إلقاء الغنوشي بالمسؤولية على الدولة يؤجج عليه غضب النهضاويين.
تونس- أجج إلقاءُ رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بمسؤوليةَ انتحار سامي السيفي، أحد منتسبي الحركة، على عاتق الدولة غضب النهضاويين عليه، معتبرين أن لجوء أحد العناصر ممن سجنوا في تسعينات القرن الماضي إلى حرق نفسه كاحتجاج على سياسة الغنوشي ليس سوى رسالة قوية يفيد فحواها بفشل الحركة في معاملة منتسبيها على قدم المساواة.
وأعاد هذا الحادث إلى الأذهان انتحار محمد البوعزيزي الذي قاد إلى تفجر الأوضاع في تونس في 2010 لتتحول لاحقا إلى ثورة.
ولم يستبعد مراقبون محليون أن يقود انتحار السيفي الذي وصفه نشطاء ببوعزيزي النهضة إلى انفجار كبير داخل الحركة قد يذهب في خطوة أولى برئيسها الغنوشي الذي تحاصره الأزمات من كل جانب سواء داخل النهضة أو على المستوى التونسي ككل.
ففي داخل النهضة يضغط قياديون من مختلف المستويات لدفعه إلى إعلان عدم ترشحه لدورة جديدة على رأس الحركة قبل الحديث عن عقد المؤتمر، وهو موقف سيدفعه إما للرضوخ إلى الضغوط وترك كرسي استمر فيه لعقود، أو المكابرة والهروب إلى الأمام ما يقوده إلى العزلة ويدفع إلى المزيد من الانشقاقات بعد استقالات كثيرة.
ومن جانب ثان، فإن تحميل النهضاويين للغنوشي المسؤولية عن الوضع المأساوي الذي أوصل السيفي إلى الانتحار وقيادة الحركة إلى وضع صعب كلها عناصر ستزيد من عزلته ودفعه إلى مغادرة المشهد السياسي التونسي.
وحمل النشطاء على راشد الغنوشي معتبرين أنه ظل خلال العقود الماضية يقود الحركة حسب مزاجه وحساباته وأجندته الخاصة ولم يحسب حسابا لضحايا هذه الأجندة، سواء في فترة تسعينات القرن الماضي والمواجهة مع السلطة التي قادت إلى اعتقال الآلاف من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات وحالت دون إنهاء تعليمهم وحصولهم على وظائف لائقة بهم أو خلال الفترة الحالية التي يضع فيها رئيس حركة النهضة على رأس أولوياته البقاء في الواجهة حتى لو قاد الأمر إلى مواجهة جديدة شبيهة بما جرى من قبل.
وكان الغنوشي دفع بحركة النهضة أواخر الثمانينات إلى اتخاذ قرار مواجهة نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبل أن يغادر إلى الخارج ويستقر في بريطانيا فيما ترك الآلاف من أتباعه في ظروف صعبة أمنيا واجتماعيا، واستمر في إطلاق التصريحات وإصدار البيانات ذات اللهجة الحادة التي لم تكن تكلفه شيئا فيما كانت تزيد من معاناة أتباعه في تونس.
وقال كريم عبدالسلام، وهو أحد أصدقاء السيفي، إن صديقه ذهب ضحية الغنوشي الذي قتله مرتين؛ مرة بالزج به هو وأبناء جيله في معارك خاسرة في التسعينات، ومرة بالإهمال والتجاهل والتلاعب به في أروقة مونبليزير (حيث مقر الحركة) رغم فقره وعجزه.
وأضاف عبدالسلام في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن ما يؤلم أكثر أن “الغنوشي بالتعاون مع بقية قياداته يركبون على حدث انتحار الضحية”، في إشارة إلى تصريحات الغنوشي التي ألقى فيها بالمسؤولية على عاتق الإعلام والخصوم السياسيين.
وقال رئيس حركة النهضة في تصريحات له بعد الحادث إن الضحية “شهيد آخر من شهداء النضال من أجل تحرير تونس من الظلم والدكتاتورية والفساد والتهميش وضحية أخرى من ضحايا الفقر”.
وأضاف “رحم الله سامي لقد أمضى أكثر من 10 سنوات في السجن مناضلا ضد الاستبداد لكنه إلى اليوم لم ينل أيّ تعويض ولم ينل الحد الأدنى من الكرامة رغم أن مؤسسة الحقيقة والكرامة والعدالة الانتقالية أصدرت مقررات لصالحه لكنها ظلت حبرا على ورق ولم تفعّل”.
وتابع رئيس الحركة أن السيفي “هو ضحية من ضحايا الحرب الظالمة الإعلامية على المناضلين وتجريمهم رغم أنّه بعد 10 سنوات من الثورة لم يحصل على أي تعويض.. ما حدث ثمرة من ثمرات الإعلام الظالمة على النهضة وشبابها”.
وقوبلت تصريحات الغنوشي بردة فعل غاضبة في مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من قبل بعض أنصار النهضة الغاضبين أو من طرف الجمهور المنافس لها، وسط اتهامات لرئيس حركة النهضة بأن ما يهمه هو تبرئة نفسه ولا يهم بعدها على من يلقي بالمسؤولية.
ويقول عدد من أنصار النهضة إن قيادة الحركة، وعلى رأسها الغنوشي، تخلت عن الضحية الذي كان يعمل في مقرها المركزي في العاصمة تونس، ورغم مساعيه للعودة إلى عمله إلا أنه لم يجد من يستمع إليه فاختار الانتحار كوسيلة للاحتجاج، في تكرار لحادثة انتحار بوعزيزي 2010.
ويضيف هؤلاء أن أعدادا كبيرة من ضحايا مغامرة التسعينات ظلوا خلال السنوات العشر الماضية في حالة بطالة، وأن القيادة كانت تمنيهم بالتوظيف العمومي تارة وبالبحث لهم عن أعمال في مؤسسات لها علاقة بالحركة، وأن هؤلاء سئموا التسويف، وأن السيفي عنصر من هؤلاء الضحايا الذين يُنتظر أن ينفجروا بشكل جماعي في وجه الغنوشي والقيادات المحيطة به.
وتوعدت سميرة السيفي، شقيقة الضحية، في حديث لـ”إذاعة أف أم” المحلية بمحاكمة قيادة النهضة. وأكدت أن شقيقها “ذهب لمقابلة الغنوشي بطلب من الغنوشي نفسه ثم تم استدراجه بطريقة محبوكة وسنحاكم حركة النهضة”.
ووصف نشطاء تبرير الغنوشي لانتحار أحد ضحاياه بأنه مخجل، وأنه بدل الاعتذار لعائلة السيفي وللمئات من منتسبي النهضة الذين يعيشون نفس الأوضاع التي عاشها الضحية اختار رئيس حركة النهضة إلقاء المسؤولية على عاتق الآخرين والهجوم على الإعلام الذي فتح أمامه الأبواب واسعة لترويج أفكاره.
وحذر النشطاء من مخاطر سعي الغنوشي لتحميل الدولة مسؤولية انتحار ضحية من ضحاياها، معتبرين أن ذلك يصرف الأنظار عن الحقيقة، وتساءلوا كيف يريد رئيس حركة النهضة من الدولة أن تتحمل مسؤولية صراعاتها وحساباتها، فتعوض الآلاف من المتهمين في قضايا عنف بدل أن يعوض لهم هو والحركة التي دفعتهم إلى الهجوم على رجال الأمن ومؤسسات الدولة والقيام بأعمال عنف بينها حرق مقر الحزب الحاكم الأسبق في منطقة باب سويقة وسط العاصمة تونس.
وقال سامي الرمادي، الناشط السياسي، موجها خطابه إلى الغنوشي “أنصحك بالكف عن المغالطات والتوظيف السياسي لمشكلة داخلية تهمك وجماعتك، أنت المتسبب فيها”.
وكان سامي ابراهم، وهو سجين سياسي سابق من النهضة، قد قال إن السيفي “أوكلت إليه مهمّة هامشيّة في المقرّ المركزي للحزب بمقابل زهيد لا يليق بمناضل”.
وأضاف “لكن لم يطل به المقام فقد وقع تسريحه من عمله في مقرّ الحزب في إطار سياسة التقشّف، واختارته يد الضّغط على الإنفاق ليكون هو ضحيّة هذا الخيار دون اعتبار لحاجته وفاقته وحاجة عائلته”.
وتابع “كان سامي متعفّفا بينما استغلّ آخرون قربهم من دوائر القرار في الحزب لتحسين أوضاعهم الاجتماعية”.