"سيلجأون إلى العنف كما ضاق عليهم الخناق".. هذه الكلمات قالها المعارض التونسي الراحل شكري بلعيد عن ممارسات حركة النهضة الإخوانية قبل سنوات، ويعيد التونسيون تكرارها بعد أن ضيق الرئيس قيس سعيّد الخناق على الحركة.
اغتيل شكري بعليد في فيفري 2013، ورغم مرور سنوات على الجريمة، فإن السلطات لم تلق القبض على القتلة حتى الآن، وتضمنت إجراءات سعيّد الأخيرة إقالة قاضي التحقيق المسؤول عن الجريمة بعد اتهامات حاصرته بأنه يعرقل التحقيق لكونه محسوبا على النهضة.
إشارات وتهديدات
وبدا أن كلمات بلعيد التي يتردد صداها في تونس حاليا صحيحة إلى حد كبير، فقد تراكمت دلائل وإشارات العنف الإخواني، وظهر منها مثلا دفع شاب معارض من فوق مقر النهضة في القيروان، ولحسن الحظ لم يقتل الشاب.
وعلى صعيد التصريحات، قال زعيم الحركة الإخوانية راشد الغنوشي، إنه يتوقع اندلاع أعمال عنف في البلاد، في إشارة لا تخطئها عين.
وللإجابة عن سؤال في مقابلة صحفية: "هل ترى عنفا في الأفق؟"، قال الغنوشي: "أكيد، إذا استمر الانقلاب وقوات الأمن بدأت في ممارسات دكتاتورية، فسنبذل كل قوانا لتلافي ذلك".
وأردف: "لا نستطيع ضمان أن لا يحدث ذلك".
وليس الغنوشي وحده الذي لوّح بالعنف، إذ كتب المحسوب على ائتلاف الكرامة، وهو الذراع العنيف لحركة النهضة في تونس، سيف الدين مخلوف، تدوينة على "فيسبوك" يحرض فيه على حياة الرئيس التونسي.
ولقيت التدوينة انتقادات واسعة من التيارات السياسية المدنية في البلاد.
وإلى جانب ذلك، يتعرض عدد من الحقوقيين والإعلاميين إلى تهديدات يومية من أنصار الحركة عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
العنف الإخواني متوقع
وتقول الكاتبة والباحثة ألفة يوسف إن حركة النهضة ستلجأ إلى العنف.
وأوضحت: "كنا نعرف دوما أنهم راحلون ونتساءل فقط عن ثمن رحيلهم، ففي تاريخ الإخوان لم يخرجوا من أي دولة دون المرور بمربع العنف".
وتابعت: "أتصور أنهم قد يمارسون نوعا من أنواع العنف في تونس بعد كشفهم وتنحيتهم من المشهد السياسي، وأرجو أن لا يكون ثمن إزاحتهم باهظا في شكل مواجهات دموية".
تاريخ من العنف
كما تحدث الناشط السياسي زهير حمدي عن التاريخ العنيف للإخوان في المنطقة، وقال إنهم "يلجأون للعنف على امتداد تاريخهم"، داعيا لأن تؤخذ تهديداتهم على محمل الجد لحماية الوطن منهم.
وأضاف أن "التيار الإخواني لا يتخيل نفسه جزءا من العملية السياسية. كلما اقترب من السلطة في بلد ما سعى للانفراد بها أو الدفع نحو الفوضى".
وتابع:"حاولت حركة النهضة في تونس أن تستأثر بالدولة في 3 محطات سياسية رئيسية طيلة السنوات العشر الماضية، وسيطرت على مقومات الدولة ومؤسساتها وعلى المجتمع".
وذكر الناشط أن "الإخوان في تونس يعلمون أنهم أصبحوا مجرد رقم ضئيل في العملية السياسية لذلك اتجهوا للتهديد، لكن الشعب التونسي لا يخشاهم فهو يذكر جيدا ما فعلوه في البلاد خاصة بين سنوات 2011 و2015 من عنف ودعم للجماعات الإرهابية، كما أنهم كانوا لسنوات طويلة جزءا من تيارات الإرهاب والفساد".
وأكد حمدي أن "حركة النهضة مثل بقية الحركات الإخوانية في العالم العربي لديها حزب وتنظيم وجهاز سري خاص"، مشيرا إلى أن "القضاء في تونس بصدد تتبع هذا الجهاز السري المتورط في قضية اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهو مرتبط بشكل مباشر بمرشد الإخوان في تونس راشد الغنوشي المتورط في عمليات الإرهاب والاغتيالات السياسية".
وتوقع أنه "في حال لم تحقق حركة النهضة مطالبها، وهي العودة للبرلمان، فقد تجنح لآلة العنف بأشكال مختلفة، وهو ما تؤكده دعوات التحريض التي يلوح بها الغنوشي منذ 25 يوليو بحثا عن تعبئة أنصاره والتحريض ضد الشعب التونسي في الداخل، والاستقواء بالدول الأجنبية والدعوة لمحاصرة تونس من الخارج".
لم يتعلموا الدرس
وفي السياق ذاته، قال المؤرخ خالد عبيد إن "التلويح بالعنف من جانب الغنوشي يعني أنه لم يستوعب الدرس ولم يفهم أن الوضع بعد 25 جويلية في تونس لن يعود أبدا كما كان قبله، فالغضب الشعبي والنقمة على أداء حركة النهضة فاقت كل الحدود".
وأضاف أن "تهديدات الغنوشي وجماعته لا تعبر إلا عن تخبطهم وستزيد من انعزالهم عن التونسيين، التهديد بالفوضى والاستنجاد بدول أجنبية في محاولة للاستئساد على تونس مسالة شديدة الحساسية لدى جزء كبير من التونسيين، ولا يمكن أن يغفروها لحركة النهضة".
وحذر عبيد من فرضيات للعنف تمارسها حركة النهضة، وقال: "أعرف جيدا الغنوشي وحاشيته وأعتبر تسريع رئيس الجمهورية في تعيين مختص في مكافحة الإرهاب على رأس وزارة الداخلية معطى إيجابيا، يعكس أن سعيّد يدرك جيدا أن المرحلة الحالية هي مرحلة السلامة الأمنية".
قرارات الرئيس استباقية
ومن جهة أخرى، قلل المختص في الجماعات الإرهابية علية العلاني، من حجم تهديدات الإخوان في تونس.
وأكد أنهم "لم يعودوا جسما منسجما بفعل الانشقاقات الداخلية، فمنهم شق يبحث عن التصعيد وآخر يريد الاعتدال، ومنهم من يطالب الغنوشي بالرحيل الفوري".
وشدد العلاني على أن قرارات الرئيس الأمنية والإدارية "سحبت البساط من تحت أرجل الحركة فيما يتعلق بالتهديد بالعنف، أو فيما يتعلق بالتمسك بمناصب الدولة، وهي اليوم تخوض فقط معركة بقاء وليس معركة انتشار، حتى إن عدد أنصارها في انخفاض متواصل".