تعَد شبكة الإنترنت أرضا “أميركية” لمعارك لا تتوقف، لكن يبدو أن روسيا قررت إيجاد أرض خاصة بها.. شبكة إنترنت مستقلة.
موسكو - كشفت الحكومة الروسية عن خطط لتطوير “شبكة إنترنت مستقلة” تعمل بشكل منفصل عن نظام أسماء النطاقات المستخدم في جميع أنحاء العالم.
وخلال اجتماع عقد مؤخرا لمجلس الأمن الروسي، ناقش المسؤولون مبادرة لتطوير بديل لنظام أسماء النطاقات العالمي، مدّعين أن هذه الخطوة يمكن أن تحمي روسيا وحفنة من الدول الأخرى في حال وقوع هجوم إلكتروني واسع النطاق.
لكن هناك بعض الآراء التي تقول إن هذه الخطة هي حيلة جديدة من روسيا ستساعدها في شن هجمات إلكترونية على نطاق أوسع.
ومن المقرر أن تغطي شبكة الإنترنت المستقلة دول بريكيس “BRICS”، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ويهدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى انتهاء روسيا من هذا المشروع في الأول من أغسطس 2018، ومن المقرر أن يعمل خارج سيطرة المنظمات الدولية.
وقال أعضاء المجلس في اجتماع عقد أكتوبر الماضي، إن الخطة تأتي لأن زيادة قدرات الدول الغربية على القيام بعمليات هجومية تشكل تهديدا خطيرا لأمن روسيا، ومن شأن الإنترنت المستقلة أن تعطي الحكومات الوطنية المزيد من السيطرة على استخدام الشبكة.
وشبكة الإنترنت الحالية، ليست ملكا لطرف من الأطراف، لكن يظل دور الولايات المتحدة في تصميمها وإنشائها كبيرا جدا، ولهذا تزداد احتمالات الهيمنة على الشبكة العالمية.
ويقول إليا بيريسيدوف، المدير التنفيذي لمؤسسة “الإنترنت العقلاني”، يتم التحكم بنظام أسماء النطاقات عن طريق شركة “ICANN” التابعة بشكل غير مباشر لوزارة التجارة الأميركية، علاوة على أن معظم الشركات التي تعمل في الإنترنت مسجلة في الولايات المتحدة. وكما أصبح واضحا من المعلومات التي كشفها العميل الأميركي السابق إدوارد سنودن، فإن الوكالات الأمنية الأميركية تحاول التدخل في عمل كبار مستخدمي الإنترنت وشركات تكنولوجيا المعلومات.
وبما أن غالبية مستخدمي الاتصال بالإنترنت موجودة على أراضي الولايات المتحدة فباستطاعة الأميركيين عن طريق إغلاق أو تغيير الإعدادات، التأثير على الإنترنت في مختلف أنحاء العالم. لذا بدأت تظهر لدى بعض المؤسسات الخاصة والحكومية رغبة في التخلص من هذا التبني الذي تمارسه واشنطن.
ويشير أندري ماسالوفيتش، الخبير في تكنولوجيا المعلومات، إلى أن هذا كله مثل سببا لظهور مشروع البريكيس الذي يسعى للحماية من العين الأميركية التي ترى كل شيء.
لكن الحقيقة التي لا يقولها الخبراء هي أن السبب في إنشاء إنترنت محلية جديدة هو تخوف الروس من رد الولايات المتحدة الأميركية لروسيا الصاع صاعين خاصة وأن روسيا “عبثت” بالديمقراطية الأميركية واستطاعت أن تبيّن مدى هشاشتها. ولاتزال قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة التي فاز بها دونالد ترامب، وما تبعها من تطورات واتهامات وتحقيقات القضية الأولى في الولايات المتحدة.
ورغم ذلك، يأتي الكثير من خطر المحاربين الافتراضيين من بلد واحد، روسيا. ويتدخلون منذ وقت طويل في شؤون البلدان الأخرى مستغلين مهاراتهم الإلكترونية الفائقة.
وتملك روسيا الكثير من المبرمجين المحترفين، ويرجع ذلك إلى تركيز النظام التعليمي على تكنولوجيا المعلومات وعلوم الكمبيوتر بشكل أكثر كثافة مما يقدمه التعليم الأميركي.
وتحتل الجامعات الروسية مراكز متقدمة في مسابقة البرمجة الدولية، ففي عام 2016 فازت جامعة سانت بطرسبرغ بالمركز الأول للمرة الخامسة على التوالي، وضمنت أربع جامعات أخرى ترتيبا ضمن الـ12 الأوائل. وتكرر الأمر نفسه في 2017، عندما حازت جامعة “ITMO” الروسية المركز الأول، فيما تمكنت جامعتان أخريان من البقاء ضمن المراكز الـ12 الأولى، في حين حصلت أفضل جامعة أميركية المركز الثالث عشر.
كما تعيّن روسيا المبرمجين ضمن الجيش والمخابرات العامة، ومن المرجح ارتباط بعض الفرق المتسببة في الاختراقات الإلكترونية المهمة بالاستخبارات الروسية العسكرية والهيئات التابعة لها، مثل الجماعات التي شاركت في المئات من الهجمات الإلكترونية خلال العشر سنوات الماضية، ويشمل ذلك اختراق الانتخابات الأميركية.
وتنتقي روسيا النابغين في مجال علم الكمبيوتر منذ دراستهم في الكليات، وتختار من مجرمي الإنترنت المقبوض عليهم عن طريق قطاعات مكافحة جرائم الإنترنت والمحافظة على الأمن الإلكتروني، فتعفو عنهم بشرط تعاونهم مع الحكومة وابتعادهم عن الأهداف الروسية.
ويقول خبير الأمن الرقمي ديمتري ألبيروفيتش مثلا إن القرصان الشهير إفغيني بوغاتشيف يعمل تحت أنظار روسيا وطبقا لأوامرها، وهو مطلوب القبض عليه من وكالة الاستخبارات الأميركية وتبلغ مكافأة الإبلاغ عنه ثلاثة ملايين دولار.
وكشف الخبير الرقمي إيليا. أل أن “الشركات الروسية، لا تزال تستخدم بشكل رئيسي التكنولوجيا المستوردة. في المقابل أصبحت موسكو اليوم تعتبر التكنولوجيا الأجنبية بمثابة حصان طروادة”.