المجتمع المدني النسائي في تونس يحذر من انتشار الزواج خارج الإطار المدني والقانوني بالمعاهد الثانوية والجامعات مقابل تغاضي القضاء.
أطلقت قوى نسائية تونسية ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة صيحة فزع على خلفية استفحال الزواج العرفي في صفوف الشباب وخاصة طلبة الجامعات وتلاميذ المعاهد الثانوية السلفيين. فيما أظهرت دراسة حديثة أن الظاهرة انخفضت قليلا إلى 32 بالمئة خلال النصف الأول من العام 2016 مقابل 37 بالمائة العام 2015 نتيجة محاصرة نشاط الجماعات السلفية.
وحذرت جمعية "حرائر تونس" وجمعية الدفاع عن حقوق المرأة" و"الائتلاف المدني للدفاع عن الحريات الأساسية" وجمعية "المرأة التونسية" وجمعية "نساء تونس" من أن ظاهرة الزاج العرفي التي انتشرت خلال السنوات الخمس الماضية باتت تهدد مكاسب المرأة لتنسف حقوقها الأساسية.
وحملت الجمعيات التي تعد بمثابة الرابطة الوطنية المناهضة للجماعات السلفية في بيان لها السلطات مسؤوليتها السياسية والمدنية والدينية والأخلاقية في انتشار الزواج العرفي في صفوف الشباب الذي يتبنى الأفكار السلفية وخاصة طلبة الجامعات وطالباتها.
وقالت الجمعيات إن ظاهرة الزواج العرفي انتشرت في صفوف العشرات من تلاميذ وتلميذات المعاهد الثانوية الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و19 سنة بعد أن استفحلت في صفوف طلبة الجامعات وطالباتها. وشددت على ضرورة مقاومة الظاهرة التي بدأت تنخر كيان المجتمع وتستهدف قوانين البلاد التي تمنع الزواج العرفي ولا تسمح بغير بالزواج المدني.
وأرجعت الناشطة روضة الجريبي ظاهرة الزواج العرفي إلى انتشار مظاهر التهميش والأمية وتوسع دائرة الفكر المتشدد".
وخلال السنوات الأخيرة تحول عدد من المساجد إلى ملاذ للسلفيين لنشر الزواج العرفي، إذ أفادت شهادة تحصل عليها إتحاد المرأة التونسية أن أحد المصلين عرض عليه ملتح الزواج عرفيا من إحدى المنقبات وبلغ الأمر حد إعداد عدد من سدنة المساجد إلى إعداد قائمات للمنقبات وأخرى للملتحين.
ووفق حبيب الراشدي الناشط في "جمعية مراقب" انتشرت ظاهرة الزواج العرفي في الجامعات تمهيدا لاستدراج التونسيات لجهاد النكاح حتى أنها تسللت إلى عدد من المعاهد والمساجد الخارجة عن سيطرة الدولة.
وأظهرت دراسة ميدانية حديثة أعدتها كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية أن ظاهرة الزواج العرفي سجلت تراجعا طفيفا بين العام 2015 والنصف الأول من العام 2016 لتنخفض من 37 بالمائة إلى 32 بالمائة في صفوف السلفيين بصفة عامة ومن 83 بالمائة إلى 77 بالمائة في صفوف الطلبة السلفيين.
وكانت دراسة اجتماعية أعدها مجموعة من الطلبة يدرسون في خمس كليات العام 2015 كشفت أن ظاهرة الزواج العرفي انتشرت بنسبة 37 بالمئة في صفوف السلفيين بصفة عامة وبنسبة 83 بالمئة في صفوف الطلبة السلفيين في الجامعات التونسية وبنسبة 23 بالمئة في صفوف الطلبة المتعاطفين معهم.
وأرجعت الدراسة التراجع الطفيف للزواج العرفي في تونس إلى تضييق الخناق على نشاط الجماعات السلفية الذي تقوده وحدات الجيش وقوات الأمن غير أنها أشارت في المقابل إلى غياب خطط دينية وثقافية من شأنها أن تنشر الثقافة المدنية في صفوف الشباب عامة والطلبة السلفيين خاصة وتحذرهم من مخاطر الزواج المخالف للقوانين التونسية.
ووفق نتائج الدراسة فإن حالات هذا النوع من الزواج الذي يهدد التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع تتراوح ما بين 650 و750 حالة في صفوف الطلبة وما بين 250 و350 حالة في صفوف غير الطلبة.
وينحدر93 بالمئة من المتزوجين عرفيا من الأوساط الاجتماعية الفقيرة والأمية القاطنة في الأحياء الشعبية فيما ينحدر سبعة بالمئة من عائلات تنتمي إلى الشرائح السفلى من الطبقة الوسطى.
ويقر غالبية المتزوجين زواجا عرفيا بأن زواجهم يتم في إطار "الكتمان" وأنهم يرفضون "إعلانه" و"يحيطونه بالسرية التامة حتى لا يعلم به أحد" غير أنهم لفتوا إلى أن "بعض الإخوة والأخوات )من السلفيين( على علم به".
وتعتبر ظاهرة الزواج العرفي خرقا لقانون الأحوال الشخصية الذي ينص على "الزواج المدني" بناء على "عقد" يحمي حقوق المرأة والرجل على حد سواء كما ينص على واجبات الحياة الزوجية.
ولا يرى غالبية التونسيين في الزواج العرفي سوى إضفاء "شرعية مزعومة" على "الزنا" في مجتمع كثيرا ما افتخر بحرية المرأة وبحقوقها الشخصية.
ويجمع رجال القانون من المحامين والقضاة على أن الزواج العرفي هو "زواج ممنوع لأنه زواج على خلاف الصيغ القانونية ويعاقب عليه القانون، إذ يعتبر حسب القوانين المدنية باطلا ويعاقب الزوجان بالسجن مدة ثلاثة أشهر".
وتجدر الإشارة إلى أن التتبعات العدلية للمتزوجين عرفيا لا يمكن أن تجري إلا بإذن من النيابة العمومية فهو الجهاز الوحيد الذي له حق التتبع وإثارة الدعوى، بمعنى انه يمكن أن ترتكب جرائم الزواج العرفي دون تتبع إذا لم تحرك النيابة العمومية ساكنا ويبقى التجريم حبرا على ورق كما يمكن أن تتحرك النيابة العمومية بشدة لزجر مثل هذه الجرائم.
ولكن واقع الحال أن النيابة العمومية في تونس لا تبدي تفاعلا يذكر مع هذه الظاهرة التي بدأت تجد ضالتها في المجتمع التونسي، حتى أن بعض المراقبين أجمعوا على أن القضاء في تونس يتعمد التغاضي على هذه الجريمة تحت ضغوط أطراف سياسية بعينها تسعى إلى تغيير العادات الاجتماعية للتونسيين وإخراجها عن سياقها المدني وتبذل جهودا حثيثة من اجل خلق قوانين جديدة تتلاءم وإيديولوجيتها. وهي تجد في هذا المنفذ طريقا هاما لنشر ما ترنو إليه لا سيما وأنه يستهدف احد أبرز الهياكل ونعني بذلك المعاهد والجامعات ما يعني أنها وإن فشلت في سن قوانين بشكل مباشر فإنها تحاول خلق جيل مهيأ لدعم أطروحاتها الاجتماعية والفكرية على المدى المتوسط وربما القصير.
ويشدد عثمـان بطيـخ مفتي الديار التونسية على إن الزواج العرفـي لـيس سـوى "زنـا و خناء وسفاحا" لغياب أركان الزواج الصحيحة و شروطه".
ويؤكد بطيخ أن "الإسـلام برئ من إباحـة الزواج العرفي.