كان يمكن للتراث الثقافي الهائل للشرق الأوسط، وهو المنطقة التي تطوّر فيها جزء رئيسي من البشرية، أن تجعله الوجهة الثقافية الأكثر جاذبية في العالم إنْ كان الأمر كذلك، لماذا بيانات زيارة السياح آخذة بانخفاض مستمر؟
تخيّلوا في أنفسكم رحلة إلى الأهرام، ركوب على الجمال على طول الصحراء التونسية وزيارة مدينة تدمر السورية القديمة.
في حين أن بعض تلك الأماكن تعتبر آمنة نسبيا للزيارة، فقد هبطت السياحة في الشرق الأوسط بأرقام كبيرة منذ بداية الربيع العربيّ عام 2010 وفي أعقاب العمليات الإرهابية المتكررة وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يعتمد ملايين العرب والمسلمين على السُياح كمصدر للدخل، ولقد أضر الهبوط في عدد السياح بشكل ملحوظ باقتصاد الدول المختلفة. وإليكم بعض الأمثلة:
كانت تونس دائما وجهة رخيصة نسبيا للسياح من جميع أنحاء العالم، ولكن في أعقاب الربيع العربيّ، الذي بدأ فيها تحديدا، بدأ الوضع بالتدهور. يعمل نحو 400,000 شخص في صناعة السياحة التونسية، التي تشكّل نحو 7% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ولكن أعداد السياح هبطت بمليوني شخص في أعقاب الثورة. قُتل في شهر آذار 20 سائحا بأيدي الإرهابيين في متحف في العاصمة تونس، مما لم يجذب تماما المزيد من السياح إلى الدولة الشمالي إفريقية.
وحالة مصر ليست أفضل. ففي أعقاب الثورة عام 2011 والانقلاب الآخر ضدّ الرئيس المعزول محمد مرسي عام 2013، تضرّرت السياحة كثيرا. زار نحو عشرة ملايين سائح فقط مصر عام 2014، وهو انخفاض بأكثر من 30% مقارنة بعام 2010 (ولكنه ارتفاع طفيف مقارنة بعام 2013).
لم يجذب انعدام الاستقرار في سيناء، حيث هناك حضور متزايد للتنظيمات المتماهية مع داعش، والمظاهرات العنيفة المتكررة تماما السياح للبلاد ولعجائب العالم التي توجد بها: الأهرام. قُتل في العام الماضي ثلاثة سياح من جنوب كوريا، ممّا جعل السياحة في البلاد تتراجع إلى مستوى غير مسبوق، وفي هذا الأسبوع فقط حدثت عملية إرهابية في الموقع السياحي في الأقصر.
كانت سوريا ولا تزال مكانا للعديد من المعالم السياحية الجميلة، بدءا بمدينة تدمر القديمة (التي تسيطر عليها داعش اليوم) وحتى المسجد الكبير في دمشق. أضرّت الحرب بين بشار الأسد وبين الثوار وداعش بطبيعة الحال بالسياحة. ألغت شركات الطيران الرحلات الجوية إلى دمشق، دُمّرت فنادق وسيستغرق الأمر سنوات حتى تتعافى البلاد من الحرب الأهلية وتنجح في جذب السياح مجدّدا إلى تلك المعالم التي دُمّرت.
تمتّع لبنان عام 2010 بنحو مليوني سائح في العام، ولكن بعد أن غزته الحرب الأهلية السورية، تراجع عدد السياح. وقد تعقّد الأمر أكثر عندما قاطع مستثمرون كبار من دول الخليج لبنان في أعقاب موقفه بخصوص الصراع في سوريا. تحاول بيروت، المعروفة كـ "باريس الشرق الأوسط"، الآن أن تتعافى، وتشير البيانات الأخيرة إلى نموّ بنحو 20% في النشاط السياسي في بلاد الأرز في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015.
وبشكل مفاجئ، ارتفع دخل ليبيا من السياحة عام 2014 (مقارنة بالعام السابق)، ولكن الحرب الأهلية الدائرة في البلاد منذ سقوط معمر القذافي أثرت بطبيعة الحال على الصناعة. لحسن الحظّ، لم تنجح داعش بعد في الوصول إلى المعالم اليونانية والرومانية الساحرة، بما في ذلك مدينة إسبارطة القديمة (موقع تراث عالمي) والتي يمكن لليبيا عرضها.
تمتّعت العراق عام 2010 بارتفاع ملحوظ في عدد السياح الزائرين لمعالمها (أكثر من 1.5 مليون)، ولكن تراجعت هذه الأعداد ووصلت، على الأقل، إلى 900,000 في عام 2013، بحسب بيانات البنك الدولي. وتدهور الوضع أكثر عندما احتلّت داعش محافظة الموصل والأنبار. في هذه الأثناء تحاول البلاد دون نجاح إعادة تيار السياح إلى المواقع مثل آثار بابل، التي أقيمت في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.
لا تزال تركيا تتمتّع بسياحة واسعة. ارتفع عدد السياح من البحرين، على سبيل المثال، بنسبة 700%. وفقا لبيانات حديثة، تقع تركيا في المركز الثالث عالميا على قائمة الدول الأكثر جذبا للسياح (زارها 38 مليون سائح عام 2013). الأوضاع الأمنية فيها هادئة مقارنة بدول إسلامية أخرى في المنطقة ويسهّل موقعها على مفترق الطرق بين آسيا وأوروبا على السياح الوصول إليها وزيارة مختلف الأماكن الساحرة التي تقدّمها: بدءًا من مساجد إسطنبول الرائعة وصولا إلى المناظر الطبيعية الفريدة في باموكالي.
تبذل إيران الآن جهودا لجعل مجال السياحة مصدر دخلها الثاني، بعد النفط. تمتلئ إيران بالمعالم التاريخية (الرقم 17 في قائمة اليونسكو) القادرة على جذب رقم محتمل من 20 مليون سائح في العام (أرباح بنحو 30 مليار دولار). وذلك بالإضافة إلى مواقع سياحية مثل طهران النشطة، أصفهان وشوش القديمتين، برسبوليس، قم المقدّسة للشيعة، الجبال الثلجية، صحاري الملح، المقابر المحفورة في الصخر والمدن تحت الأرض. وفقًا للبيانات الرسمية، فقد نمت السياحة في إيران بنسبة 35% حتى نهاية شهر آذار 2014، وقد حقّقت أرباحا بقيمة 3 مليارات دولار منذ عام 2013. من الجدير بالذكر أيضًا أنّ السياحة لإيران ليست خاضعة للعقوبات الأمريكية.
تجذب طقوس الحج إلى المدينة المقدّسة مكة وحدها إلى السعودية ملايين الحجاج كل عام، ولكن المملكة لا تزال بحاجة إلى تنمية كبيرة في مجال السياحة. ارتفع عدد السياح من بقية دول الخليج بنحو 30% في الأشهر الخمس الأولى من عام 2015. في عام 2012 وحده جاء إلى البلاد أكثر من 14 مليون زائر ووصلت إلى المركز 19 من حيث عدد الزوار في العالم، ولكن يأتي جميع الزوار تقريبا إلى مكة أو لأهداف تجارية.
سيُلغي الأردن في نهاية هذا العام رسوم الفيزا المطلوبة من أجل زيارتها، أملا بجذب سياح آخرين إلى معالمها المختلفة، ومن بينها المدينة النبطية البتراء، بقايا المدينة اليونانيّة - الرومانية جرش والمناظر الطبيعية الصحراوية الجميلة في وادي رم. أعلنت وزارة السياحة والآثار الأردنية أنّ عدد السياح الأجانب قد تراجع من 8.2 مليون عام 2010 (قبل الربيع العربيّ) إلى 5.3 مليون عام 2014. وتراجع عدد زوار البتراء إلى نحو النصف.
وتعتبر اليمن، الدولة الأفقر في الشرق الأوسط، هي أيضًا أحد كنوزه السياحية البارزة. فهي مليئة بالمعالم القديمة المحافظ عليها جيّدًا نسبيا، ولكن الحرب التي تدور روحاها في البلاد تمنع من وصول السياح. حتى قبل ذلك، كانت السياحة في اليمن آخذة بتراجع مستمر، بسبب صعود القاعدة واختطاف الزوار. وظلّت العاصمة صنعاء، مثل دمشق في سوريا وبغداد في العراق، خالية من السياح الأجانب الذين لا يستطيعون مشاهدة جمالها الصوفي والملوّن المذهل. حتى المعالم مثل بقايا مدينة مأرب، عاصمة مملكة سبأ القديمة، وخليج عدن، تعاني من هذا الوضع.