من أجمل البقاع السياحية في البلاد
يمتد الساحل الجنوبي التركي على البحر الأبيض المتوسط من مدينة أنطاكيا شرقا إلى داليان غربا، وهو في مجمله مكون من جبال خضراء ووديان خصبة يحدها عند هضبة الأناضول الجافة جبال توروس التي يعلوها الجليد معظم فترات العام. كانت المنطقة تعرف تاريخيا باسم شبه جزيرة لايسيا، وتوالت عليها عدة حضارات عبر التاريخ من اليونانية القديمة وحتى الحضارة الرومانية التي تبقى في المنطقة بعض آثارها.
وهي منطقة دخلها العرب قديما بعد فتح القسطنطينية، ولكن يبدو أن السياح العرب لم يعرفوا طريقهم إليها بعد على رغم جمال طبيعتها ودماثة حضارتها. فالأوروبيون، وخصوصا البريطانيين منهم، هم العنصر السياحي الغالب في جنوب تركيا ربما بفضل رحلات الطيران الرخيص من كافة المطارات البريطانية إلى مطارات إقليمية مثل داليان وأنطاليا.
المنطقة هي الأجمل على الإطلاق في تركيا وتتصدر صورها أغلفة النشرات السياحية التركية. وهي الموقع الذي كان مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك يفضل قضاء عطلاته فيها. وفي السنوات الأخيرة انطلقت المنطقة إلى التوسع السياحي بعد زيادة الإقبال عليها مع تدهور السياحة العربية في شرم الشيخ وتونس بسبب الخوف من الإرهاب والتطرف.
الرحلة بالطائرة من أوروبا لا تستغرق أكثر من أربع ساعات، وأقل منها من مدن الخليج. ومن مطار داليان يتم منح التأشيرات روتينيا عبر لصق طابع بريدي على جوازات السفر الأجنبية برسوم تعادل 15 دولارا للزائر الواحد. ومن المطار يمكن للسائح أن يستقل سيارة أجرة أو سيارة خاصة مستأجرة أو حتى «ميني باص» إلى الفندق الذي ينزل فيه.
في قرية أولودينيز (واسمها معناه البحر الميت، نظرا لهدوء البحر) التي تقع على الساحل الجنوبي، يمتد شريط سياحي من المنافذ التجارية المتجاورة، بمحاذاة الشاطئ يوفر للسياح فرص التسوق وتناول الطعام والشراب واختيار المغامرات التي تناسب عطلتهم.
من أهم الأنشطة التي يمكن للسياح القيام بها مشاهدة عشرات الطيارين بمظلات مفتوحة يتجولون بها في سماء المنطقة مثل الطيور قبل الهبوط على مهبط مسطح بجوار الشاطئ. ويمكن للسياح المشاركة في هذا النوع من الطيران الشراعي ويسمى (Paragliding) عبر الانطلاق مع طيار محترف ومشاهدة جمال المنطقة لفترات تمتد حتى 15 إلى 20 دقيقة من التحليق حتى الهبوط على ممرات أولودينيز الساحلية.
ولا بد أن تشمل الرحلة يوما يقضيه السائح في رحلة بحرية على متن سفينة تركية تقليدية التصميم. وتبدأ الرحلة صباحا وتستمر حتى الغروب، وتبحر أثناء النهار بين الكثير من شواطئ وجزر المنطقة حيث يمكن الاستمتاع بمياه البحر عبر القفز من السفينة إلى البحر بالقرب من هذه الشواطئ.
وتقدم هذه السفن لركابها المشروبات طوال الرحلة، بينما يتم طهي السمك الطازج للغداء. وتشمل رسوم الرحلة الإبحار والغداء بينما يدفع السياح ثمن المشروبات. ويصاحب الرحلات مصورون محترفون يعرضون صورهم للبيع على السياح في نهاية الرحلة.
* أخدود «ساكليكنت» من المعالم السياحية الخلابة الأخرى أخدود «ساكليكنت» الذي يقع بين سلسلة جبلية على عمق كبير وتنطلق منه عيون المياه العذبة بغزارة طوال فترات العام وبكميات هائلة تماثل الشلالات الأفقية. ولم يؤكد أكثر من دليل سياحي مصدر هذه المياه وهل هي ناتجة من ذوبان الجليد على سطح الجبال أو من منابع جوفية.
الغريب أن بعض المنتجعات في المنطقة تحيطها أيضا شلالات المياه التي تجري في قنوات خاصة حول الجالسين لتناول الطعام. وتنخفض درجات الحرارة في الأخدود مما يجعله مكانا منعشا لقضاء بعض الوقت فيه بعيدا عن حرارة الشاطئ.
وفي المنطقة نفسها، توجد إطلال مدينة «تلوس» التاريخية، وهي مدينة يعود تاريخها إلى عصر الهكسوس. ويتجول السائح بين آثار رومانية تشمل بقايا مسرح روماني وقبور محفورة في الصخر أعلى الجبال في المنطقة، وأسوار يقال: إنها أقيمت لمنع الغزو العربي للمنطقة، ولكنها لم تصمد طويلا على ما يبدو من تاريخ المنطقة.
ويمكن زيارة أخدود «ساكليكنت» وإطلال مدينة «تلوس» في يوم واحد يجمع بين الرحلتين. وتوفر الوكالات السياحية هذه الرحلات يوميا وهي تشمل أيضا زيارة لأحد مصانع السجاد في المنطقة يقوم المشرفون عليه بشرح كيفية صناعة السجاد والوقت اللازم لاستكمال غزل السجاد من القطن أو الصوف أو الحرير. وأفخم أنواع السجاد تصنع من الحرير ويستمر استخدامها لحقبات تصل إلى ألف عام.
وفي نهاية الزيارة يتم تقديم الشاي التركي وعرض بعض النماذج للبيع بأسعار مختلفة مع إمكانية شحنها وتوصيلها إلى منزل المشتري في بلد المنشأ. وتعفي الحكومة التركية صادرات السجاد من كافة الرسوم والضرائب لتشجيع الصناعة. وربما يكون من الأفضل التفكير في مسألة الشراء لبعض الوقت قبل الإقبال عليها حتى يتأكد المشتري أن ما يشتريه يلائم ديكور منزله من حيث المساحة واللون والتصميم.
* مدينة فيثيا من قرية أولودينيز يمكن التوجه إلى أقرب مدينة وهي «فيثيا» التي تقع على مقربة 45 دقيقة بالسيارة. وتوجد خدمة منتظمة بواسطة باصات صغيرة الحجم كل عشر دقائق وهي متاحة لاستخدام السياح. ويدفع السائح خمس ليرات تركية (2.5 دولار) لقاء الرحلة. وفي فيثيا يمكن الاستمتاع بالتنزه على المارينا التي توفر مرفأ للكثير من اليخوت وسفن الصيد، وتوجد مساحات خضراء بالقرب من الميناء وتصطف مطاعم الأسماك على جوانب المدينة.
من المواقع المشهورة في المدينة سوق الأسماك، التي يمكن للسائح أن يتجول فيها وأن يختار نوع السمك الذي يفضله، ويدفع ثمنه ثم يجلس في أحد المطاعم التي تطهو له سمكه المفضل الذي اختاره بنفسه مع تقديم بعض المقبلات والخبز الطازج والشاي التركي، لكي تكتمل ملامح وجبة طعام لا تنسى.
وفي أيام الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع تقام في المدينة سوق مترامية الأطراف تقدم صنوف المنتجات الزراعية في بداية السوق ثم تتحول إلى سوق سياحية في نهايتها لمنتجات يدوية وجلدية وملابس وهدايا. ويقبل السياح على هذه السوق من أجل شراء المنتجات الطازجة والرخيصة. وتاريخيا تقع فيثيا على أنقاض مدينة تلميسوس التي دمرها زلزال هائل في عام 1856 وسوى مبانيها بالأرض بما في ذلك معبد تاريخي اسمه معبد أبوللو.
المعالم السياحية في المنطقة تشمل شاطئا خاصا في أولودينيز يطل على البحيرة الزرقاء. ويشتري السائح تذكرة دخول إلى المنطقة لكي يتمتع بشاطئ هادئ من المياه الصافية التي تحيطها الجبال الخضراء من كل جانب، في موقع خلاب يشبه بعض مواقع البحر الكاريبي. ويمكن استئجار الزوارق للإبحار في أرجاء البحيرة الزرقاء، أو السباحة في المياه الصافية في مناطق محاطة بحواجز تفصل بينها وبين مسارات الزوارق.
ومن المزايا السياحية التي تقتصر على تركيا تقديم الحمامات التركية للسياح، وهي مفتوحة يوميا للرجال والسيدات. ويمكن إضافة السونا وحمامات البخار إليها.
الهدايا التي يمكن للسياح شراؤها من تركيا تشمل الزعفران الذي يباع في أكياس ثمن كل منها خمسة ريالات تركية، بينما هو يباع بعشرة أضعاف هذا السعر في الدول الأخرى. وتنتشر الحلويات التركية وأهمها الملبن وأنواع المكسرات. ويمكن شراء الحلي الرخيصة والحقائب الجلدية ولعب الأطفال والملابس والأحذية التي تصلح للاستخدام خلال أيام العطلة. كما تشتهر المنطقة بالفواكه الطازجة وفقا للموسم وينتشر بها حاليا موسم الرمان الذي يمكن تناوله كشراب طازج حيث يتم عصره مثل البرتقال.
إن جنوب تركيا اكتشاف سياحي رائع، وأهم سماته أنه يحتفظ بسياحه الذين يأتون إليه عاما بعد عام. وسوف تكون مواقع السياحة العربية المنافسة في مأزق إذا لم تتعلم من الدرس التركي.
* ملامح مشجعة من السياحة التركية ربما يكون جمال الطبيعة من الأمور التي تجذب السياح إلى موقع سياحي معين، ولكن التعامل مع أهل هذا الموقع هو أساس الشعور بالرضا وسر العودة المتكررة للموقع نفسه بما يضمن صناعة سياحية ناجحة ومستدامة. ومن أهم ملامح السياحة التركية التي يمكن أن تجذب إليها المزيد من السياح، خصوصا من العرب:
* الأمانة: يذكر سائح بريطاني أنه نسي كاميرا غالية الثمن في مطعم محلي ولم يكتشف ذلك إلا بعد مرور 24 ساعة. ولدى عودته إلى المطعم تم الترحيب به وتسليمه الكاميرا. وتكرر المشهد في نسيان حقائب في مطاعم أخرى قامت بتسليمها لأصحابها.
* الضيافة: الشعب التركي مضياف بطبعه ويبتسم لزواره ويكاد يشعرهم بأنهم السبب في ارتقاء مستواه المعيشي والحفاظ على وظيفته. ويتحدث الأتراك بعفوية عن حياتهم ويرحبون بالضيوف، وهي صفة تغافلت عنها جهات سياحية أخرى، فأعرض عنها السياح.
* الوسطية: الشعب التركي محافظ، وترتدي معظم النساء الحجاب كما يرتفع الأذان في توقيته اليومي. ومع ذلك، لا يفرض الأتراك أسلوب حياتهم على السياح، بل ويقدمون لهم ما يريدون من نبيذ مع الطعام بلا حرج وبأدب جم. ولذلك يقول معظم السياح بأنهم سوف يعودون إلى تركيا عاما بعد عام. وهناك منهم من اشترى عقارات في المنطقة.