اختر لغتك

الخدمة الوطنية في تونس بين الواجب والمسؤولية المشتركة

الخدمة الوطنية في تونس بين الواجب والمسؤولية المشتركة

الخدمة الوطنية في تونس بين الواجب والمسؤولية المشتركة

أشرف والي جندوبة السيد هشام الحسومي، يوم الثلاثاء 25 فيفري 2025 على فعاليات يوم تحسيسي حول الخدمة الوطنية، بحضور عدد من الإطارات الجهوية وممثلي المؤسسة العسكرية والأمنية، في إطار سعي الدولة إلى إعادة ترسيخ قيم المواطنة الفاعلة وتعزيز الوعي الجمعي بضرورة أداء هذا الواجب، ولئن بدا هذا الحدث مجرد نشاط تحسيسي عادي، إلا أنه في جوهره يعكس إشكالية أعمق تتصل بعلاقة المواطن بالدولة وحدود التزامه بمقتضياتها ومدى قدرة السياسات العمومية على ترسيخ مفهوم الخدمة الوطنية كتعبير عن الانتماء لا كإجراء إداري مفروض بالقانون.

مقالات ذات صلة:

بلدية حيدرة: والي القصرين يقيل المكلفة بالتسيير بسبب تهاون في أداء الواجب

التركيز الرئاسي على الأمن الوطني والواجبات المدنية

حين يناديني صوت الواجب النضالي.. إلى ساحة الأدب المقاوم 

وفي هذا السياق، شدد والي الجهة، في كلمته الافتتاحية على أن الخدمة الوطنية ليست مجرد التزام قانوني، بل هي ركيزة أساسية في بناء الدولة وضمان ديمومتها حيث تساهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن وترسيخ ثقافة التضحية في سبيل الدفاع عن سيادته واستقراره، ولا يمكن فهم هذا التأكيد بمعزل عن التحولات الأمنية والإقليمية الراهنة التي جعلت من الحاجة إلى منظومة دفاعية قوية أمرا بالغ الأهمية لاسيما في ظل التهديدات المتزايدة التي تستهدف استقرار المنطقة؛ ولذلك، فإن إحياء النقاش حول الخدمة الوطنية في هذا التوقيت ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو جزء من استراتيجية أشمل تهدف إلى ضمان جاهزية الأفراد والمؤسسات لمواجهة التحديات المستقبلية.

ولعل ما يضفي على هذا اللقاء بعدا أكثر دلالة هو استحضار التضحيات التي قدمتها المؤسستان العسكرية والأمنية حيث لم يكتف الوالي بالتأكيد على أهمية الخدمة الوطنية، بل ترحم على شهداء الواجب وعلى رأسهم شهيد الوطن "سيف حمريطة" الذي استشهد أثناء أداء مهامه ضمن البعثة الأممية لحفظ السلام بجمهورية إفريقيا الوسطى، ويأتي هذا التذكير ليعمّق الوعي بأن الدفاع عن الوطن ليس مجرد شعار، بل ممارسة عملية تتجسد في أسمى معانيها عندما يكون الأفراد على استعداد للتضحية بحياتهم من أجل استقرار الدولة وأمنها؛ وبالتالي، فإن الحديث عن الخدمة الوطنية لا يمكن أن يكون منفصلا عن السياق الأشمل الذي يجعل منها ضرورة وجودية، لا مجرد التزام قانوني يخضع لأحكام النصوص التشريعية.

ومن هذا المنطلق، قدّم ممثلو وزارة الدفاع الوطني عرضا تفصيليا حول الإطار التشريعي المنظم للخدمة الوطنية مستعرضين مختلف مراحل التجنيد من التسجيل إلى الأداء الفعلي مع إبراز التبعات القانونية المترتبة عن التخلف عن هذا الواجب، غير أن الإشكال لا يكمن فقط في الجوانب الإجرائية، بل في مدى قدرة هذه المنظومة على استقطاب الشباب وإقناعهم بأهميتها وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول فاعلية السياسات التحفيزية ومدى انسجامها مع تطلعات الأجيال الجديدة، فالتجارب السابقة أظهرت أن مجرد فرض الخدمة الوطنية بالقانون لا يكفي لضمان انخراط الشباب فيها بفاعلية، إذ لابد من إعادة التفكير في سبل جعلها أكثر جاذبية بحيث لا تكون عبئا على الفرد، بل فرصة لتنمية مهاراته وإعداده ليكون مواطنا فاعلا في المجتمع.

وفي ضوء ذلك، تبرز الحاجة إلى تجاوز النظرة التقليدية التي تختزل الخدمة الوطنية في بعدها العسكري نحو مقاربة أوسع تجعل منها جزءا من مشروع مجتمعي يدمج الشباب في مسارات تنموية متعددة سواء من خلال تكوينهم وتأهيلهم مهنيا أو إشراكهم في مشاريع ذات طابع اجتماعي واقتصادي تساهم في دفع عجلة التنمية، فمن غير المنطقي أن تبقى الخدمة الوطنية مفهوما جامدا لا يواكب التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع في حين أن الدول التي نجحت في تفعيل هذا النظام مثل بعض الدول الأوروبية والآسيوية استطاعت جعله جزءا من تجربة مواطنية متكاملة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع على حد سواء.

وبناء على ذلك، فإن أي سياسة تهدف إلى إحياء روح الخدمة الوطنية لا يمكن أن تقتصر على التوعية القانونية أو الحملات التحسيسية الظرفية، بل يجب أن تكون جزءا من رؤية استراتيجية طويلة المدى تعيد تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة على أسس جديدة، فلا يمكن الحديث عن الانخراط الطوعي في الدفاع عن الوطن دون معالجة الأسباب التي تجعل بعض الشباب ينفرون من أداء هذا الواجب سواء كانت مرتبطة بظروفهم الاجتماعية والاقتصادية أو بتصوراتهم حول جدوى الخدمة الوطنية في ظل التحولات الراهنة.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، يصبح من الضروري أن تتبنى الدولة سياسة أكثر مرونة في التعامل مع ملف الخدمة الوطنية من خلال إعادة هيكلتها بشكل يجعلها أكثر توافقا مع التحديات الجديدة وأكثر قدرة على تحقيق التوازن بين مصلحة الدولة واحتياجات الشباب، فالمواطنة الحقيقية لا تتجسد فقط في الالتزام بالقوانين، بل في الشعور العميق بالانتماء إلى الوطن وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا إذا نجحت الدولة في بناء علاقة تقوم على الثقة المتبادلة بين مؤسساتها وأفرادها؛ ومن هنا، فإن التحدي الأكبر اليوم لا يتمثل فقط في فرض الخدمة الوطنية كإجراء قانوني، بل في تحويلها إلى تجربة إيجابية تجعل من كل مواطن شريكا حقيقيا في بناء مستقبل بلاده لا مجرد فرد يؤدي واجبا مفروضا عليه بالقانون.

آخر الأخبار

اختطاف مراسل قناة تونسنا على متن أسطول الصمود… سلامته مهددة!

اختطاف مراسل قناة تونسنا على متن أسطول الصمود… سلامته مهددة!

تونس: في المعرض الشخصي للفنان التشكيلي سامي بن عامر: روح الانسان في الارض من خلال لوحة وزخرفة ولون

تونس: في المعرض الشخصي للفنان التشكيلي سامي بن عامر: روح الانسان في الارض من خلال لوحة وزخرفة ولون

لمنتخب التونسي بين طموحات المونديال وتعزيز الصفوف: رهانات المرحلة القادمة:  الطريق إلى مونديال 2026: تحديات وآمال

المنتخب التونسي بين طموحات المونديال وتعزيز الصفوف: رهانات المرحلة القادمة:  الطريق إلى مونديال 2026: تحديات وآمال

الإعلام في خدمة الطفولة: إتحاد إذاعات الدول العربية يدعم جمعية SOS تونس: مبادرة ذات بعد إنساني

الإعلام في خدمة الطفولة: إتحاد إذاعات الدول العربية يدعم جمعية SOS تونس: مبادرة ذات بعد إنساني

تونس: الفريق القانوني لإسناد أسطول الصمود يؤكد سلامة المشاركين ويكشف تفاصيل الوثائق التي عرضها الاحتلال

تونس: الفريق القانوني لإسناد أسطول الصمود يؤكد سلامة المشاركين ويكشف تفاصيل الوثائق التي عرضها الاحتلال

Please publish modules in offcanvas position.