المعارضة السودانية تقف صفا واحدا وراء مطلب تسليم السلطة لحكومة مدنية ومحاسبة جميع رموز النظام السابق.
القاهرة - الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير، تسلط الضوء على تشكل معارضة سودانية موحدة وقوية بعد كثير من الانقسامات التي أضعفتها على مدار ثلاث عقود سابقة أمام سلطة البشير.
وقد تمكنت المعارضة السودانية أخيرا من إملاء مطالبها على السلطة بفضل ضغوطها المتواصلة عن طريق الشارع والتي أجبرت المؤسسة العسكرية على تنحية البشير والاستجابة لهذه المطالب.
ويرى متابعون أن بروز معارضة موحدة بالشكل الذي ظهرت عليه في السودان وتصدرها المشهد السياسي سيقطع الطريق أمام مساعي الإسلاميين لاستغلال الأوضاع لصالحهم وركوب موجة الثورة.
ويعد صمود المعارضة في وجه الجيش السوداني وإصرارها على ضرورة تسليم السلطة إلى حكومة مدنية في أقرب الآجال ومواصلة اعتصامها أمام مبنى القيادة العامة، مؤشر قوي على مدى توحد الصفوف
وأدى إسقاط البشير، إلى تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولى إدارة حكم البلاد لمدة عامين، ولكنه لا يلقى دعما كبيرا على المستوى الخارجي، حيث أعربت أكثر من دولة غربية على ضرورة التسريع في تسليم السلطة لحكومة مدنية.
وكان هذا البلد العربي يشهد وجود نحو 100 حزب سياسي بين معارض وموال لحكومة البشير، لكن لم يكن أيا منهم المحرك الرئيسي للشارع.
وقال مراقبون في هذا السياق إن الأحزاب التي كانت تنشط في فترة البشير، إما كانت أحزاب تعيش على فتات خبز الحزب الحاكم، وإما أحزاب معارضة لم تستطع الصمود في وجه السياسة الأمنية الشرسة التي تنتهجها سلطات البشير الأمنية من اعتقالات وتعذيب.
ويتصدر المشهد السوداني اليوم تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد المظاهرات المناهضة للبشير، وكان السباق في رفض تسلم الجيش قيادة البلاد في المرحلة الانتقالية وطالب بضرورة تشكيل حكومة مدنية مكونة من المعارضة، كما يضم العدد الأكبر من المؤيدين.
وطالب التجمع بضرورة التسريع في حل المجلس العسكري الانتقالي وتشكيل مجلس مدني مؤقت جديد، كما كثف ممثلو التجمع الضغط على قادة القوات المسلحة وأصدروا قائمة طويلة بمطالب بتغيير أعمق وأسرع. وحضّ المتظاهرين على مواصلة الاعتصام حتى "تحقيق أهداف الثورة بتنزيل الرؤى والتصورات الواردة بإعلان الحرية والتغيير".
وقال أحمد الربيع عضو المهنيين السودانيين إنه ما لم تتحقق مطالبهم، فسيواصل التجمع الضغط من خلال الاحتجاجات ولن ينضم إلى أي حكومة انتقالية في المستقبل.
وتجمع المهنيين هو مجموعات صغيرة غالبيتها من الشباب تضم أساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وغيرهم دون قيادة سياسية، نظمت تظاهرات ضد نظام البشير بدأت في 19 ديسمبر الماضي حتى قامت بإطاحته من الحكم الأسبوع الماضي.
وتقول مصادر صحافية متابعة لمجريات الأحداث في السودان، إن المعارضة في السودان الآن يمكن اختصارها في "قوى نداء السودان وقوى الإجماع الوطني وقبلهم تجمع المهنيين والذي يضم العدد الأكبر".
وأوضحت المصادر ذاتها أن "نداء السودان"، والذي تأسس في باريس، يضم حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي وحزب المؤتمر السوداني وعددا من الأحزاب الصغيرة إلى جانب الحركات المسلحة مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان.
وكانت الاحتجاجات الأخيرة هي بوابة عودة المهدي، المعارض المثقف، إلى البلاد، بعد غياب استمر عاماً، وكان رئيساً للحكومة عام 1989 حين أزاحه عن السلطة انقلاب البشير.
أما قوى الإجماع الوطني، فتضم الحزب الشيوعي السوداني والحزب البعثي وهي أحزاب "أكثر راديكالية عن الآخرين".
وكانت قوى الحرية والتغيير بقيادة التجمع طالبت أيضا "الحكومة الانتقالية المدنية بمحاكمة "البشير وقادة جهاز الأمن والمخابرات وحزب المؤتمر الوطني والوزراء في الحكومات المركزية ومدبري ومنفذي انقلاب 30 يونيو 1989".
ومن جهته بدأ المجلس العسكري في تنفيذ المطالب بدعوة الأحزاب السياسية لأن "يتّفقوا على شخصية مستقلة لرئاسة الوزارة والاتفاق على حكومة مدنية".
ويقول مراقبون إن كل مكونات المعارضة الآن متجهة لتوحيد الصف والقفز فوق الخلافات والتعلم من الخبرات السابقة في هذه المرحلة الاستثنائية".
وفيما يخص الإسلاميين ترى مصادر سودانية أن الإطاحة بالبشير كانت ضربة موجعة بالنسبة لهم، مشيرين إلى أنهم (الإسلاميين) لن يختفوا من الساحة ولكنهم لن يكونوا مؤثرين خصوصا مع انتهاء حزب المؤتمر الوطني"، والذي تطالب قوى الحرية والتغيير بحلّه والقبض على قياداته والتحقيق معهم.
كما توجد بعض حركات المعارضة للمؤتمر الوطني من المنطلق الإسلامي مثل حزب المؤتمر الشعبي الذي كان يرأسه حسن الترابي وحركة الإصلاح الآن بقيادة غازي عتباني، لكن لم يكن لهم تأثير وحضور كبير في المظاهرات التي سبقت الإطاحة بالبشير، وبالتالي لا يملكون أي تأثير على المشهد اليوم.