القضاء التونسي أمام فرصة ذهبية لاسترجاع عافيته وثقة التونسيين عبر فتح ملفات المرحلة السابقة التي لا يزال يكتنفها الغموض منذ سنوات.
تونس- تطرح الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، من ضمنها تجميد نشاط البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، وحظر السفر على عدد من المسؤولين بشبهة فساد مالي وإداري، مدى جاهزية القضاء التونسي في مواصلة الحرب على الفساد وفتح ملفات المرحلة السابقة على غرار الإرهاب والاغتيالات السياسية وشبكات تسفير الشباب نحو بؤر التوتر.
وأوقفت قوات الأمن التونسية السبت النائب بالبرلمان عن كتلة تحيا تونس لطفي علي، بتهم “تبييض الأموال والإثراء غير المشروع”.
وقال الناطق باسم الحرس التونسي حسام الدين الجبابلي، إنه “تم ضبط (توقيف) المدعو لطفي علي النائب بمجلس نواب الشعب رفقة زوجته بمنزل بجهة لافايات بالعاصمة تونس”.
وأوضح الجبابلي، في تصريح إعلامي أن “التوقيف جاء في إطار تعقب العناصر الفارة من العدالة والمتعلقة بها قضايا فساد مالي وتبييض أموال”.
وشدد على أنه باستشارة النيابة العمومية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بالمحكمة الابتدائية، أذنت بمباشرة قضية عدلية ضد النائب موضوعها “تبييض الأموال والإثراء غير المشروع وتضارب المصالح”، دون المزيد من التفاصيل، متابعا “تم أيضا مباشرة قضية عدلية موضوعها إيواء شخص فار من العدالة متبعة ضد صاحب المنزل الذي كانا (النائب وزوجته) متواجدين به”.
ويعتبر حقوقيون، أن القضاء دخل مرحلة جديدة بعد قرارات الرئيس سعيّد في الخامس والعشرين من جويلية الماضي، فضلا عن وجود بوادر تحرر بعد توقيف مسؤولين كبار، ما يمكن أن يسمح بفتح ملفات أخرى من الوزن الثقيل.
وأفاد أحمد صواب القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أن “القضاء وصل في السنوات الأخيرة إلى وضعية أسوأ من عهد الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي”، مستدركا “لكن يبدو أن هناك عودة إلى النشاط من خلال ملفات البشير العكرمي (قاض ووكيل الجمهورية) والطيب راشد (الرئيس الأول لمحكمة التعقيب) ما كان دافعا داخليا للقضاة”.
وأضاف أن “الرئيس قيس سعيّد ضغط في الفترة الأخيرة مع المجتمع المدني لتحرير القضاء من الفساد وخصوصا هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي”.
وتابع “بعض الملفات فتحت وأعتقد نجاعة التحقيقات ستكون أكبر في الفترة القادمة”، مشيرا إلى أنه “لا بدّ على مختلف الأطراف وخصوصا المجتمع المدني والمنظمات الوطنية أن تساند القضاء”.
وشكري بلعيد ومحمد البراهمي ناشطان سياسيان اغتيلا بالرصاص أمام منزليهما، الأول في السادس من فيفري سنة 2013، والثاني في الخامس والعشرين من جويلية من العام نفسه.
وتؤكد السلطات الرسمية أن عدد العناصر الإرهابية التونسية التي التحقت بالتنظيمات الإرهابية لا يقل عن ثلاثة آلاف تونسي عشرة في المئة منهم من الإناث، وتوجد نسبة سبعين في المئة منهم في الأراضي السورية فيما توجهت نسبة عشرين في المئة إلى ليبيا المجاورة فيما انتشرت البقية بين العراق واليمن ومالي.
وسبق أن طالبت أوساط سياسية بفتح الملفات الكبرى، حيث طالبت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر في تونس، الرئيس سعيد بالقيام بشكل عاجل بفتح الملفات الحارقة، الخاصة بأمن الدولة وتسفير الشباب إلى بؤر الإرهاب واغتيال المعارضين وعناصر الجيش والقوات الأمنية.
ودعت موسي في كلمة مصوّرة على فيسبوك سعيّد إلى غلق مقر الجمعيات الأهلية المشبوهة في تونس والتي يتم عن طريقها تبييض أموال الجهات الداعمة للإرهاب وتجفيف منابع تمويلها، قائلة “ننتظر إحالة ملفات أمن الدولة وتغلغل الإرهاب إلى القضاء، لنرى أحكاما رادعة وتحميل مسؤوليات واضحة، ولديك كل الصلاحيات التي تمكنك من ذلك”.
ويرى مراقبون أن القضاء التونسي اليوم أمام فرصة ذهبية لاسترجاع عافيته وثقة التونسيين، عبر فتح الملفات التي لا يزال يكتنفها الغموض منذ سنوات.
وأفاد نبيل حجّي النائب عن الكتلة الديمقراطية أن “مدى جاهزية القضاء لفتح الملفات الكبرى محمولة على المجلس الأعلى للقضاء، وإذا اخترنا مبدأ العدل سنتقدم في نتائج التحقيقات”.
وأضاف “بعد ثورة جانفي 2011، وكذلك في عهد الرئيس الأسبق بن علي الذي سيطر على القضاء، انتقلنا من النقيض إلى النقيض، ويبدو حتى في سلك القضاة هناك حسابات”.
وأردف حجّي “لامسنا نوعا من الجدية في فتح الملفات بعد الخامس والعشرين من جويلية وخصوصا ملفات الطيب راشد وبشير العكرمي، لكن هناك ملفات لم يتم البتّ فيها على غرار ملف القيادي في النهضة رفيق عبدالسلام (صهر الغنوشي) منذ سنة 2012، فضلا عن مرور نورالدين البحيري على وزارة العدل والذي كان بمثابة الكارثة”.
وقال “إن شرفاء القضاء اليوم أمام فرصة لتطهير المنظومة، والأصل أن يكون القضاء جاهزا لفتح ملفات الاغتيالات السياسية وتسفير الشباب وغيرها، علاوة عن تقرير دائرة المحاسبات الذي يقرّ بتلقي عدد من الأحزاب لتمويلات أجنبية”، لافتا إلى أن “الأولوية القصوى اليوم أن تفتح هذه الملفات مع تحديد علاقتها بوسائل الإعلام والجمعيات”.
واستطرد “يبدو أن القضاء فوّت على نفسه فرصة الرابع عشر من جانفي 2011، وليس من حقّه الآن أن يفوّت فرصة الخامس والعشرين من جويلية”.
وسبق أن قالت هيئة الدفاع عن المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي إن التحقيقات القضائية أثبتت وقوف الجهاز السري لحركة النهضة وراء الاغتيالات السياسية التي شهدتها تونس عام 2013، رغم التعطيل والضغوط التي مارستها الحركة لإخفاء الحقيقة عن التونسيين.
وتفجرت قضية الجهاز السري منذ شهر أكتوبر من عام 2018، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال البراهمي وبلعيد، وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك النهضة لجهاز سرّي أمني مواز للدولة، متورط في اغتيال بلعيد والبراهمي، وفي ممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم الحزب، غير أنّ القضاء لم يحسم بعد في هذه القضيّة.
وأكدت الهيئة في مؤتمر صحافي وجود رابط مباشر بينه وبين اغتيال المعارضين السياسيين بلعيد والبراهمي، بعد صدور أحكام قضائية نهائية في العشرين من ماي الماضي توجه تهمة الامتناع عن إشعار السلطات عن معلومات تتعلق بعملية اغتيال البراهمي، إلى عضو الجهاز السري مصطفى خذر وإلى أعضاء آخرين بالجهاز.
وخلال السنوات الماضية، أحالت جهات تابعة للبنك المركزي التونسي المئات من الملفات التي تضمنت شُبهات تمويل الإرهاب وغسيل الأموال للجهات القضائية.
خالد هدوي
صحافي تونسي