ينتظر أن تُعقد جلسة عامة لمجلس النواب يوم السبت 30 جويلية الجاري، حول مسألة تجديد الثقة في حكومة الحبيب الصيد، على إثر المراسلة التي وجهها رئيس الحكومة لمجلس نواب الشعب، لإعلامه بإحالة مسألة التصويت على منح الحكومة الثقة على أنظار البرلمان، عملا بمقتضيات الفصل 98 من الدستور والفصل 150 من النظام الداخلي للمجلس.
يأتي هذا بعد توقيع عدد من الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية المشاركة في مشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في تونس على وثيقة "اتفاق قرطاج" فتح الباب على احتمالات استقالة حكومة الحبيب الصيد وآليات الخروج من أزمة سياسية متوقعة.
واعتبر الباجي قايد السبسي خلال حفل التوقيع أن الحكومة الحالية قامت بواجبها، لكنها لم تعد قادرة على تحقيق المرجو منها، خاصة في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
وأشار إلى أن مبادرته بتشكيل حكومة وحدة وطنية لم تكن الغاية منها معارضة أي مسؤول، مشددا على أن التوافق على برنامج شامل تقوم الحكومة القادمة بتطبيقه ضروري اليوم.
وضبطت "وثيقة قرطاج" التي كانت ثمرة لقاءات بين أحزاب الائتلاف الحاكم وأخرى من المعارضة إضافة إلى منظمات اجتماعية جملة من الأولويات، أهمها ضرورة كسب الحرب على الإرهاب وأولوية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما في المناطق الداخلية التي تشكو تأخرا تنمويا.
وفي المقابل رفض رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد تقديمه لاستقالته وخيّر التوجه إلى البرلمان، وكان قد كشف أنه تعرّض لضغوطات أقرب إلى التهديدات؛ لإجباره على الاستقالة، مؤكّدا أنّ أشخاصا - لم يسمّهم، لكنّه وصفهم بـ"المتدخلين في الشأن السياسي" - حاولوا دفعه للاستقالة من منصبه بكلّ الطرق.
وأضاف الصيد في مقابلة خاصة بثتها قناة "التاسعة" الخاصة، مساء الأربعاء الماضي، أنّ هؤلاء تكلموا معه باسم رئيس الجمهورية، طالبين منه تقديم استقالته، ووعدوه بـ"إخراجه من الباب الكبير"، وآخرين ضغطوا عليه بقولهم: "كان ما تستقيلش نمرمدوك" (إذا لم تستقل سنذلّك)، وفق تعبيره.
ومن جهة أخرى أكد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة 22 جويلية 2016 أن الحركة نصحت رئيس الحكومة الحبيب الصيد بعدم الذهاب إلى مجلس نواب الشعب بعد طرح رئيس الجمهورية مبادرة حكومة الوحدة الوطنية مشيرا إلى أنهم خسروا شهرين بعد قرار الصّيد التوجّه إلى البرلمان، على حدّ تعبيره.
ذا واعتبر الغنوشي أنّ مبادرة الحكومة الوطنية لاقت قبولا واسعا واتفق حولها 9 أحزاب وأبرز 3 منظمات اجتماعيّة خلصوا إلى أنّ البلاد تحتاج إلى تغيير. وأوضح في سياق آخر أن "تونس مقبلة على إصلاحات ضرورية في سائر المجالات تتطلب قرارات صعبة لا يمكن أن تتخذها إلا حكومة ذات تمثيلية واسعة واثقة من نفسها ومن القوى التي تدعمها".
والظاهر أن هذه المبادرة تأتي في إطار إعادة تموقعات سياسية للأطراف المشاركة في الحكم مع محاولة توريط أكبر عدد من الأحزاب والمنظمات، خاصة وأن المرحلة القادمة يصفها الجميع بأنها مرحلة تحتاج جرأة أكثر، فالحكومة القادمة ملزمة بتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي والدول الاستعمارية، وينتظر إصدار قوانين لن تكون لصالح الشعب بل سيحاول تطبيقها بجميع الحيل وإن لزم الأمر باستعمال القوة.
إن المدقق يدرك أن الحكومات المتعاقبة واصلت تطبيق النظام الرأسمالي نفسه الذي ما زال جاثما على قلوبنا ونفس السياسة - سياسة الارتهان والتبعية للمستعمر - المرسومة لها سلفا فهي مطالبة بتطبيقها. ولهذا لا يُنتظر تغيير حقيقي من حكومة إلى أخرى، بل يزداد الحال سوءاً وتزداد الأوضاع تدهورا. فهل تستطيع هذه الحكومة التخلص من إملاءات صندوق النقد الدولي؟ بل هل تريد ذلك؟ وهل ستقدر على إلغاء جميع الاتفاقيات الاستعمارية مع الدول الغربية وخاصة بريطانيا فيما يتعلق بإعادة هيكلة الحكومة والوزارات وقطاعات البلاد مثلا؟
في الحقيقة إن الجديد في مبادرة السبسي - وهذا المقصود من حكومة وحدة وطنية - هو أن يسكت المعارضون وأن يقبل الجميع بما تسطّره القوى الاستعماريّة لتونس وأن يتحوّل الجميع إلى أعوان تنفيذيين لما تقرّره الدّوائر الاستعماريّة لتونس.
وأبواق دعاية تسمّي الاستعمار استثمارا والخضوع إصلاحا هيكليّا، وبيع البلد ورهنه للدول الاستعمارية تنمية مستدامة!!