طرابلس – 15 ماي 2025 – تقرير خاص
في مشهد يعيد إلى الأذهان كوابيس الحروب الأهلية، تعيش العاصمة الليبية طرابلس على وقع اشتباكات عنيفة بين أبرز الميليشيات المسلحة، وسط تحذيرات أممية من "خطر داهم على المدنيين" و"نزوح جماعي وشيك".
فبعد ليالٍ من القصف العشوائي والمعارك بين "قوات الردع لمكافحة الإرهاب" و"اللواء 444"، أُعلن مساء الأربعاء عن وقف هش لإطلاق النار، في وقت بدأت فيه طلائع المنظمات الدولية التحرك خوفًا من انفجار الوضع مجددًا.
■ الأمم المتحدة تطلق ناقوس الخطر
في بيان شديد اللهجة، أعربت الأمم المتحدة اليوم الخميس عن "قلقها العميق" من تصاعد العنف، داعيةً إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان حماية المدنيين بموجب القانون الدولي الإنساني.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن "استمرار المواجهات في الأحياء السكنية يهدد حياة الآلاف ويدفع بالسكان إلى حافة النزوح الجماعي"، مضيفة:
"نرحب بالأنباء التي تتحدث عن وقف لإطلاق النار، وندعو إلى احترامه بشكل كامل وغير مشروط".
■ قتال بين "حلفاء الأمس"
اللافت في الصراع هو أنه يجري بين قوتين يفترض انتماؤهما إلى مؤسسات الدولة، إذ يتبع "جهاز الردع" المجلس الرئاسي، بينما يتبع "اللواء 444" وزارة الدفاع. هذا الانقسام يكشف عمق الفوضى التي تعيشها المؤسسات الأمنية الليبية، والتي تحوّلت إلى واجهات لكيانات مسلّحة منفصلة تفرض واقعها بقوة السلاح.
مسؤول في وزارة الداخلية كشف لوكالة الأنباء الفرنسية أن القتال استخدم فيه "كل أنواع الأسلحة تقريبًا، من رشاشات ثقيلة إلى قذائف صاروخية"، مضيفًا أن "الاشتباكات كانت على نطاق واسع وشملت أحياءً سكنية مكتظة".
■ "حرب مناطق"... والمدنيون بين المطرقة والسندان
خلال الأيام الماضية، نزح مئات السكان من مناطق طريق السور وعين زارة وصلاح الدين خوفًا من تصاعد الاشتباكات، فيما انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي صور مروعة لمنازل مدمّرة وسيارات محترقة وشوارع تحوّلت إلى خطوط تماس.
"الناس عالقون في بيوتهم... لا ماء، لا كهرباء، وقذائف تسقط كل نصف ساعة"، تقول أم محمد، وهي من سكان منطقة عين زارة.
"كلما اعتقدنا أن الأمور هدأت، عدنا إلى الجحيم من جديد".
■ وقف إطلاق نار... هش ومشروط؟
بحسب مصادر محلية، تمّ التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار برعاية شخصيات نافذة داخل المجلس الرئاسي، لكن الاتفاق ما زال غير مضمون في ظل غياب قيادة موحدة وفشل الجهات الحكومية في فرض سلطتها الميدانية.
ويرى مراقبون أن استمرار غياب الدولة الحقيقية في ليبيا يترك العاصمة رهينة لـ"مراكز نفوذ مسلحة" تبحث عن تثبيت مواقعها قبل أي تسوية سياسية قادمة، خاصة في ظل الحديث عن إعادة إطلاق العملية الانتخابية خلال النصف الثاني من 2025.
■ ما القادم؟
الوضع في طرابلس مرشّح للانفجار في أي لحظة، خاصة مع بقاء السلاح خارج سيطرة الدولة، وانتشار النزاعات المسلحة في الأحياء المدنية. ومع كل طلقة نار جديدة، تتآكل فرص بناء السلام وتُغلق نوافذ الأمل أمام الليبيين الذين أنهكتهم سنوات الحرب والانقسام.
السؤال الآن:
هل تصمد الهدنة الهشّة؟ أم أن العاصمة مقبلة على جولة جديدة من الجحيم؟