفرده خارطة طريق ويحتاج إلى التشاور مع جميع الأطراف حتى تحظى بالتوافق.
وكشف الشواشي عن أن تأخر الرئيس سعيد في الإعلان عن خارطة طريق يصب في صالح خصومه من المشككين في المسار السياسي، كما لا يبعث برسائل طمأنة إلى الخارج الذي يراقب بحذر التطورات في تونس.
وإلى حد الآن يمتلك قيس سعيد كل أوراق القوة المتمثلة في دعم الجيش والدعم الشعبي وتأييد بعض الدول وحياد أخرى، لكن هذا لا يوفر له مساحة أمان كافية خاصة في هذا الظرف الصعب، والبلاد أمام استحقاقات مالية وصحية كبيرة.
ويحظى الرئيس سعيد بشعبية واسعة في بلد سببت له جائحة كوفيد – 19 تفاقم الركوديْن الاقتصادي والسياسي اللذين يعاني منهما منذ أعوام، ولاقت خطواته تأييدا من الشعب.
ويؤكد الناشط السياسي صحبي بن فرج في حديثه لـ”العرب” أن “إعلان قيس سعيد عن خارطة طريق مطلب وطني ودولي، وذلك لارتباطها بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية”، وأضاف “الخطوط الكبرى لخطة الرئاسة يجب أن تكون واضحة”.
ويلفت بن فرج إلى أن “توضيح خارطة الطريق سيسمح أيضا بتحديد المواقف من المستجدات في تونس سواء داخليا أو خارجيا”.
وعن أسباب التأخر في إعلانها يرى بن فرج أنه يعود إلى تردد الرئيس سعيد أو ربما يندرج في إطار خطة هدفها استكمال الشروط وجس نبض الأحزاب.
ويرجح متابعون ومحللون أن يكون التأخير في الإعلان عن الخارطة عائدا إلى أن قيس سعيد يريد الحفاظ على عنصر الغموض والمفاجأة ويتروى في الإفصاح عن هذه الخارطة، كما أن تأخر الرئيس سعيّد في الإعلان عن خارطة طريق وتعيين رئيس حكومة يعود إلى أن هذه الخارطة ما زالت قيد النقاش.
أما المحلل السياسي فريد العليبي فيقدّر أن قيس سعيد لا يريد حاليا الكشف عن خططه.
وأوضح العليبي أن “من يطالب الرئيس سعيد بإيضاح خطته مخطئ خطأ كبيرا، ففي علم السياسة لا نفصح عن خططنا في الأوضاع الحرجة وإنما نمارسها، وهو ما يبدو توجه الرئيس في هذه المرحلة”.
وبين العليبي أن قيس سعيد لديه برنامج وسبق أن أعلن عنه، وتوقع أن “يمضي شيئا فشيئا نحو استبدال الديمقراطية الليبرالية بديمقراطية تنطلق من المحليات، كما سيعمل على تعيين مسؤولين ووزراء ومحاصرة الفساد، وسيفتح الملف الإعلامي خاصة وأن الماكينة الإعلامية تشتغل بقوة ضده”.
آمنة جبران
صحافية تونسية