اتفاق تونسي وإيطالي على رفض معركة تحرير طرابلس، والاصطفاف التونسي يؤكد أن حركة النهضة الإسلامية هي الحاكم الفعلي للبلاد.
تمضي تونس في موقفها الرافض لمعركة تحرير طرابلس من الميليشيات غير آبهة بمخاطر هذا القرار، إذا ما سارت الأمور عكس ما يخطط له التحالف الدولي الإقليمي المناهض لسيطرة الجيش على ليبيا.
تونس - أثبتت زيارة رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي ووزير خارجيته إينزو موافيرو ميلانيزي إضافة إلى وزير الداخلية ماتيو سالفيني، اصطفاف تونس خلف التحالف الدولي الإقليمي المناهض لسيطرة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، بينما كانت تقارير تتوقع إمكانية تدارك تونس لموقفها من حفتر الذي يزداد يوما بعد آخر أهمية في المعادلة الليبية. وتقود روما هذا التحالف غير المعلن الذي يتكوّن من قطر وتركيا والجزائر وتونس.
وجدّد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي موقف بلاده الرافض للتحرك الجيش الليبي لتحرير العاصمة من الميليشيات. وأكد أن بلاده تتابع بانشغال بالغ التطورات الخطيرة في ليبيا بالنظر إلى انعكاساتها المباشرة على أمن واستقرار تونس والمنطقة عموما، موضحا أن بلاده تدعم كل المساعي المبذولة إلى إنهاء الاقتتال ومواصلة الحوار السياسي بين كافة الفرقاء في اقرب وقت، من اجل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة برعاية الأمم المتحدة تضمن وحدة ليبيا واستقرارها وأمن شعبها الشقيق.
وكان مراقبون توقعوا إمكانية تعديل تونس لموقفها من الأوضاع في ليبيا لاسيما عقب لقاءين جمعا قائد السبسي ومحسن مرزوق رئيس حركة مشروع تونس المشاركة في الائتلاف الحاكم، حيث أكدت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أن الطرفين بحثا مستجدات الوضع الإقليمي. وجاء اللقاءان بعد أيام من إطلاق معركة تحرير طرابلس.
ومعروف عن مرزوق أنه يدعم الجيش الليبي وقال في الأيام الأولى للمعركة “نعتقد أن مصلحتنا في تونس وشمال أفريقيا تتقاطع مع جهود الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في مكافحة الإرهاب والتطرف وفوضى السلاح”. وبدوره دعا رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبّي كونتي إلى وقف إطلاق النار في ليبيا بأسرع ما يمكن.
وفي إطار بحث الملف الليبي، أجمع كونتي وقائد السبسي الرأي على أنه “لا يوجد خيار عسكري، بل أن هناك حلا سياسيا”.
ويحذّر مراقبون من اصطفاف تونس التي التزمت خلال السنوات الماضية بحياد نسبي، خلف المحور المناهض لإعادة الجيش للاستقرار في ليبيا وتجاهلها للدور المتعاظم لحفتر وإمكانية نجاح تحركه في السيطرة على البلاد، وهو ما سيعقد العلاقة بين البلدين، وقد تنتج عن ذلك متاعب كثيرة للتونسيين الذين يرون في ليبيا مجالهم الحيوي للعمل والتجارة.
ويرى هؤلاء أن هذا الاصطفاف يؤكد أن حركة النهضة الإسلامية التي تربطها علاقات وثيقة بالتيارات الإسلامية في طرابلس ومصراتة، هي الحاكم الفعلي للبلاد ويثبت التهم التي وجهت إليها سابقا بالتدخل في السياسة الخارجية التي تعدّ من صلاحيات رئيس الدولة.
وتعد إيطاليا من أبرز الداعمين الدوليين لحكومة الوفاق ولمدينة مصراتة ذات الثقل السياسي والعسكري التي تقود حاليا معركة التصدي لسيطرة الجيش على العاصمة.
ووجّه المتحدث باسم القائد العام للجيش اللواء أحمد المسماري الجمعة، اتهامات لإيطاليا بتقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق انطلاقا من مصراتة، مطالبا إياها بإغلاق مستشفاها العسكري في المدينة في أقرب وقت ممكن.
وأكد المسماري في تصريحات لصحيفة كوريري ديلا سيرا الايطالية عدم وجود دواع إنسانية لبقاء المستشفى بعد القضاء على تنظيم “داعش” في مدينة سرت أواخر عام 2016.
وأضاف ”لدينا دلائل على أن هذه المنشأة لم يعد لها أي دور إنساني، ولكنها تمثل مساعدة قيّمة لـ’ميليشيات مصراتة’ التي تقاتل جيشنا، لقد تمت إقامة المستشفى الميداني لمساعدة الجرحى في الاشتباكات ضد داعش بسرت وتلك المعارك انتهت منذ فترة طويلة”.
وتساءل “لماذا لا يزال هناك 400 جندي إيطالي، في تلك القاعدة الجوية بذريعة حماية المستشفى”.
وتابع “تقلع طائرات من القاعدة وتقصف قواتنا وتتسبب في سقوط ضحايا من بينهم مدنيون ونعتقد أن للإيطاليين دورا في تدريب الميليشيات، إنه ليس بالأمر الجيد عليهم المغادرة”.
ورد جوزيبي كونتي بالنفي على اتهامات المسماري. وأكد في تصريحات صحافية على هامش حضوره قمة بكين أن موظفيهم في مصراتة لم يقوموا بأي أنشطة عسكرية أو شبه عسكرية وعملهم اقتصر على علاج المرضى المدنيين.
وكانت زيارة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى روما منتصف الشهر المنقضي، أخرجت التحالف القطري الإيطالي لإنقاذ الميليشيات الليبية إلى العلن.
وحظي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بلقاء جوزيبي كونتي، وحضر اللقاء أيضا نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي أحمد معيتيق المحسوب على الإسلاميين والمقرب من إيطاليا. كما عقد اجتماعا مع نظيره الإيطالي إينزو موافيرو ميلانيزي، ما يعكس مساعي روما الحثيثة لإرباك تقدم معركة طرابلس التي لا تنظر إليها كونها جزءا من الحرب الدولية على الإرهاب، أو كأحد الضمانات الرئيسية لوقف الهجرة إلى أوروبا، ولكن كونها تندرج في سياق صراعها مع فرنسا على مواطن النفوذ.
وأثارت طائرة عسكرية قطرية حطت في مطار جربة القريب من الحدود مع ليبيا الأسابيع الماضية جدلا في تونس وسط توقعات أن تكون محمّلة بالأسلحة للميليشيات.
وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي مع رئيس حكومة “الوفاق” فايز السراج أن بلاده ستسخّر كل إمكانياتها لمنع ما وصفه بـ”المؤامرة”، وستقف بحزم إلى جانب الليبيين وحكومتهم الشرعية المتمثلة بحكومة الوفاق. والجيش الوطني يقول إن لديه معلومات مؤكدةً بأن أنقرة سلمت قوات مسلحة في مصراتة طائرة دون طيار ومعها طاقم تشغيل تركي.
وتتحرك الجزائر رغم أزمتها الداخلية في اتجاه عرقلة سيطرة الجيش الليبي على طرابلس. وقال وزير خارجيتها صبري بوقادوم في تصريحات سابقة على هامش زيارة لتونس “لن نقبل أن تُقصف عاصمة عربية، فيما نبقى صامتين، بل من واجبنا في الجزائر وتونس الدعوة إلى وقف الاقتتال”.