توجّهت وسيلة العبيدي والدة عمر العبيدي، برسالة لرئيس الجمهورية قيس سعيد و أملها في أن تتحقق العدالة ويطبّق القانون وتظفر بحق إبنها خاصة ونحن على مشارف 20 أكتوبر 2022 تاريخ انعقاد الجلسة الخامسة في ملف عُمر العبيدي وفي ما يلي نص الرسالة كاملا :
رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية التونسية
إلى السيّد قيس سعيّد رئيس الجمهورية التونسية والقائد الأعلى للقوات المُسلحة،
تحيّة طيّبة وبعد،
أنا وسيلة العبيدي والدة شهيد الملاعب عمر العبيدي، أتوجّه إلى سيادتكم بصفتكم رئيسا للدولة التونسية والمسؤول الأوّل عن شؤون المواطنين والمواطنات. والسّاهر على حسن تطبيق واحترام الدستور، الذي يضمنُ في العديد من فصوله الحق في حماية الحرمة الجسديّة للمواطنين والمواطنات وحقّهم في الحياة.
أتوجّه إليكم أيضا بعد أن فقدتُ ثقتي في مؤسسات الدولة الموكول إليها حسن تطبيق القانون على الجميع ومُحاسبة الجُناة والمُذنبين.
أتوجّه إليكم بحرقة أمّ أغرقوا داخلها ما تبقى من الأمل بمستقبل أفضل يُنسج للأجيال القادمة كي يعيشوا في وطن يضمن لهم أدنى الحقوق الأساسية.
أتوجّه إليكم بعد أن أوصدُوا أمامي أبواب العدالة التي طرقتها أملا للظفر بأدنى الحقوق الإنسانية، حقّ إبني عمر، ومُحاسبة كلّ من أجرم في حقّنا جميعا.
أتوجّه إليكم باعتباركم أبّ تُحرّكه مشاعر الخوف والحيرة تُجاه أبنائه، يحلم دائما بنجاحاتهم وسعادتهم. ويهتزّ قلبه ألما وقلقا عند مرض أحدهم.
كُنت على أمل دائم أن تتدخّل لإيجاد حلّ لملف عمر العبيدي بعد أن تابعتُ تدخلاتكم المُتكرّرة لحلحلة العديد من المشاكل والقضايا التي شغلت الرأي العام.
كُنت على أملِ أنّ أربع سنوات وستة اشهر و عشرون يوما كفيلة كمدّة للإمعان في ملف قضيّة إبني عمر وفهم كلّ تفرعاته وتفاصيله المُوجعة. والتي لا تليق بدولة قطعت أشواطا في تكريس القيم الإنسانية العُليا والقطع مع سياسات القمع والترهيب التي انتفض الشعب التونسي ضدّها. وانتخبك العديد باعتبارك ترجمة لكلّ ما بقي يأمل به الشعب بعد أن تحطّمت العديد من أحلامه التي يرى أنّها غير قابلة للتحقّق في بلد يُقتل فيه شبابه بدماء باردة وبطرقٍ إجرامية ووحشيّة.
إلى يوم 20 اكتوبر المُقبل تاريخ الجلسة الخامسة في ملف ابني عُمر العبيدي، تمرّ ألف و ستة مائة وثلاثة و ستين يوما بالتمام والكمال مُنذ تاريخ قتله من قبل مجرمين يحتمون بمظلّة صفاتهم الأمنيّة وبحماية من نقابتهم الأمنية. طيلة هذه الفترة أعدّ الدقائق والساعات على نبضات قلبٍ كُسر مرّتين. مرّة حين تسلّمتُ فلذة كبدي مُسجّى في كفنه بعد أن طاردوه وأغرقوه في الوادي مُخلّفين فيّ حُرقة وعذاب سيُلازمانني بقيّة حياتي. ومرّات عدّة حين أرى جميع المُتهمين ينعمون بالحريّة ويُباشرون مهامهم بصورة عاديّة وكأنّ شيئا لم يكن، وكأنه لا قيمة لما حدث ولا أثر سيترتّب عن هذه الجريمة الشنعاء. إنّ أرواح البعض من أبناء الشعب لا معنى ولا مكانة لها.
أكثر من أربع سنوات و ستة اشهر و عشرون يوما مرّت وأنا على أملٍ دائم أن أصحُو من كابوس رحيل إبني بتلك الطريقة البشعة. أو أن أظفر بحقه في مُحاسبة كلّ من أجرم في حقّه وحقّ عائلته.
السيّد رئيس الجمهورية،
السيّد القائد الأعلى للقوات المُسلّحة،
إنّ ملفات التعذيب والسحل والقتل تملأ رفوف المحاكم وتُرهق أجساد الضحايا وعائلاتهم الذين فقدوا الأمل في عدالة قد تُنصف ذاكرتهم وتُضمّد جروح قلوبهم. فكُلّ ملف يتمّ قبرهُ سيُؤسّس بصفة آليّة لغطرسة وبطش بعض الأشخاص التي تحتمي بصفتها الأمنيّة للانتقام من أبناء شعبك المقموع، والتشفّي من شبابٍ مقهور لم تنسى يوما في خطاباتك للتعريج عن قيمتهم ومُساهمتهم في وصولكم إلى منصبكم هذا.
السيّد قيس سعيّد،
بالعدالة تُبنى أمجاد الشُعوب، وبالتصدّي لسياسات الإفلات من العقاب تتعزّز ثقة المواطن بالدولة. فتُفكّ غربتنا جميعا تُجاه وطنٍ لم يكفّ يوما عن نزف أوجاعنا والتمعّن في انتاج مآسينا.
أردتُ أن أشارك بعض الأمهات مشاعر الخوف والقلق عند اقتراب موعد الإعلان عن نتائج مناظرة الباكالوريا، لكن بعضا من منظوريك ممّن ترأسهم بصفتك القائد الأعلى للقوّات المُسلّحة استبدلوا مشاعري تلك بمشاعر الحزن الدائم والقلب المسحوق.
السيّد رئيس الجمهورية،
إنّ صرخة أطلقتها في الجلسة الفارطة لقضية إبني عمر العبيدي كانت صيحةً منّي للإعلان عن غرق العدالة في أودية نقابات الأمن التي لم تمتثل في أيّ جلسة من جلسات القضية لقرارات المحكمة. بمنطق تُغذيه الغطرسة والتحكّم في السلطة.
السيّد رئيس الجمهورية،
نُريد منكم قليلا من الوقت لتُعبّد طريقا سلكته العدالة فتعثّرت في حُفر قُبرت فيها الملفات القضائية وكرّست سياسات الإفلات من المُحاسبة والعقاب.
إنّ حقّي لن يسقط بالتقادم وعند الله سيتقابل الخصوم. حينها ستكون عدالة السماء أرحم عليّ وعلى حقّ أغفلتموه وحرقة أمّ تجاهلتموها.