الظاهرة لم تسلم منها البلدان العربية الإسلامية الأخرى التي تتضاعف فيها المأساة بالنظر للتقاليد المحافظة.
أطلقت وزارة المرأة والنهوض بالعائلة في تونس صيحة فزع حول الاستغلال الجنسي للأطفال، مؤكدة تسجيلها لحوالي 202 حالة.
وأكد المندوب العام لحماية الطفولة التابعة لوزارة المرأة والنهوض بالعائلة أنّ حوالي 202 اعتداء جنسي وقع على الأطفال، مشيرا إلى أنّ اللافت في الأمر أنّ أكثر من 60% من المتحرشين هم من الأهل والأقارب، بحسب تأكيد المختصين، على حد تعبيره، ومبينا أنّ 151 قضية اعتداء بالفاحشة وقعت على الإناث و51 قضية على الذكور، مضيفا أنّ المجتمع التونسي كغيره من المجتمعات الأخرى، ما زال أطفاله غير محميين بالشكل الكبير من هذه الآفة التي لا تتسبب في الانتهاكات الجسدية فقط، بقدر ما تبقى آثارها النفسية صادمة بشكل لا يمكن تجاهله على الأطفال، مشددا على أن حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والاعتداء تبقى من أوليات عمل مندوبي حماية الطفولة.
العائلات والأطباء يتكتمون درءًا للفضيحة
ومن جانبه، قال الباحث في علم بداغوجية الطفل الدكتور سعيد بن صالح: “إنّ الخطر يكمن في بعض الأطباء الذين يجدون حرجا كبيرا بين الالتزام بالسرّ المهني، وواجب إشعار مندوبي حماية الطفولة بالحالة، حيث أنّ الإشعار والمتابعة تدين المتحرشين من جهة وتحمي الأطفال من الاعتداءات الجنسية، من جهة ثانية.
الطفل غير محمي حتى من أهله وأقاربه
وفي سياق متصل، قال الدكتور هشام الشريف المختّص في علم الجنس: “إنّه من السيئ بقاء الطفل بمعزل عن الحماية في وسطه العائلي، ومن أشخاص من المفترض أن يكونوا مقربين منه”. مبرزا أنّ 60% من المعتدين هم في غالب الأمر من الأهل أو أقارب الضحية، مشددا على أنّ أخطر ما في هذه الجرائم هو الصمت عنها والذي قد يدفع بالضحية ليكون عندما يكبر جلاّدا منتقما، أو شاذا جنسيا ومن المدافعين عن المثلية الجنسية، في حين أنّ الإناث يجدن أنفسهن من المنحرفات، موضحا أنّ “الجنس الافتراضي يتربّص بالأطفال أيضا بسبب الانترنت، حيث أنه وبقدر ما يحمي المعتدي فإنه يحرّر الضحية من الخجل”.
قديمة متجددة وموروث ثقافي سطحي
أما الباحث الاجتماعي الدكتور طارق الساحلي، فقد أكد أنّ الظاهرة وإن ظلت مخفية في فترات سابقة دون محاولة إبرازها، من أجل الظهور في موقف المجتمع الطاهر من كل الشوائب والظواهر المريضة، فإنه وبعد يناير/كانون الثاني 2011، برزت ظاهرة الاعتداءات على الأطفال وتجلت وكأنها غول يتربص بهم، دون أن يسلم المجتمع منها في ظل بروز ثقافة مستوردة تروج لزواج القاصرات والزواج العرفي وجهاد النكاح وغيره، فضلا عن الإفراج عن المساجين وخاصة المجرمين والمنحرفين منهم خاصة، وذلك في فترة ما بعد “الربيع العربي”، مشيرا إلى أنّ للموروث الثقافي العربي السطحي دوره، بعد أن ترك كلمات “غلمان وجواري” في القاموس العربي، فضلا عن الكبت الجنسي، ما أدى إلى بروز هذه الظواهر.
ظاهرة خطيرة على حياة الضحايا وعلى المجتمع عامة
وأشار الساحلي إلى أنّ الظاهرة لم تسلم منها البلدان العربية الإسلامية الأخرى التي تتضاعف فيها المأساة بالنظر للتقاليد المحافظة، منوها إلى أنّ منظمة الصحة العالمية أعدّت دراسة في هذا الشأن، مطلقة صيحة فزع تندد بشدة بما يتعرّض إليه أطفال العالم دون سنّ الـ18 عاما، مضيفا أنّ الأمر يتطلب عملا وجهدا كبيرين في العائلة والمؤسسة التربوية وأيضا في المجتمع المدني وذلك إلى جانب مجهود الدولة الذي يجب أن يكون مضاعفا للقضاء على الظاهرة التي تبقى خطيرة بكل أشكالها على المجتمع عامة وعلى حياة الضحايا بالخصوص.