في خضم التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة التي تواجه الدولة التونسية على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية، تبرز بجلاء أكثر من أي وقت مضى ضرورة سيادية ملحة تتجاوز حدود المطالب القانونية والإجرائية وتتمثل في التعجيل بإرساء المحكمة الدستورية كهيئة ضامنة للحقوق والحريات، ففي هذا السياق التونسي الدقيق الذي يشهد تحولات بنيوية عميقة وتطلعات شعبية متزايدة نحو إرساء دعائم دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية الراسخة يتبدى الحديث عن هذه المؤسسة الحيوية ليس كمجرد ترف فكري أو استحقاق دستوري يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى، إنما يمثل في حقيقته جوهرا أساسيا لسيادة الدولة ورمزا لقدرتها على حكم ذاتها وفقا لمبادئ القانون والدستور تمليه مقتضيات علوية الدستور الراسخة كثابت لا يقبل التهاون وتفرضه الحاجة الأكيدة إلى تحصين البناء القانوني للدولة من أي اهتزازات أو تجاوزات محتملة وضمان انتظام السير العادي والفعال للمؤسسات الدستورية بكامل طاقتها في إطار الاحترام الكامل واللامتناهي لمبادئ الشرعية الدستورية والفصل المتوازن والمرن والتعاوني بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.